هكذا ذهب الحريري وهكذا يعود…
روزانا رمّال
قالوا للرئيس سعد الدين الحريري: انتبه ولا تتهاون في المسائل الأمنية كي لا يصيبك ما أصاب والدك، فنخسرك وأنت رمز للاعتدال السني في هذه المنطقة، فاتخذ من أمنه ذريعة تخطت كلّ قانون ودستور وشرعة وغادر البلاد.
يقول الحريري إنه غادر لبنان لأسباب أمنية يعرف أنها لم تعد مقنعة لفئة كبيرة من اللبنانيين، لكنهم ربما اعتادوا على غيابه ويعرفون أنّ غيابه لا يتعلق أبداً بما هو أمني طبيعي يعيشه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، وحتى رئيس «القوات» سمير جعجع في يومياته، بل يتعلق بالأزمة السورية فالحريري غادر لبنان منذ اندلاع الأزمة تقريباً وهو لم يغب وحده بل غاب معه فريق مهتم أيضاً بالأزمة التي كانت بالنسبة إلى الحريري في وقت من الأوقات القضية الكبرى وبين هؤلاء المغيّبين النائب عقاب صقر الذي ارتبط اسمه ارتباطاً وثيقاً بالأزمة السورية وقد لمع نجمه حين خرج يشرح مهمّته الجديدة ويدلّ على المعونات والمساعدات الإنسانية التي كان يرسلها للاجئين في سورية وخارجها، وذلك في معرض ردّه على اتهامه بالتعاون مع المعارضة المسلحة وخصوصاً «الجيش الحرّ» وتدريب فريق من المعارضين على الظهور الإعلامي «السليم».
يقرأ الحريري اليوم جيداً كلام جون كيري الأخير حول سورية ورئيسها بشار الأسد تحديداً، ويعرف أنّ ما قاله انعطافة أميركية هامة موقفاً ومضموناً، فكلام كيري حول ضرورة تنحّي الأسد «لكن ليس بالضرورة الآن»، ودعوته روسيا وإيران لإقناعه بالمفاوضات تعني الكثير بالنسبة إلى الحريري الذي انتظر رحيله طويلاً.
انتظر الحريري، ما يقارب الخمس سنوات، سقوط الرئيس الأسد لكي يعود إلى لبنان ويفتتح مرحلة جديدة، لكنّ بقاء الأسد حتم عليه الاهتمام بأعماله في الرياض، لئلا تنهار بعدما اضطر أن يغيب قسراً عن كتلته السياسية.
الأمور اليوم مختلفة وعودة الحريري تختلف عمّا قبل مغادرة البلاد، فكلّ شيء يتغير والأهم أنّ لبنان أيضاً بدأ يتغير، حتى الشعب تغير والمعلومات تشير إلى أنّ شعبية الحريري أيضاً تغيرت، وخصوصاً في الشمال، وكلّ هذا يزيد الأمور تعقيداً على «المستقبل».
غادر الحريري لبنان على أمل إسقاط الرئيس السوري ووضع كلّ رصيده فيه، معلناً أن لا شيء سيثنيه عن تقديم كلّ ما يلزم ليساهم في تحقيق هذا الأمل مع خصوم الأخير، ولشدة اليقين أكد أنه لن يعود إلى لبنان إلا عبر مطار دمشق.
بعد كلام كيري ونوايا الحلّ السياسي في سورية التي يُفترض أنها باتت أكثر قرباً وجدية في ظلّ اتضاح مصير الملف النووي الإيراني بحلّ سياسي بعيد عن العسكرة والاتفاق على حلّ سياسي لأزمة اليمن وضعت أسسها مؤتمرات جنيف في أيار وبعد التوصل إلى حلّ سياسي لأزمة أوكرانيا أصبح الحلّ السوري يقيناً تبعاً للمسار نفسه الذي تتخذه الدول الكبرى ختاماً، وبالتالي يعود الحريري إلى لبنان من مطار بيروت والأسد لا يزال في دمشق.
غادر الحريري لبنان والنفوذ السعودي فيه بأحسن أحواله، وخصوصاً بعد 2005، أي بعد اغتيال والده الذي أفرز معطيات جديدة في البلاد علت فيها اسهم حلفاء السعودية والولايات المتحدة وكان تيار المستقبل الكتلة الأكبر في 14 آذار فأخذ على عاتقه إدارة البلاد مع بعض الحلفاء الأقلّ نفوذاً وعلاقات منه ويعود إلى لبنان والنفوذ السعودي فيه ملتبس ومرتبك، فالسعودية خاضت حرباً فاشلة على اليمن وراهنت رهانات خاطئة في سورية والعراق والأهم من كلّ ذلك، أنها خسرت حلفها القوي مع الولايات المتحدة بعد انفتاح الأفق أمام إيران والغرب للتطبيع والشرعية وتتويج إيران دولة إقليمية كبرى أمام أعين الدول الخليجية وكلّ هذا لا يمكن أن يصرف في لبنان قوة ونفوذاً كالسابق.
غادر الحريري لبنان، وحزب الله قلق على مصير حليفه الرئيس السوري بشار الأسد، وقلق أيضاً من أي عملية عسكرية ضدّ إيران الحليف الأكبر ومتهم من قبل المحكمة الدولية باغتيال الرئيس رفيق الحريري، لكنّ الحزب تأقلم اليوم مع تجاهل الاتهامات تلك وسعى إلى ترويض شارعه معها، أما الحريري فيعود إلى لبنان وحزب الله حليف لإيران الرابحة في ملفها النووي وحليف للرئيس السوري بشار الأسد الذي بقي رئيساً للدولة السورية وقد حصل على شهادة ردع جديدة وضعها لـ»الإسرائيليين» بعد عملية القنيطرة بعد ردّ المقاومة في مزارع شبعا.
غادر الحريري لبنان برئيس تملص من معادلة المقاومة الذهبية ومن غير المؤكد تكرار مواصفات ذلك الرئيس عند خصوم الحريري، وعلى أمل عودته رئيساً للحكومة ربما يعود الحريري وربما لا يعود إليه رئيساً أي قد لا يعود أبداً.
غادر الحريري لبنان وقد تغير عليه كثيراً. لقد طالت الأزمات وطال الغياب ورهانات الحريري تؤكد فشلها بتراجع حلفائه عنها. حري به أن يأتي الى لبنان اليوم ليشارك في جلسات الحوار ويفتح قلبه للبنانيين ويفتح معهم صفحة جديدة لإيجاد حلول لأزمات البلاد فيسترجع دوراً قد يحمل معه أملاً جدياً بترؤسه حكومة لبنان مجدّداً بما يتناسب مع الفرقاء.