ردّ الحريري على نصرالله في قضية الحجّ يكشف التباعد
روزانا رمّال
قدّمت كارثة الحجّ في منى فرصة للتعرّف إلى منسوب التوتر الذي تتعامل من خلاله السعودية مع مواقف حزب الله، كما نقلتها ردود الرئيس سعد الحريري وعبّرت عن المساحة المعدومة للغة التفهّم والحوار، رغم كلّ ما يُحكى عن أهمية تدوير الزوايا والاهتمام بإيجاد مناخ من التهدئة في الشارع والخطاب.
فالضحايا الأبرز لكارثة الحجّ هم من الإيرانيين وبأعداد لا تتناسب مع حجم ما يمثلون بين خمسة ملايين حاج ، حيث بلغت نسبة إصاباتهم، بين قتيل وجريح ومفقود، قرابة ربع إجمالي الضحايا، بينما يمثل الحجاج الإيرانيون واحداً في المئة من إجمالي الحجاج تقريباً.
المصيبة التي حلت بإيران، قياساً بغيرها في مناخ التوتر السياسي في علاقتها بالسعودية وانقطاع أشكال التواصل بين الدولتين، كان يُتوقع أن يثير لدى إيران وحلفائها أمام حجم الخسارة حالة غضب هستيرية تتضمّن اتهامات مباشرة للسعودية بالتورّط في مكيدة نُصبت للحجاج الإيرانيين الذين سلّموا أمنهم وأرواحهم بثقة للسلطات السعودية افتراضاً لترفعها عن استغلال مناسبة مقدّسة كهذة لتصفية حسابات والقتل بدم بارد في حادث مدبّر.
قال السعوديون وحلفاؤهم هذا عن سورية يوم اغتيال الرئيس رفيق الحريري من دون دليل ومن دون تحقيق بل لمجرد أنّ الاغتيال تمّ في نطاق جغرافي تتحمّل سورية مسؤولية الأمن فيه، وفي ظلّ خصومة مفترضة بين الحريري وبين سورية، وردّت سورية بالاستعداد لتحقيق مشترك مع السعودية كما نقل السيد حسن نصرالله نفسه الموافقة السورية إلى عائلة الحريري التي كانت قد طلبت بادرة حسن نية سورية بهذا المضمون، ولما حصلت عليها عجزت عن تأمين القبول السعودي واستمرّ الاتهام لسورية من دون دليل أو تحقيق. لم يفعل الإيرانيون اليوم ما فعله السعوديون يومها، بل اكتفوا باعتبار السعودية مسؤولة عن الخلل والفشل المتكرّر في تأمين موسم الحجّ ومنع وقوع حوادث مشابهة تعرّض حياة الحجاج للخطر، وسعوا إلى المشاركة في التحقيق فأوفدوا بعثة تمثلهم، فمنعتها السعودية من دخول أراضيها، بذريعة عدم الحصول على التأشيرات اللازمة، فيما هي تعلم من أسماء الوفد الإيراني والتنسيق المسبق لوصول بعثة الحجّ مستوى ما يمثلون في الدولة الإيرانية.
لم يفعل السيد حسن نصرالله يوم اغتيال الرئيس رفيق الحريري ما فعله الرئيس سعد الحريري اليوم، بل تقبّل فرضية الحادث الناجم عن الإهمال وسوء الإدارة، وهو ما قالته السلطات السعودية بالتدابير العقابية التي اتخذتها في حقّ المسؤولين عن إدارة موسم الحج، فقال السيّد نصرالله في مقابلة على قناة «المنار» إنّ مناسبة عيد الأضحى «تحوّلت إلى تبريك بالعيد وتعزية بالضحايا»، مضيفاً «أنّ الحكومة السعودية تتحمل مسؤولية الحادثة لأنها هي من يتولى تنظيم الحجّ، وإلقاء التبعات على الحجاج هو تبسيط للأمور ووقوع الأحداث المتكرّرة في مواسم الحجّ يدلل على وجود خلل في إدارة السعودية للمناسك».
وذكّر السيّد نصرالله بحوادث مشابهة لحالة التدافع التي حصلت، بقوله «عام 1990 قتل أكثر من ألف حاج، وفي عام 2004 توفي 244 حاجاً، وفي عام 2006 أدّى التدافع إلى مقتل 340 حاجاً، وحان الوقت للتعلّم من التجارب».
وتابع: «نؤيد المضي في التحقيق في حادثة منى بمشاركة مندوبين من الدول التي لديها ضحايا».
وسريعاً جاء الردّ الانفعالي من الحريري الذي رأى أنّ «موقف نصرالله يتقاطع مع الموقف الإيراني الذي يتخذ من أرواح المسلمين الأبرياء وكارثة منى، وسيلة للنيل من السعودية وتصفية الحسابات السياسية».
وشدّد الحريري على أنّ «الكارثة التي حلّت بضيوف الرحمن هذا العام كارثة أصابت المسلمين جميعاً، لكنّ إيران، ومن خلفها حزب الله، تتعامل معها كما لو أنها كانت غارة على حوثيين»، معتبراً أنّ كلام السيد نصرالله «يجاري كلياً الكلام التحريضي الذي صدر عن السيّد علي خامنئي».
ولفت إلى أنّ «كليهما ركبا مركب التحامل على السعودية وقيادتها لكنّ السيد حسن ذهب بعيداً في الدعوة إلى مشاركة الدول الإسلامية في إدارة شؤون الحجّ، وهذه دعوة إيرانية خالصة لم تشارك فيها أيّ دولة إسلامية، ومبعثها الحقيقي إخراج مكة المكرمة والحرمين الشريفين من مظلة الرعاية السعودية»، مضيفاً: «إذا كان أهل مكة أدرى بشعابها فإنّ لمكة ربّ يحميها وقيادة نذرت شبابها وشعبها لخدمتها ولن يكون لإيران ما تنادي به مهما علا الصراخ».
لم يمرّ وقت طويل على كلام الحريري حتى صدر تصريح لوزير الأوقاف الدينية في تركيا يدعو إلى إدارة إسلامية لشؤون الحجّ، وتبعه نائب رئيس الحزب الحاكم في تركيا من دون أن يلقيا من الحريري تعليقاً أو تصحيحاً.
كلام الحريري يعطي الفرصة للتعرّف على المصاعب التي لا تزال تعترض أيّ رهانات على بلوغ القضايا التفصيلية المختلف عليها في لبنان طريق التسويات فكيف بالقضايا الكبرى، كما يدلّ على درجة التوتر التي تتعامل من خلالها السعودية مع حزب الله وإيران.
لا نزال على مسافة بعيدة جداً من أيّ وهم لتسويات قريبة، هذا ما يقوله ردّ الحريري على نصرالله، علماً أنّ رسالة تعزية ومواساة لنصرالله والإيرانيين وإبداء الاستعداد للمساهمة في رأب الصدع وتضميد الجراح، كانت متوقعة لو كان الرئيس رفيق الحريري هو المعنيّ كما يقول مقرّبون عايشوا معه أحداثاً مشابهة!