ألمانيا والغرب بين المكافحة… والمصافحة
لؤي خليل
مرة جديدة تظهر ألمانيا نفسها كالمنقذ الدولي لأزمات العالم، ولكن بحلولها التقسيمية التي تبعد الآلاف من مواطني بلد قسراً ومن ثم طوعاً، لعلها تحصل على مكسب قد تفتقده هنا أو هناك بحرب كبيرة أو حرب توكيل صغيرة.
فالمتابع لهذا السخاء الغربي وا لماني خصوصاً منذ بداية الأزمة السورية أو الأزمات العربية، يرى أن هذا التعاطف ا نساني لا يمكن أن يكون إلا لأجل المصالح الغربية، فا وروبي الساعي وراء مكاسب توازي السياسة الأميركية لن يخدعنا بكل هذه الحنكة، الغرب العجوز بسياسته والعاجز عن تقليد البراغماتية الأميركية لن يسقطنا مرة أخرى في معاد ته ا نسانية .
والمراقب للتبدّل السياسي الغربي والمصطلحات التي يستخدمها ساسته من الحرب على ا رهاب والتطرف، إلى الحرب ضدّ داعش، ودعم معارضة معتدلة.
كلها مسمّيات تجعلنا نتساءل ما الهدف الأميركي الغربي من كلّ هذا التنقل السياسي في الصراع؟ هل هو نوع من ا سكات السياسي للحلف الروسي ـ ا يراني يقاف دعم الجيش في سورية وإنهاء نتائج الملف النووي ا يراني؟ أم براغماتية غربية جديدة تقوم على تحقيق ا هداف بأيادي حلفاء مذعورين من القوة ا يرانية وإيهام الخصم بقناع السياسة المتزنة التي تبحث عن حلول تتيح بعض الانفراجات السياسية.
فتارة يسعى الغرب وراء مصافحة الحلف السوري ا يراني ـ الروسي، وتارة تبدأ مكافحة ما يسمى «تنظيم الدولة الإسلامية»، لنراه بعد كلّ هذا وذاك دافعاً بكلّ قواه السياسية والاقتصادية سقاط الجيش وأعمدة الدولة السورية، هذا ما يجعل على الغرب الصعوبة البراغماتية في سياسته، فالحلول تؤجل بانتظار انفجار معين أو انكسار معين يراهن عليه بعض الغرب، أو ربما بتراجع روسي عن دعم الدولة السورية، وهذا ما يدفعنا إلى مراقبة كلّ التدخلات العسكرية والاقتصادية والسياسية الغربية بحجة ا مور ا نسانية.
فتأكيداً لكلّ التقارير التي تتحدّث عن فشل محاو ت غربية عدة حداث خرق طائفي أو مناطقي في الجنوب السوري خصوصاً إرضاء للعدو «ا سرائيلي»، كانت الضربة الكبرى لمحاولة كسر طوق العاصمة دمشق، وأتت نتائجها عكسية شتتت ما بقي لهم من قوة غربية أردنية، فالجميع يعرف ا دارة الغربية «ا سرائيلية» لغرفة «موك» وإدارة الاستخبارات ا لمانية للحرب الطائفية في تلك المنطقة، وهذا كله يضعنا في حجم التخبّط الغربي بين مكافحة ما يُسمّى ا رهاب ومصافحة رؤساء العصابات ا رهابية في «النصرة».
هذه الصفاقة السياسية التي ظلّ يخادع بها الغرب طوال سنوات مضت ظناً منه أنّ اللاعبين الدوليين ما زالوا بعيدين من مياه المتوسط، نعم ظنوا أنّ هذه المياه بعيدة أو ستتخلى عنها بكين وموسكو، ليجدوا أقوى ا ساطيل الروسية وربما الصينية قبالة الشواطئ السورية.
فالترتيبات التي أتاحتها موسكو للغرب والفرصة تلو ا خرى من إنهاء التدخل إلى كسر المناطق العازلة والحظر الجوي كان على الغرب أن يدرك أنّ هذه اللحظات لن تشفع بقلب أقوى ا نظمة تحالفاً مع موسكو، دوماً الغرب يصل متأخراً إلى شواطئ الحلول، نه يحيك بخيوط التآمر «ا سرائيلية» ظناً منه أنّ انهياراً معيناً في التحالف المقاوم سيحصل عاجلاً أم آجلاً.
لقد دخلوا هذه المرة في المحظور الروسي، حيث تؤكد جميع التقارير أنّ الصراع هذه المرة انتقل ليصبح هجوماً وجودياً، وأصبحت شركات الصراع الرئيسية في أميركا والغرب تدرك أنّ صراعها مع هذا المحور لم يعد مجرد سيطرة على بقعات نفطية أو خطوط تقوّض النفوذ الروسي أو محاولة للسيطرة النفطية على إيران وخط السيل العربي، فالشركات النفطية العالمية الكبرى التي تضخ بأموالها الهائلة لضخ الإرهاب بحسب النظرية الطالبانية، والالتواءات السياسية إلى ا نسانية التي بدأت ألمانيا تنتهجها ومن خلفها الغرب ظناً منها أنها تخادع شعوبها قبل شعوب هذه البلدان المهجرة.
كلّ هذه التقلبات الغربية من مكافحة الهجرة لنرى قراراً مفاجئاً بالمصافحة ا نسانية طبعاً بحسب المصطلح الغربي، يحمل في طياته سوى مشروع تآمر جديد عوّدتنا عليه الوعود الغربية لـ»إسرائيل»، فهذا التعليب الممنهج للمهجرين وفرزهم وتوزيعهم، لربما ليس إ بداية منهجية لتهجير الفلسطينيين.
نعم… حيثما تجد الحروب ابحث عن أيدٍ صهيونية. فألمانيا التي اشتهرت عبر تاريخها بتآمرها العرقي على العرب لن تفتح أبوابها لوان البشر إ إرضاء للعدو «ا سرائيلي»، فهذه المصافحة المفاجئة لمهجرين غير منظمين في انتمائهم أو البيئات التي خرجوا منها، تجعل كلّ مراقب لسياسة الغرب يفتش عن الحلم السياسي للغرب، ربما بإحراز خرق سياسي على ا رض السورية عبر استخدام ورقة الناخب المهجر.
فبراغماتية الغرب المخيفة ولو كانت بطيئة تجعلنا نقف وبقوة لحساب ورؤية هذه المصافحة غير المعهودة لهجرة مئات ا ف، أو ربما حساب ما بعد سقوط مشاريعهم على ا رض السورية، كيف ستتخلص منهم ألمانيا ومن خلفها الغرب، هل بتعليبهم في السجائر الفاخرة أم سترسلهم في الوجبات المعلبة من أزقة العنف الغربي؟