أوجه الاختلاف بين الوجود السوفياتي في أفغانستان والدعم الروسي لسورية
محمد شريف الجيوسي
تدخل السوفيات في أفغانستان في صيف عام 1979 بعد 6 أشهر من توقيع الرئيس الأميركي جيمي كارتر بـ6 أشهر، توجياً للمخابرات المركزية الأميركية يخوّلها القيام بحملات دعائية لأجل «تحويل موقف الناس ضد الحكومة الثورية الأفغانية الشيوعية».
وباتخاذ أميركا هذا القرار، وجد الاتحاد السوفياتي من حقه التدخل العسكري المباشر باعتبار أن أمن أفغانستان يمسّ مباشرة أمن الاتحاد السوفياتي في الجنوب منه حيث الجمهوريات الإسلامية السوفياتية الـ3 طاجاكستان وأوزباكستان وتركمانستان تقع شمال أفغانستان، وباعتبار أن أفغانستان الإسلامية ديمغرافياً تقع بين باكستان الإسلامية جنوباً وإيران الإسلامية غرباً التي تفجرت فيها ثورة إسلامية طموحة وباعتبار أن الصين تقع شرق أفغانستان التي لم تكن لتربطها علاقات صداقة مع السوفيات، وقامت لاحقاً بدعم الحركات المناهضة للحكم الأفغاني الشيوعي الصديق للسوفيات إلى جانب كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية وباكستان.
وتزامن تدخل الاتحاد السوفياتي مع تورطه في غير حرب، في أنغولا واليمن الجنوبية وأثيوبيا. ولحق ذلك الثورة العمالية في بولونيا، التي رسمت مقدمات انهيار الكتلة الاشتراكية والاتحاد السوفياتي إلى جانب عوامل أخرى عديدة، منها اجتياح الكيان الصهيوني للبنان وإشغال سورية فيه وتراجع القضية الفلسطينية.
وتوالت التغييرات السوفياتية الداخلية برحيل طاقم الحكم السوفياتي بريجنيف بودغورني كوسيجين فمجيء أندربوف الذي لم يمكث طويلاً وهناك تساؤلات وشكوك حول رحيله المتعجل فتشيرنينكو. حدث ذلك كله خلال فترة وجيزة لم يستقر خلالها الحكم السوفياتي، وجاء غورباتشوف إلى الحكم بـانقلاب فكري إن صح التعبير عبر عنه بما أسماه بـ إعادة البناء فكانت بمثابة إسقاط لتقاليد الحكم السوفياتي بعد عقود من رسوخه، ومضى غورباتشوف بعيداً فوقّع مع الرئيس الأميركي ريغان الأسبق اتفاقات عسكرية استراتيجية بدا فيها السوفيات يتراجعون، فيما بدا الأميركيون يتقدمون، وأظهرت وسائل الإعلام غورباتشوف وهو يقف إلى جانب رونالد ريغان صغيراً تابعاً وكأنها أرادت أن توحي أن الاتحاد السوفياتي مقبل على زوال، بمعنى أن السوفيات عندما خاضوا حربهم الأفغانية كانوا في حالة مقدمات انهيارهم.
أما روسيا الاتحادية الآن فأمرها مختلف تماماً عن الاتحاد السوفياتي السابق، فهي في حال دخلت الحرب مباشرة إلى جانب سورية، لا تخوض حرباً محاذية كما الاتحاد السوفياتي في حينه، ولا تخوض روسيا حرباً ببعد إيديولوجي كما كانت حال الاتحاد السوفياتي، ولا في زمن انهيارات واحترابات بحجم حروب الاتحاد السوفياتي وانهياراته، بل في زمن صعود روسي وعالمي ضد الإمبريالية والاستعمار والغرب وتراجعاته الاقتصادية، كما لا يعيش الروس الآن عداوة مع الصين ولا هامشاً من القلق تجاه ثورة إيران الإسلامية بل على النقيض هما حليفان مهمان جداً لروسيا الاتحادية.
وبوتين الصاعد ليس هو غورباتشوف الساقط أو يلتسين الأحمق ولا بريجنيف المتكلس.
وما يسمى الربيع العربي على رغم كل الآلام والدمار والضحايا والخراب الذي أحدثه، لم يحقق مشروع الشرق الأوسط، بل بدأ المشروع بالانقلاب على أصحابه دولاً غربية وإقليمية رجعية وعصابات مسلحة، على النقيض من مشروع التخريب الأميركي الأوروبي الغربي الصهيوني الذي حقق بسرعة أهدافه في أوروبا الشرقية الاشتراكية، وحولها إلى تابعة مستجدية.
والدولة الوطنية السورية لم تأت نتاج انقلاب على الملكية، بل ولا تحمل إيديولوجيا معينة معادية لما اعتادت عليه الديمغرافيا الأفغانية ولا تحاذي جغرافياً دولاً إسلاموية مغلقة بالقدر الذي كانت عليه الباكستان، ولا دولة كبرى معادية لروسيا في حينه كالصين، أو ثورة إسلامية وليدة كإيران. بل إنهما الآن دولتان حليفتان.
وتمتلك سورية عناصر إيجابية توفرت لدى أفغانستان حينها وهي تناحر العصابات الإسلاموية مع العصابات الإرهابية في سورية بكل ما بينها من بأس شديد واحترابات وخلافات فكرية، ليس أكثرها إعلان الخلافة من جانب فريق واحد من هذه الجماعات، ومرجعياتها المتناثرة.
وإذا كانت الجماعات الإسلاموية في أفغانستان قد قاتلت في بيئات حاضنة تاريخياً، فإنها في سورية بعد أسابيع قليلة وجدت العصابات الإرهابية بيئات حاضة معادية لها، بسبب ما عليه المجتمع العربي السوري من تعددية وانفتاح وعلمانية وعيش مشترك متحاب ومتحضر.
وجاء التدخل الروسي المباشر في أفغانستان بعد 6 أشهر من تدخل أميركي محدود، فيما بالنسبة لسورية قد يجيء بعد 54 شهراً من حرب تشنها 82 دولة على سورية، شارك فيها مرتزقة من بقاع الأرض الـ 4 بما في ذلك إسلامويون من الغرب، ومن رقاع وجنسيات أوسع كثيراً ممن شاركوا في الحرب على الدولة الأفغانية الشيوعية، وأنفقت من الأموال والدعم السياسي والاقتصادي والإعلامي والاستخباري ما يفوق ما أنفق وقدم في أفغانستان.
مع العلم أن علاقات روسيا القيصرية بسورية قديمة كما أن روسيا الراهنة التي هي امتداد للاتحاد السوفياتي على علاقات قوية جداً بسورية قبل الآن ومنذ العهد السوفياتي، فيما لم يكن الأمر كذلك بين الاتحاد السوفياتي وأفغانستان قبل الثورة الشيوعية في أفغانستان.
بهذا المعنى فإذا اعترى التدخل السوفياتي في أفغانستان بعض العيوب من حيث المشروعية والظروف الجيوسياسية في حينه واللاحقة والظروف الداخلية السوفياتية والأفغانية، فإن التدخل الروسي في سورية الذي سيأتي بطلب وتنسيق كامل مع الدولة الوطنية السورية، يحمل كل المشروعية، من حيث أن روسيا أمهلت بأكثر مما ينبغي الولايات المتحدة والغرب والرجعية الإقليمية، وأوضحت أن إنهاء الإرهاب يستوجب قيام تحالف واسع تشارك فيه الأطراف ذات العلاقة كافة على ما بينها من تناقضات، وفي المقدمة الدولة الوطنية السورية، وقد قبلت سورية بذلك، على رغم قناعتها أنه معجزة وسعت لتحقيق ذلك، لكن العقلية الصحراوية التي يبدو فيها السراب ماءً، وصَغار البعض الذين يمارسون السياسة بطريقة قبضايات الحارات المكتظة بالعشوائيات، وأولئك المطرودين من أوطاننا ويطمحون بالعودة إليها بعد أن تخلوا عنها بتخلفهم وبما فتحوا الأبواب للأجنبي قبل عقود من سقوطهم، وهذه المرة بشعارات تقسيمية مذهبية فتنوية تشغل الناس عن المقدسات والأوطان والكرامة والتقدم، وتستعيض عن العدو الصهيوني بأعداء وهميين واستبدال أولويات، فيما كان الغرب يناور كسباً لوقت، عله يحقق بالمراوغة ما لم تحققه كل آلة الحرب والجاسوسية والتمويل والإعلام لمصلحته.
هؤلاء رفضوا قيام تحالف عريض لإسقاط الإرهاب، فكان لا بد من استدارة روسية كاملة وعاجلة، تفرض على الغرب وأتباعه الإقليميين ما ينبغي أن يكون، في وقت يعلم الغرب أن معاكسة الاستدارة بات غير ممكن ومكلف أكثر من كل ما مضى.
وفشلت محاولات شراء ذمة روسيا بكل أشكال الشراء، بما فيه التهديد بنقل الإرهاب إليها، وتعقيد الأزمة في أوكرانيا، ونصب الصواريخ في شرق أوروبا وزرع الشكوك بإيران، والتخويف من التداعيات البعيدة للمقاومة، وإطالة آماد الحصارات وسوى ذلك. لكن روسيا دولة عظمى صاعدة، ليست الاتحاد السوفياتي في عهد غورباتشوف ولا روسيا يلتسين.
بكلمات، صمود الدولة الوطنية السورية، وعنجهية وتصحر أدمغة أعدائها، أتاح لروسيا مشروعية التدخل، وهو فضلاً عن كونه صموداً لسورية، هو مقدمة لولادة عالم جديد، أكثر عدلاً واستقراراً وأمناً من عالم هيمنت عليه الولايات المتحدة، منذ مطلع التسعينات، وعودة لتعددية الدول العظمى وتوازن القوى العالمي، عودة تنسجم وطبائع الأشياء وقوانين الكون وعلم الاجتماع، ولأن تفرد واشنطن خلال الفترة الماضية كان مخالفاً لما سبق، كانت الويلات كبيرة واستثنائية، لم يسلم من تداعياتها صُناع التفرد والظلم الدولي.
مجيء روسيا ما كان ليكون لولا صدقية التحالف السوري والصمود السوري وحقيقة مفادها أنه لا بد من استعادة استحقاق قوانين الكون، التي من دونها تسود شرائع الغاب.
عمان 27 أيلول 2015
m.sh.jayousi hotmail.co.uk