عن ماذا سأحدثكم في العيد…؟
راسم عبيدات
عن ماذا سأحدثكم في العيد، عن الشهداء وشلال الدم النازف، حيث لا يكاد يمرّ يوم من دون شهيد؟ وقبل العيد بيومين فقط سقط شهيدان بعمر الورود والزهور ضياء تلاحمه وهديل الهشلمون. في القدس حصار واقتحامات يومية للأقصى وإغلاقات وعقوبات جماعية واستيلاء على المنازل و»توحش» و»تغوّل» استيطاني وقرارات بقنص الأطفال وشبان الحجارة والملوتوف، وسجون الاحتلال ومركز تحقيقه ضاقت بالأطفال والشبان المقدسيّين ففي أقل من شهر 150 معتقلاً، وفي كلّ ليلة مع خيوط الفجر الأولى تتسلل قوات الاحتلال وشرطته ومستعربوه وأجهزة مخابرته مدججة بكل أنواع السلاح، مقتحمة منازل المقدسيين بكلّ الحقد والإرهاب، لكي تعتقل طفلاً أو أكثر قد لا تتجاوز أعمارهم العشر سنوات، أطفال كانت غولدا مائير تشعر بكابوس مع ولادة كلّ واحد منهم، وكان بن غوريون يراهن على نسيانهم بعد موت كبارهم، ولكنهم سكن الحلم والوطن في أعماق أعماق ذاكرتهم ووجدانهم، ويصرّون على الحرية والانعتاق من الاحتلال، والعيش بحرية وكرامة وعزة كباقي أطفال العالم… وأهالي المعتقلين يفترشون الشوارع وأرصفتها من أجل السماح لهم بالدخول لحضور محاكم أطفالهم وأبنائهم المعتقلين، بعد جولات من التفتيش المذلّ والممتهن للكرامة…
عرب ومسلمون من حكام ومسؤولين يتبارزون في الطباق والجناس والسجع والإنشاء في صياغة بيانات شجب واستنكار خجولة لا تسمن ولا تغني من جوع، من أجل منع الاحتلال عن الاستمرار في اقتحامات المسجد الأقصى وفرض التقسيمين الزماني والمكاني فيه، وأكثر ما يلوّحون به هو التوجه للمؤسسات الدولية، فطرد سفراء الاحتلال وإغلاق ممثلياته في بلدانهم، هي رجس من عمل الشيطان وضد «المصالح العربية»، ومؤسسات ولجان ومنظمات تشكل باسم القدس والأقصى، لا تعمل شيئاً من أجلهما، غير اللغو الفارغ والحديث غير المسنود بالفعل عن الدعم والوقوف الى جانبهما.
أسرى إداريون مضربون عن الطعام منذ أكثر من شهر من أجل نيل حريتهم وإنهاء اعتقالهم الإداري كخطوة على طريق إغلاق ملف الاعتقال الإداري المتنافي مع كل المواثيق والأعراف والاتفاقات الدولية، وكان يفترض أن يكون هناك موقف موحد جماعي بالوقوف ضده من كل أبناء الحركة الأسيرة، لو كانت بعافيتها وموحدة أداتها التنظيمية الوطنية. وعلى بعد كيلو مترات عدة من مكان اعتصام أهاليهم عند صرح الشهداء على بوابة مخيم الدهيشة ضرب واعتداء وحشي من قبل أجهزة أمن السلطة على شبان بعمر الورد لا ذنب لهم سوى أنهم أرادوا أن ينتصروا للأقصى الذي يدنّس من قبل قطعان مستوطني الاحتلال. وبفعل ما يسمّى بـ»ثورات الربيع العربي»، الذبح الحلال عشرات ومئات الآلاف من اللاجئين السوريين، وحتى الملايين يسلكون طرقاً غير شرعية من أجل الهجرة واللجوء الى أوروبا، حيث الموت في البحار وفي البرادات المثلجة والتوسل لرجال الحدود والجمارك الأوروبية من أجل الدخول، في مواقف ذل ومهانة، بعد أن ضاقت بهم أراضي الدول العربية والإسلامية المساهمة الرئيسية في تدمير بلدانهم وتخريبها، فهي من وعدتهم باللبن والعسل ورغد العيش إذا ما تخلوا عن أنظمتهم، دمروا بلدانهم وأغرقوها بكل أنواع الجماعات الإرهابية والتكفيرية، ويرفضون استقبالهم.
عن ماذا أحدثكم؟ عن انقسام مدمّر ما زال يفعل فعله في جسد شعبنا الفلسطيني، وصراع على سلطة هزيلة، في ظل وطن ينهب ويسرق، واستيطان لم يبق الكثير من الأرض. عن جوع وفقر وحصار وإغلاق للقطاع متواصل منذ سبع سنوات؟
من يشاهد ويسمع كل يوم عبارات التحريض والتحريض المضاد والاتهامات بالتخوين والتفريط والتنازل والتخلي عن المشروع والبرنامج الوطني لمصلحة أجندات وأهداف ومصالح فئوية، أو عربية وإقليمية بين طرفي الانقسام فتح وحماس ، يقول بكل أسى ليس من أجل هذا استشهد ويستشهد، اعتقل ويعتقل ناضل ويناضل أبناؤنا، ارحمونا من كل ذلك، ثوبوا وعودوا إلى رشدكم، فما زال الاحتلال جاثماً على صدورنا، تحتاجون إلى إذن وتصريح منه للحركة والتنقل من قمة هرمكم وحتى أصغر مسؤول فيكم، لا سماء حرة ولا معبراً ولا براً ولا بحراً.
عن ماذا سأحدثكم؟ عن بلاد يعمّها الخراب والدمار، بلاد يقتل أبناؤها بكلّ الطرق الوحشية، تنهب خيراتها وثرواتها، وتدمّر كل مقومات وجودها، حتى آثارها تدمّر وتنهب وتسرق، ونقتتل شيعاً ومذاهب من أجل خدمة مشاريع معادية لأمتنا، نحن من يموّل عمليات قتلنا مالاً وسلاحاً وبشراً، وقمة المأساة والمهزلة هناك من يفاخر بلعب هذا الدور، ويتبجّح ويتحدّث بكلّ وقاحة وصفاقة عن الديمقراطية والحرية، في وقت البلاد التي يحكمونها، لا تعرف لا حرية ولا ديمقراطية، بل إقطاعية لهم ولعائلاتهم وأسرهم، ويعاملون أبناءها كعبيد أو قطعان من الأغنام.
لا أشهر حرماً ولا ديناً ولا عيداً تحول دون استمرار مسلسل وموسم القتل والذبح العربي، طائرات تلقي بحمم الموت كلّ يوم فوق أطفال وفقراء اليمن، لا ذنب لهم سوى أنهم يريدون نظاماً أكثر عدالة، نظام يخلصهم من الجوع والفقر، نظام ينهض بواقعهم ويغيّر ويطور بلدهم، نظام يعبّر عن همومهم وإرادتهم وتطلعاتهم، ولكن هناك من يريد أن يبقي الوصاية عليهم، بأنظمة تخدم مصالحه وأهدافه، لا أبناء ومصالح شعبه.
على رغم كل الموت والقتل والدمار، بقيت صنعاء كما كانت داعمة ومناصرة لثورتنا وقضيتنا وقدسنا وأقصانا، خرجوا بمئات الآلاف يعبّرون عن تضامنهم مع الأقصى وشعبنا، تبقى اليمن وفية للأمة ولشعبنا على رغم كل الجراح والألم ووحشية العدوان.
على رغم كل الحرب المستعرة والمجنونة التي يشنها الاحتلال على القدس والأقصى والمقدسيين، فما زال أطفال القدس ونساؤها ورجالها وشيوخها قابضين على الجمر، ثابتين على مبادئهم، عارفين لاتجاه البوصلة، مصمّمين على نيل حريتهم وحقوقهم، مضحين بأجسادهم من أجل منع التقسيم الزماني والمكاني لأقصاهم، هم يدفعون الثمن الأكبر في معركة الدفاع عن القدس والأقصى شهداء وجرحى ومعتقلين، هم موحدون في معاركهم بكل الوان طيفهم السياسي والمجتمعي، مدركين أنهم جميعاً مستهدفون، لا سلطة يقتتلون عليها ولا مناصب ولا مراكز.
سأحدثكم عن القدس بأطفالها، بنسائها، بشبابها، برجالها وشيوخها وعجائزها، تستحق أن تنحني لها الهامات، فهم من يرفعون الهامات عالياً لا يرهبون ولا يخافون لا قمعاً ولا قيداً ولا سجناً، هم مفخرة فلسطين وكل العرب، هم يقولون لكم نحن بخير ابعدوا عنا شروركم يا عرب، تعالوا وتعلّموا كيف تتخلصون من عقدة ارتعاشكم السياسي الدائمة، فنحن هنا مصانع الرجال والنضال.
Quds.45 gmail.com