لبنان: من يطلق صفارات الإنذار للنزوح العراقي؟
روزانا رمّال
لا يحتمل عقل أمني او سياسي او استخباراتي الانهيار الدراماتيكي الذي أصاب الاستقرار بالعراق، على رغم كلّ التوقعات والتحذيرات من خطر تمدد الارهاب من سورية الى المناطق المجاورة مهما كان الترقب والتحسب عالي المستوى، فأخبار انهيار محافظات عراقية بلمح البصر مفاجأة كبرى.
يبدو جلياً انّ تنظيم داعش او تنظيم القاعدة عموماً على اختلاف اسمائه او متفرّعاته، يتحرك وفق مخطط «ايديولوجي – سياسي» يجمع ما بين العقيدة بوجوب بناء دولة اسلامية وبين ما له من اتصالات مع رجال السياسة والدول المعنية بدعمه لتقاطع المصالح معه وعليه، فعندما تتقاطع المصالح يصعب الحديث عن إمكانية التراجع، فكيف اذا كان باطن الأمور طائفياً وظاهرهاً سياسياً؟ هي بالتأكيد أشدّ تعقيداً.
تحارب داعش صراحةً الشيعة اينما حلوا، وبمختلف تفرّعاتهم ايضاً، او من يمكن الشك بتحالفهم مع ايران من علويين او سنّة، هذا الواقع لا يمكن المبالغة في حجبه عن التداول خشية اعتباره طائفياً او تحريضياً، فممارسات الجماعات الإرهابية المسلحة أثبتت ان العدو الأكبر لها هو إيران وحلفاؤها من سورية إلى حزب الله واليوم العراق، لكن خطورة العراق تتمثل بخطورة ان تكون الحرب الطائفية، الكبرى التي ولو كابر البعض باعتبارها لم تقع بعد، الا انها واقعة من جانب واحد، وهذا أثبت في مناطق عدة في سورية، حيث الذبح على المذاهب والانتماءات هو السائد.
يحاول تنظيم داعش بدخوله المحافظات العراقية إحداث خرق أمني معيّن مع الجانب السوري لوصل الأراضي العراقية بالأراضي السورية في محاولة لبناء الدولة الاسلامية وإن وصفها بالاسلامية، والمضيّ باستخدام المفردة العبارة وتعميمها «خطيئة كبرى» يتحمّل الجميع مسؤوليتها، فليس هذا هو الإسلام، ولا هكذا هم المسلمون، وعليه فإنّ هذه المحاولات بوصل الجغرافيا تأتي بعد نجاح الجيش السوري في إعادة الاستقرار إلى أبرز المناطق في سورية، حيث فرض الجيش كلمته فيها ولو بقيت بقية المدن الرئيسية تنتظر إعادة الأمن اليها بمسألة الوقت.
وبما أنّ «الدولة المنشودة» هدف لا يمكن التراجع عنه لدى القاعديين والداعشيين، وبما أنها تتقاطع مع كونها ورقة ضاغطة سياسياً مع دول اقليمية ودولية ترى لها مصلحة كبرى في الضغط على إيران وحلفائها الكبار مثل روسيا، فإنّ الاعتراف بخطورة الأمر هو اكثر ما يجب التركيز عليه وإدراك انّ هذا التمدّد قد يصبح حقيقة أكبر وسط الفوضى العارمة والمفاهيم الغير مسؤولة وسوء حسابات الدول وفشل مخططاتها وقصر رؤياها في عصر الوهم بالقدرة على تحقيق «الربح السريع» كما يحصل في اي تجارة او صفقة مالية.
سوء الحسابات هذا غير بعيد من لبنان، والأزمة العراقية قد تؤثر مباشرة على صلب النسيج اللبناني، تماماً كما أثرت الأزمة السورية، فالعراق على موعد طبيعي مع النزوح، وعلى لبنان ان يتحضّر لدفعة جديدة من النزوح الجديد، نزوح عراقي الى لبنان، إشارة الى ان لبنان شهد لجوءاً عراقياً بعد الاحتلال الأميركي، ما يدلّ أنّ هذا الأمر أهمّ ما يجب ان يطرح على سلّم اهتمامات المسوؤلين اللبنانيين الذين عليهم ان يتصرّفوا بروح المسؤولية الوطنية.
الأمر الأهم في بلد يحتضن نازحين فلسطنيين وسوريين، ولا طاقة له أكثر، أنه أثناء الأزمات يتحوّل هذا النزوح الى بؤر أمنية تمّت تجربتها في المخيمات الفلسطينية، ومع عدد كبير من النازحين السوريين الذين اتضح بعد فترة انهم مقاتلون منضوون تحت ألوية عسكرية تابعة للمجموعات المسلحة في سورية، وقد ساهم هؤلاء بتوتير الوضع الأمني في لبنان والتحضير لتفجيرات وتنفيذها والتواطؤ مع لبنانيين في ذلك.
هذا الأمر يشير الى الخطر الداهم من تكرار التجرية السورية في لبنان من طريق النازحين العراقيين ليبقى السؤال: هل سيكون لبنان على موعد مع نزوح عراقي تدريجي يدخل اليه عبر دمشق بيروت، وفي أزمات مع الإرهاب يطول بعضها لسنوات، ما الذي يضمن ان لا تنشأ بؤر أمنية عراقية أو داعشية تؤسّس في بلد تحتمل تركبيته الديمغرافية وتوزيعاته الطائفية التواطؤ والتآمر ومخالفة القوانين والمساعدة على تنفيذ المشارع على أرضه؟
صفارات الإنذارت تقرع…
التماسك وحلّ الخلافات والتعالي عليها والوحدة الوطنية أكثر ما يمكن ان يحصّن لبنان.