نتنياهو في موسكو: الحريق على أبواب القدس
عامر نعيم الياس
في حزيران من عام 2014، اقترح الكرملين على الحكومة الصهيونية إنشاء خطّ ساخن لمناقشة القضايا الحساسة، خصوصاً في حالات الطوارئ في المنطقة، وفقاً لما نقلته مراسلة صحيفة «لوموند» الفرنسية في القدس المحتلة. لكن الأمور اليوم تختلف بشكل جذريّ، والقضية أضحت من الخطورة بمكان، بحيث اضطر رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للذهاب شخصياً إلى موسكو في زيارة مفاجئة من أجل مناقشة التطورات الأخيرة على الساحة السورية، والمتعلّقة بما أسمته الصحافة العبرية «تصاعد القلق الإسرائيلي من الانتشار العسكري الروسي في سورية لمساعدة نظام بشار الأسد».
من الواضح أن الحريق صار على أبواب القدس، وهو ما لا يمكن للغرب ـ وتحديداً الولايات المتّحدة الأميركية ـ تحمّله في المنطقة. فالتعزيزات العسكرية الروسية في سورية والدخول المباشر على خط فتح الباب في المنطقة أمام كل الاحتمالات بما فيها تحليق الطيران الحربي الروسي في سماء سورية ومشاركة القوات البرية في الحرب على الإرهاب برّاً، هذه الأمور تتجاوز في مجملها الخطوط الحمراء في المنطقة، والتي تتعلّق أولاً وأخيراً بأمن الكيان الصهيوني. ربما هذا ما دفع الإدارة الأميركية ممثلةً بوزير الدفاع آشتون كارتر إلى بدء المحادثات العسكرية مع نظيره الروسي. لكن انعدام الثقة القائم بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو حمَل الأخير إلى الكرملين قبل ثمانية أيام من كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك من أجل نقل مخاوف الكيان الصهيوني أولاً، والحصول على تطمينات روسية تتعلق بالأمور التالية:
ـ ألّا يؤثر ملء الفراغ في المنطقة، وتحديداً في سورية بعد العجز الأميركي الأخير والفشل في محاربة «داعش»، على وضعية الكيان ومصالحه في سورية. هنا تبرز الجبهة الجنوبية والدور الصهيوني المباشر فيها والذي من الممكن أن يتم التراجع عن الهجوم إن كان بوتين على استعداد للحفاظ على التوازن القائم في هذه الجبهة وعدم الاندفاع في كسره، خصوصاً بعد فشل غرفة عمليات الموك في «عاصفة الجنوب» وصدّ الجيش السوري الهجمة الأعنف عليه في محافظة درعا منذ أكثر من سنتين.
ـ تدرك حكومة الاحتلال أن هدف بوتين من هذا الانتقال من الدفاع إلى الهجوم في سورية، يكمن في قطع الطريق نهائياً على إمكانية إحداث تغييرات جوهرية في بنية الدولة السورية الحالية. وبالتالي تريد «تل أبيب» في ضوء تسيّد موسكو اللعبة السورية حالياً، أن تنتزع ضمانات بعدم نقض ما سبق من قواعد قائمة للعبة، مع أن الحكومة الصهيونية هي التي أنهت الهدوء السائد على جبهة الجولان.
ـ الاطلاع على أسس استراتيجية الكرملين في محاربة الإرهاب في سورية، وماهية الدور الروسي في هذه الاستراتيجية والخطوط الحمراء التي تحكمه في ضوء التنسيق عالي المستوى في التحرّك السياسي السوري ـ الروسي الخاص برسم الخطوط العريضة للاستراتيجية الروسية في سورية والمنطقة. والتي كان آخرها ما تحدّث به وزير الخارجية السوري وليد المعلّم لقناة «روسيا اليوم» الروسية، عن دور روسيّ سيقلب المشهد في المنطقة، قائم على أساس الانخراط الروسي في الحرب على «داعش» و«النصرة»، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، سبر غور التنسيق بين الموقفين الروسي والإيراني من سورية، خصوصاً ما يخصّ تعزيز الوجود العسكري للدولتين في الأراضي السورية.
ملفات متعددة جميعها تضع القدس في بؤرة الحدث السوري، فالنيران لن تنطلق باتجاه واحد بل باتجاهين، ربما يحاول نتنياهو الحصول على صفقةٍ ما من سيّد الكرملين.
كاتب ومترجم سوري