سرٌّ مِنْ العلياء وإليها
ونسة سليمان الأسعد
ثمّة رابط بين العلياء والحبّ. فالحبّ كلمة تتجسّد فيها أسمى المشاعر والأحاسيس التي قد يشعر بها الإنسان. والحبّ تترادف معانيه وتتشعّب أنواعه ومبانيه، فيكون: حبٌ الشريك، وحبٌ الأخوة والأصدقاء، وحبّ العائلة والأبناء. هذه كلمة من حرفين هما: الحاء… وهو الحبّ والحنين، والباء… وهو البيت والبلد والبنون.
إذا أردنا لهذه المفردات تحليلاً لمعنى، وترتيباً لمبنى، نرى أنّها تتجمّع في كلمة واحدة لا يعلوها في الأفق سماء، ولا يضاهيها في الأرض رجال عظماء، ألا وهي كلمة «الوطن». فالوطن هو الأمّ والزهاء، والوطن هو السكينة والنبع ولا ارتواء، والوطن هو الحرّية والانتماء، والتضحية والفداء. والوطن هو الحياة والبناء، واليُمن والعطاء، والخير والرجاء، والوطن هو الأمن والأمان من شرورٍ يجوب بها الأعداء. والوطن هو السموّ والبهاء، والسخاء والرخاء. والوطن هو الصفاء والنقاء والثراء. والوطن هو العزّ والشمم والإباء. والوطن هو الِحمى من الدخلاء والخيلاء الجهلاء. والوطن هو أرض الأنبياء وأبنائه الأقوياء، لا الضعفاء الأذلّاء، ولا اللقطاء السفهاء. والوطن هو الطريق إلى العلى والعلياء، إلى العلم والعلماء. والوطن تتجسد فيه معاني الحبّ من الحياء إلى الكبرياء.
فالوطن سرّ مِن العلياء وإلى العلياء. فأيهما، عزيزي القارئ، تراه معنى للوطن؟ الحب: هو شعور بالانجذاب والإعجاب نحو شخص ما، أو شيء ما. ولغوياً تضمّ هذه الكلمة معان كثيرة ومتنوّعة كل بحسب درجة المحبوب من محبّيه، وسنذكر عدداً بسيطاً من أسمائه ومعانيه.
الهوى: ويمكن اعتباره أولى درجات الحب في لغتنا، ويعني ميل النفس وفعله، هَوِيَ، يهوى، هوىً… وفي الهوى قول الشاعر أحمد شوقي:
على قدر الهوى يأتي العِتاب
ومَن عاتبت يفديه الصحاب
ألوم معذّبي فألوم نفسي
فأُغضبها ويرضيها العذاب
الصبوة: «جَهلة الفتوّة» واللهو من الغزل، ومنه التصابي، وقال عنترة بن شدّاد:
إذا ريح الصبا هبت أصيلا
شَفَتْ بهبوبها قلباً عليلا
وجاءني يخبر أنّ قومي
بمن أهواه قد جَدّوا الرحيلا
الشغف: وهو من الشغاف الذي هو غلاف القلب.
الوِجد: هو الحبّ الذي تتبعه مشقة في النفس والتفكير في المحبوب، والحزن الدائم. يقول ابن الدمينة:
ألا يا صبا نجد لقد هجت من نجدِ
فهيّج بي مَسراك وِجداً على وجدِ
الكلف: هو شدّة التعلّق والولع، وبمعنى، إدخال عنصر العذاب في الحبّ. وقال أبو النوّاس:
يا قلب ويحك جِد منك ذا الكَلَف
ومن كلِفت به جاف كما تصف
وكان في الحق أن يهواك مجتهداً
كذاك خبّر منها الغابر السلف
العشق: وهو فرط الحبّ، وقيل إعجاب المحبّ بالمحبوب بشكل لا مثيل له.
النجوى: الحرقة وشدّة الوِجد من الحبّ أو الحزن. قال النجمي:
أسافر في عينيك أبحث عن مأوى
أيا رحبة الأحداق يا عذبة النجوى
نسيت على أهدابك السود عالمي
وحلّقت مشتاقاً مع الأنجم النشوى
الشوق: ويعني نزوع النفس إلى الشيء، أو تعلّقها به، وارتحال عواطفه ومشاعره. قال المتنبي:
أغالب فيك الشوق والشوق أغلب
وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب
إما تغلط الأيام في بأن أرى
بغيضاً تنائي أو حبيباً تَقرب
الوصب: وهو الألم الآتي من الحبّ. ولغوياً: الوصب يعني الوجع والمرض. قال جبران خليل جبران:
دعوتموني وبي ما بي من الوصب
وهل دعا واجب قبلاً ولم اُجب
فإن أقصر وأرج اليوم معذرة
فالود يحفزني، والجهد يقعدني
الاستكانة: وهي مرحلة الخضوع للحبّ، وكأنّ المحبّ استسلم بجوارحه وعواطفه واستكان إليه.
الودّ: وهو خالص الحبّ وألطفه وأرقّه، وتتلاءم فيه عاطفة الرأفة والرحمة. كقول المتنبي:
أقلّ اشتياقاً أيها القلب ربما
رأيتك تصفّي الودِ من ليس صافيا
خُلِقت ألوفا لو رجعت إلى الصبا
لفارقت شيبي موجَع القلب باكيا
الخلّة: وهي توحيد المحبة وهي رتبة أو مقام، لا تقبل المشاركة.
الغرام: ويعني التعلّق بالشيء تعلقاً لا يستطاع التخلّص منه، كأن يُقال رجل مغرم، أي ملزم. كقول عنترة بن شدّاد:
هاج الغرام فدر بكأس قدام
حتى تغيب الشمس تحت ظلام
ودع العواذل يطنبوا في عذلهم
فأنا صديق اللوم واللوام
الهُيام: وهو من الدرجات العليا في الحبّ، ويعني الجنون الخالص من كثرة الحبّ والعشق. والهِيم بكسر الهاء: الإبل العطاش، وكأن العاشق المستهام قد استبدّ به العطش فهام على وجهه لا يأكل ولا يشرب ولا ينام. قال الطوبراني:
أعطى الهُيام جمال بالذي أخذا
واستنفذ الصبر لما حكمه نفذا
وهل ترى صحوة من والهٍ دنفٍ
فؤاده من حميا وجدِه جأذا
الوله: وهو أعلى درجات الحبّ. وهناك معانٍ أخرى للحبّ، لكننا آثرنا هذا العدد البسيط من معانٍ ومن شروحات لها. وما أردنا بذلك استطالة وإسهاباً في الكلام، وأنّ ما يختصر كلّ هذا الحب وهذه الشروحات… أحرف ثلاثة: وطن!