هل يدخل الرئيس اللبناني من بوابة مكافحة الإرهاب الروسية؟
روزانا رمّال
بسلاسة ملفتة وبعد تموضع الملف النووي الإيراني، كحدث مفصلي، يرتسم المشهد المقبل في المنطقة، بالتوازي مع ما عكسه الانفراج فيه، وقد انتقل الحراك الديبلوماسي الدولي والإقليمي نحو رفع الملف السوري على مائدة الدول الكبرى، وهذه المرة بشكل مستعجل.
الملفت أنّ الانعطافات جاءت سريعة، وعلى شكل انهيارات متسلسلة كان من غير الممكن الوصول إليها قبل خمس سنوات من عمر الأزمة السورية التي شكلت أزمة دولية بكلّ ما للكلمة من معنى بات أثرها يتوزع على مختلف الدول المحيطة.
إجماع ما بعده إجماع حصده الرئيس السوري بشار الأسد من دون أن يلتفت المعنيون إلى ذلك، فبعد تلاقي بعض دول الجوار مع سورية، كمصر، حول أهمية مكافحة الإرهاب والتنسيق والسعي إلى حلّ سياسي يكون الرئيس الأسد أساساً لنضوجه، أخذت التصريحات الدولية تتوالى أوروبياً وأميركياً ليعود رئيس وزراء بريطانيا دايفيد كاميرون ويؤكد أنّ الرئيس السوري بشار الأسد يمكن أن يكون جزءاً من حكومة انتقالية في سورية. مرحلة يُفترض أن تفرز انتخابات شعبية لا تضمن هذه الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة، أن تكون لها الكلمة الفصل بعدها لأنّ نتيجة الانتخابات، بحسب تقارير استخبارية أميركية أكدت احتمالات مرتفعة لفوز الرئيس الأسد.
يبدو أنّ إدارة أوباما لا تريد أخذ هذه النتائج، علنياً، بعين الاعتبار لشدة ما بات المأزق السوري يشكل خطراً على الأمن الدولي ولأنها على ما يبدو استنفذت أغراضها أميركياً، بغضّ النظر عن الهدف ونسبة النجاح والإخفاق فيه بالتعاون مع مجموعة حلفاء بادرت إلى التغيير أيضاً، وعن أنّ الازمة السورية طالت أكثر مما ينبغي، حسب وزير الخارجية الأميركية جون كيري، ها هي الاجتماعات على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة تتوالى سراً وعلناً لتناول الملف السوري وهنا أشارت المعلومات إلى نوايا أميركية بالتقدم في الملف السوري هذا الأسبوع أي تكثيف النشاط السياسي مع الأطراف المعنية، كفرصة تمنحها اجتماعات الأمم المتحدة.
لا يسع المراقب إلا وضع الدخول الروسي إلى سورية، في إطار تصعيد لموقف موسكو بشأن التأكيد على عبثية المراوغة وإعادة ضخّ زخم جديد لمحاولات إحداث خرق لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد لأنّ على الحلفاء هذه المرة توقع إطالة عمر الأزمة لسنوات أكثر، طالما أنّ الروسي أصبح على الأرض بطلب شرعي سوري، وهذا ما يؤكد عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقوله إنه لن يعترف إلا بالقوة العسكرية التي تأتمر بأوامر الرئيس الأسد أي الجيش السوري، كما تنصّ قوانين الأمم المتحدة، حسب الموقف الروسي.
لم يكن للموقف الروسي قبل الأزمة السورية هذا الزخم الذي كرسته الأزمة فيها خلال السنوات الخمس، وبالتالي فإنّ صمود سورية عكس رفع النفوذ الروسي إلى أعلى مستوياته في المنطقة، مقابل الأميركي الذي لم يكن يتوقع أن يتقاسم هذا الدور مع شريك روسي يفرض شروطه وهذا ما يطرح الأسئلة اليوم حول ما إذا كان هذا النفوذ سينعكس أيضاً زخماً داخلياً روسيا بالملف اللبناني الذي لا يبدو اليوم ظاهراً على السطح.
الانعطافات التي فرضها التدخل الروسي في سورية، أميركياً، تنسيقاً أو ارتجالاً، ستعكس بالتأكيد انعطافات داخلية لبنانية فرضتها بطريقة أو بأخرى مواقف واشنطن الحازمة تجاه الأسد التي عكست انعطافات إقليمية كبرى بطبيعة الحال.
أولى الاستدارات المتوقعة استداراة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فهو لا يستطيع تجاهل المواقف الغربية لفترة طويلة ولو بلغة متدرجة، لكن مع فارق يقين جنبلاطي لاستحالة أي تقارب بينه وبين السوريين مجدّداً، لذلك سارع جنبلاط منذ أكثر من سنة إلى تهيئة انكفائه عن الساحة السياسية في لبنان بتحضير ابنه تيمور لتصدُّر المشهد المقبل، فجنبلاط يدرك منذ أن تراجعت واشنطن عن شنّ حرب عسكرية ضدّ سورية، أنّ الرهان على سقوط الأسد بات نوعاً من الفانتازيا وأنّ البقاء في الساحة السياسية، بالزخم نفسه، يعني المشاركة مجدّداً مع حلفاء سورية ونفوذاً سورياً قد يُعاد إحياؤه سياسياً في البلاد، لذلك رتّب وضعه السياسي على هذا الأساس.
الحريري، بدوره، ومعه وجهة 14 آذار الجديدة على موعد أكيد مع انعطافة متدرجة لناحية القبول بمرحلة انتقالية ستقبل بالاعتراف بها السعودية نتيجة الضغوط الواقعة عليها أولها الملف اليمني وثانيها الضغوط الداخلية المنصبة على رفض سوء إدارة الملك الجديد في ملفات عدة وذلك من أجل تسوية الملف الشائك بقبولها سلة حلول سياسية متتالية، وبالتالي فإنّ الحريري الذي أسقط مع المحكمة الدولية اتهامه للنظام السوري باغتيال والده سيسهل عليه الانعطاف والعودة عبر مطار بيروت إلى لبنان بلعبة السياسة التي دخل عالمها في أصعب ظروفها وهو سيقبل ويتقبّل.
الانعطافة الدولية التي فرضتها روسيا يمكن لها أن تؤسِّس بشكل كبير لدور روسي منتج لأول مرة على الساحة الداخلية اللبنانية، ربما ستسعى روسيا إلى قطف ثماره بدعم رئيس يتماشى مع مرحلة الأسد المقبلة التي يتمحور عنوانها العريض حول مكافحة الإرهاب. فهل يدخل الرئيس اللبناني من بوابة اتفاق دولي لمكافحة الإرهاب وبالتالي يخرج من البازار اللبناني تماماً؟