أردوغان يتراجع في سورية ويحمّل أوغلو مسؤولية السياسة الخارجية

د. هدى رزق

التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو بعد أن وجه له الأخير دعوة للمشاركة في احتفال إعادة فتح المسجد الإسلامي الذي أعيد ترميمه. اجتمع الرجلان وناقشا المسألة الأوكرانية، ووضع المسلمين التتار في القرم، إلى جانب مسألة «داعش» والحرب الدولية عليه. بيد أنّ الكرملين شدّد عند تناوله الوضع في سورية على أنّ مستقبل البلاد هو في أيدي السوريين فقط.

استبق بوتين ضيفه الذي كان يعتزم الطلب إليه، رفع الفيتو الروسي ضد إقامة منطقة عازلة. أيقن أردوغان أنه يغرّد خارج السرب وأنّ التحوّل أتى من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي صرّحت بأنّ على الغرب البدء بمحادثات من أجل التوصل إلى تسوية في سورية، وهذا هو موقف الاتحاد الأوروبي أيضاً الذي يكافح تدفق اللاجئين السوريين. اعتقدت تركيا أنّ استغلال تدفق اللاجئين يمكنه أن يشكل ورقة ضغط في يدها على أوروبا، وكان داود أوغلو يعتزم خلال سفره إلى نيويورك، من أجل حضور افتتاح دورة اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، مطالبة الدول الأعضاء، بتعزيز سياسة تركيا تجاه سورية بما فيها الحاجة إلى تنحية الأسد والتضامن من أجل التعامل مع مسألة اللاجئين بما فيها إقامة منطقة آمنة لحماية الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم.

لكن أردوغان فاجأ الإعلام وأوغلو معاً عندما صرّح بعد صلاة عيد الأضحى، في مسجد اسطنبول، وبعد اختتام زيارة اليوم الواحد الى روسيا، «أنّ الرئيس الأسد يمكن أن يكون جزءاً من الحلّ في عملية التحوّل الى سورية الجديدة، ولكن يمكن أن لا يلعب دوراً في مستقبل سورية».

وعلى رغم أنّ تسوية جنيف كانت قد أقرّت بأنّ حكومة الأسد هي طرف أساسي في الجهود الرامية لوضع حدّ للحرب في سورية، إلا أنّ أردوغان لم يكن ليعترف بالأمر، حتى أنه لم يلمّح قط إلى إمكان إدماج الأسد في الحلّ، بل إنه كان يعتبر الأسد حتى الأمس سبباً للحرب، ويشدّد على رحيله في بداية التحوّل الديمقراطي، كذلك كان موقف كلّ من أوروبا والولايات المتحدة.

وفي معرض تبريره لموقفه هذا، أكد أردوغان أنّ الرئيس السوري، يريد تأسيس سورية صغيرة تبدأ من دمشق، وتمتدّ عبر حماة وحمص وطرطوس إلى اللاذقية، وهي منطقة تشكل 15 في المئة من مساحة سورية وهي مفتوحة على البحر الأبيض المتوسط، وأنّ روسيا سوف تدافع عن هذه المنطقة التي تشكل قاعدة لها وطريقاً لإيران نحو المتوسط. أما تركيا، بحسب أردوغان فهي تريد وحدة سورية وهو يخشى أن تتفتت سورية وأن تكون الأراضي ذات الغالبية السنية تحت سيطرة «داعش»، وأن يتمّ إعلان الدولة الكردية على الحدود التركية، وهذا الأمر سوف يزعج أنقرة ويضعها في مأزق كبير.

بعد فشل المبادرة السياسية التي قادتها موسكو مع السعودية التي أفشلت المحادثات وهدّدت بإسقاط الدولة في سورية، وتوصّل أنقرة مع باراك أوباما إلى فتح قاعدة «انجرليك» الاستراتيجية، وقواعد أخرى في تركيا، مقابل تعاون الدولتين في إقامة منطقة خالية من «داعش» شمال مدينة حلب، على الحدود السورية التركية. أيقنت موسكو أنّ التصعيد لضرب الجيش السوري قد يؤدّي إلى خسارة سياسية لها فصعّدت دعمها للأسد وأرسلت طائرات حربية وسفناً ونظمت مناورات بحرية وأرسلت مدرّبين، ما أربك واشنطن وحلفاءها الذين ستتضرّر خططهم. لعبت روسيا اللعبة الأوكرانية نفسها.

ومع الاعتراف التركي العلني، وموافقة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يمكن أن يصبح مجال المناورة أوسع على المسرح السياسي. لكن يبقى السؤال المطروح وبحدّة داخل تركيا حول الانعطافة في السياسة الخارجية، لكن الذين يعرفون خلفيات هذا الموقف والانتقادات التي سادت في حزب العدالة والتنمية يدركون أنّ أردوغان اجتمع في 8 أيلول مع 40 عضواً من أصل 70 من المؤسسين في الحزب، قبل انعقاد المؤتمر في 12 أيلول.

استنكر خلال هذا الاجتماع النقد الذي يوجه إليه في السياسة الخارجية على رغم أنه بحسب زعمه لا يقرّر هذه السياسة بمفرده. بدت الإشارة واضحة إلى رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو الذي اعتبر مهندس السياسة الخارجية طيلة وجود أردوغان كرئيس للوزراء. في هذا الاجتماع صرّح أردوغان أنه تلقى معلومات خاطئة حول قضايا السياسة الخارجية الأمر الذي يمكنه التهيئة للإطاحة بأوغلو والأمر منوط بنتائج الانتخابات في 1 تشرين الثاني المقبل.

ليس صعباً على أردوغان الانسحاب من المسؤولية، فهو يقدّم نفسه ضحية محمد فتح الله غولن عندما ضرب الجيش في قضية «اركينيغون»، وهو ضحية حزب الشعوب الديمقراطي الذي نجح بالحصول على 13 في المئة عبر تخطي سقف الـ10 في المئة، وهو اليوم ضحية حزب العمال الكردستاني… وهكذا سيتنصّل من الإخفاقات في السياسة الخارجية ويضعها جميعاً على كاهل أوغلو في انتظار الأيام القليلة المقبلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى