الأزمة السورية: عناصر تبدّل المشهد
وليد زيتوني
يختصر المشهد الميداني في سورية عشية التدخل الروسي على الشكل التالي: وقف تقدّم العصابات المسلحة المدعومة تركياً في الشمال مع أخذ المبادرة لتأمين خطوط الإمداد والإخلاء نحو الوسط والساحل، وإعادة التجميع تمهيداً لهجوم لاحق. تدمير هجوم هذه العصابات في الحسكة والانتقال إلى الهجوم الموضعي في دير الزور. القضاء على القوى المتقدّمة نحو العاصمة جنوباً. تحقيق انتصار نوعي في القلمون والزبداني.
إنّ هذه الإنجازات الميدانية مع الحركة الفاعلة للدبلوماسية السورية ساهمتا إلى حدّ كبير في تحريك الستاتيكو الدولي، وأدّتا إلى تغييرٍ في نظرة الدول الكبرى للأخذ بعين الاعتبار القدرة المميّزة للجيش العربي السوري على محاربة الإرهاب. وهو ما أسّس فعلياً لتبني خيارات كبرى على مستوى الدول الحليفة لسورية كما للدول المشاركة في العدوان عليها. ولعلّ المبادرة الروسية أهمّها على الإطلاق في ما خصّ إحياء مسار الحوار في موسكو والذي توّج بمؤتمر موسكو 3 كممهّد طبيعي لمؤتمر جنيف 3.
لم تكن روسيا بعيدة من دمشق سابقاً في ما يتعلق بالدعم العسكري، إلا أنّ القفزة النوعية العلنية الأخيرة، والمتضمّنة إضافة إلى إرسال العتاد الحديث والمعدّات المتطوّرة، إرسال قوى جوية وبرية مع وجود الأسطول العسكري بحرياً على الشواطئ السورية دلل على عزم موسكو على التشبّث بآخر معاقلها على البحر الأبيض المتوسط. وربما تأكيدها العملي منع تقسيم سورية بحسب المخطط الأميركي التركي الصهيوني العربي. إنّ الوجود العسكري الروسي بهذا الحجم أعطى إشارات واضحة إلى تركيا من جهة وإلى «اسرائيل» من جهة أخرى بالتخلي عن فكرة اقتطاع أراضٍ من الجغرافية السورية، إنْ كان تحت مسمّى مناطق عازلة أو تحت فكرة الإدارة الذاتية للأقاليم كما حدث في العراق سابقاً. لقد سمع «نتنياهو» في موسكو كلاماً واضحاً حول إمكان وصول العمليات الحربية وبخاصة القصف الجوي إلى خطوط المنطقة التي تشرف عليها الأمم المتحدة، وهي المساحة التي استخدمتها «إسرائيل» سابقاً لدعم جبهة النصرة والقوى المعارضة الأخرى. هذا الموقف ينسحب أيضاً على الجبهة التركية الذي أدّى إلى اتخاذ قرار أميركي بسحب صواريخ الباتريوت من الحدود الشمالية بعد سحب ألمانيا لهذه الصواريخ أيضاً. تجدر الإشارة إلى أن سحب الصواريخ الأميركية والأطلسية من تركيا، والحضور البحري الكثيف للأسطول الروسي شرق المتوسط زعزع إلى حدّ بعيد الجدار الصاروخي الأميركي الموجه ضدّ روسيا، وأعاد التوازن الدفاعي إلى مرحلة الحرب الباردة. واستكمالاً للمشهد، أرسلت الصين سفناً حربية عبرت قناة السويس إلى المتوسط في خطوة تعتبر سابقة في تاريخها الحديث.
واستطراداً، تراجع سياسياً كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وحتى تركيا عن مطالبتها بتنحّي الرئيس بشار الأسد عن السلطة كشرط أساس لإيجاد حلّ سلمي للأزمة السورية، وبالتالي القبول بالطرح الروسي القاضي بالقول إنّ الشعب السوري وحده صاحب الحق في اختيار قيادته.
إنّ ثبات الموقف الإيراني الداعم لسورية وبخاصة بعد نجاحها في الملف النووي، والخيارات الخاطئة التي اعتمدها الحلفاء الإقليميون لمحور النهب العالمي في سورية، انعكست سلباً على أوضاعهم الداخلية. فها هي تركيا تعاني مما صنعته أيديها من إرهاب بالتوازي مع مشكلتها القديمة مع الأكراد في ديار بكر ومناطق الحدود الجنوبية. كما السياسة الرعناء للقيادة السعودية دفعتها إلى الحرب المدمّرة في اليمن التي لن تخرج منها إلا منهكة عسكرياً واقتصادياً. هذه الحرب إضافة إلى تراجع أسعار النفط، من المؤكد أنهما سيؤثران سلباً في قدرة السعودية في دعم الجماعات المسلحة التي كانت تحركها في سورية.
مجمل هذه الوقائع ستحدّد وجهة المرحلة المقبلة من الصراع الذي اختلط فيه الإقليمي بالمحلي والدولي بالإقليمي. كما اختلط فيه السياسي بالعسكري والعسكري بالاقتصادي. مرحلة قد تكون ظهرّت ملامح النظام الدولي الجديد انطلاقاً من سورية، سورية التي كانت وستبقى قلب العالم الحديث.