كردستان: إلى الأمام

عامر نعيم الياس

تسير الأمور في كردستان العراق هذه الأيام بسلاسة وتلقائية لم يعهدها الملف الكردي منذ سقوط بغداد عام 2003 وإعلان الإقليم استقلاله الذاتي عن العراق الموحد، وإذا أردنا إحصاء قائمة المستفيدين من تأسيس دولة جهادستان الداعشية في المنطقة، وبعد الكيان الصهيوني الذي يحتل المرتبة الأولى على مدى العقد الماضي كاملاً، وحاز درجة امتياز بعد الطاعون العربي الذي بدأ عام 2010، يمكننا التأكيد أن دولة الأكراد تأتي في الدرجة الثانية سواء لناحية الطموح والمشروع التاريخيين، أو من حيث قطف ثمار الطاعون العربي، من دون أن يحمل هذا الأمر في طياته أي شبهة أو اتهام أو ظن بالدور الكردي في ما يجري، هنا نقصد تماماً قطف ثمار اللعبة الدولية الإقليمية الإثنية والطائفية التي حيدت الأكراد عن الصراع في بعض الملفات، وأبرزتهم كبيضة قبان تتهافت القوى للإمساك بها في ملفات أخرى، سورية والعراق ساحتان لحرب عالمية بأدوات إقليمية وعقيدة ثأرية انتقامية ضاربة جذورها في عمق التاريخ، تاريخ عاد إلى الواجهة بمجرد النجاح في تدمير الدولة القائمة في العراق وتفتيت الكيان العراقي، فبعد أحد عشر عاماً من الاجتياح الأميركي للعراق نجحت واشنطن في تحقيق هدفها الأكثر مباشرة وأهمية، وهو تقسيم المنطقة وإعادة صياغة خريطتها على أساس مذهبي وطائفي وإثني، بما يساعد في خلق دينامية ذاتية لفوضى استراتيجية مدمرة لنا وخلّاقة بالنسبة لطاولة البازارات الدولية وعروض التدخل المباشر وغير المباشر، ورعاية المفاوضات ووصفات الديمقراطية التي تنهال علينا من كل حدب وصوب، وبالعودة إلى كردستان يمكن تسجيل الملاحظات التالية:

– قبلة النازحين واللاجئين تعود اليوم إلى ممارسة دورها الاحتوائي الذي ساهم في تجميل صورتها الدولية وسلّط الضوء على ثقافة التسامح التي تطبع تعامل الإقليم مع اللاجئين إليه من مسيحيي بلده عام 2003 واليوم من مسلمي الموصل الذين يقدر عددهم بنصف مليون شخص.

في اليوم الثالث لاجتياح داعش لنصف الجغرافية العراقية، دخلت القوات المسلحة الكردية «البيشمركة» إلى مدينة كركوك المتنازع عليها بين العرب والأكراد والتركمان والتي تحتوي على أكبر وأهم احتياطي نفطي يساهم وحده، أو بالأحرى يعد من أهم عوائق استقلال الدولة الكردية شبه النهائي عن العراق وحكومته المركزية، تلك المدينة التي تبعد 240 كم شمال بغداد، أصبحت اليوم تحت السيطرة العسكرية للأكراد بعد انسحاب الجيش العراقي منها كما انسحب من الموصل، وتعليقاً على هذا الأمر، قال قائد اللواء الأول من البيشمركة العميد شيركو فاتح رؤوف إن «قواتنا أكملت نشر عناصرها حول مدينة كركوك، وأكملنا سيطرتنا على المدينة ولن نسمح بدخول عنصر واحد من داعش إليها»، وهنا يطرح السؤال التالي هل ما يجري تحرك كردي ناتج من ضرورة ملئ الفراغ العسكري والأمني الذي تركه الجيش العراقي في كركوك وبعض المناطق الأخرى، أم أنه قرار مرتبط بطموحات تاريخية كبرى؟

– الدور الذي تلعبه حكومة كردستان العراق وتحالفها مع حكومة حزب العدالة والتنمية يطرح العديد من التساؤلات حول الرابط بين زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو إلى كردستان العراق في شهر آب من عام 2012 واجتماعه مع قادتها من دون أن يطلب إذناً من حكومة بغداد المركزية، وبين توسع داعش وانتشار البيشمركة في مدينة كركوك، والجدير بالذكر هنا أن زيارة داوود أوغلو إلى كردستان شملت حينها كركوك التي كانت في مركز الصراع بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة البارزاني في أربيل، من دون أن نغفل هنا طبعاً حجم العلاقات التجارية التي تربط أربيل بأنقرة، حيث تعتبر الأخيرة الشريك التجاري الأول لكردستان العراق، وكانت تقارير اقتصادية صدرت قبل أشهر ذكرت أن إقليم كردستان العراق استحوذ على 70 في المئة من مجمل حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا، وتشير التقارير الى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ نحو 12 مليار دولار عام 2013، وكانت حصة إقليم كردستان منه نحو ثمانية مليارات دولار.

– تثار العديد من السيناريوات بناءً على الخريطة التي طرحتها داعش أمس للمرة الأولى، والتي تظهر فيها دولة الدولة الإسلامية ممتدة على أراضي ست دول عربية بينها الكويت مع مراعاة أمر مهم أن داعش وفي ضمها لسورية تراعي سلخ لواء اسكندرون من الجانب التركي وتعترف فقط بحدود سايكس بيكو في ما يخص وحدة الأراضي التركية، ما يعني أموراً عدة أهمها أن للبراغماتية والتحالفات والدعم دوراً مهماً في تحديد وتوجيه أولويات القصاص الداعشي المشمول بمفهوم «الجهاد القريب»، فضلاً عن أن هذه الخريطة وإن ضمت كردستان إلا أنها تسقط من حساباتها ما يسمى بالبيئة الحاضنة ما يجعلها أقرب إلى الإعلان عن حلم الدولة التوسعية في صورة تشبه تماماً الرسم التلمودي لحدود دولة بني صهيون، وصولاً إلى خريطة كردستان الكبرى، وعند هذه النقطة تعنون مجلة فورين بوليسي الأميركية أحد مقالاتها «انتقام الأكراد»،

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى