تخبّط السياسة الفرنسية
حميدي العبدالله
من الصعب العثور على أنموذج يشبه أنموذج السياسة الفرنسية في تخبطها في ضوء السياسات المعتمدة من قبل طاقم الحكم الحالي في فرنسا الذي يقوده الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.
المسؤولون الفرنسيون كانوا رأس حربة في الهجوم على إيران قبل أشهر وحتى أسابيع، وجاء هجومهم القوي على إيران على خلفية الانفتاح الأميركي على إيران ومعارضة «إسرائيل» وجماعات الضغط الصهيوني لهذا الانفتاح متماهين مع الموقف «الإسرائيلي»، تماماً مثلما كان موقفهم من إدارة أوباما عندما تراجعت عن الهجوم الذي كانت تلوح به في العام الماضي ضد سورية، إذ سرعان ما تكيفوا مع ردود الفعل «الإسرائيلية» والسعودية، وظل وزير خارجية فرنسا حتى وقت قريب يوجه الانتقادات للإدارة الأميركية بسبب إحجامها عن تنفيذ عدوانها العسكري الذي لوحت به ضد سورية.
اليوم، المسؤولون الفرنسيون ذاتهم الذين هاجموا إيران قبل أسابيع وقبل أشهر بقوة، وزايدوا على إدارة أوباما، اليوم هؤلاء المسؤولون الفرنسيون وبعد الإعلان عن إجراء حوار ثنائي بين إيران والولايات المتحدة للمرة الأولى منذ قيام الثورة في إيران، يسارعون إلى طلب حوار مماثل مع إيران، بل أكثر من ذلك يلوح وزير خارجية فرنسا بالتوصل إلى اتفاق ثنائي مع طهران حول ملفها النووي، متخطين انتقاداتهم السابقة لإيران، ولاهثين وراء لقاء مع مسؤوليها لحفظ ماء وجههم وللتغطية على تخلي واشنطن عنهم، وعدم ضبط إيقاعها والتنسيق معهم في الانفتاح على إيران.
مواقف المسؤولين الفرنسيين تشبه مواقف السعودية من الولايات المتحدة بعد تراجعها عن التلويح بمهاجمة سورية، وتعبر ردود الفعل هذه عن واقعتين مهمتين:
الأولى، التبعية للولايات المتحدة. فرنسا على سبيل المثال في عقد التسعينات عندما تبنت سياسة مستقلة نسبياً عن السياسة الأميركية، نجحت في الحصول على مكاسب اقتصادية في إيران، وحازت شركة «توتال» على عقود مهمة في قطاع النفط، وكان لذلك أثر جيد على الاقتصاد الفرنسي، ولكن عندما عادت الحكومات الفرنسية إلى الانضباط في مسار التبعية للولايات المتحدة ومجاراتها في سياساتها بعد احتلال العراق، خسرت «توتال» والشركات الفرنسية الأخرى المكاسب التي حصلت عليها في عقد التسعينات، واليوم تخشى فرنسا أن تسبقها الشركات الأميركية والألمانية، حيث سيجري حوار بين ألمانيا وإيران في طهران الأسبوع المقبل، والأرجح أن فرنسا ستكون الخاسر الأساسي جراء هذه السياسة القصيرة النظر والتي غلّبت المصالح الأميركية ومصالح «إسرائيل» على المصالح الفرنسية.
الثانية، ارتباك وتخبط السياسة الخارجية الفرنسية في عهد هولاند، والارتجال في اتخاذ المواقف، وعدم التخطيط الجيد، واعتماد سياسة رد الفعل بدلاً من الإسهام الفاعل في بلورة السياسة الخارجية الغربية بما يصون ويحافظ على المصالح المشتركة. وهذا الارتجال والارتباك، حصل مرتين في تاريخ فرنسا المعاصر، المرة الأولى عندما شاركت عام 1956 في العدوان الثلاثي على مصر عندما كان مسؤولاً فيها الحزب الاشتراكي بقيادة «غي موليه»، الأمر الذي كانت له انعكاسات سلبية على المصالح الفرنسية في المنطقة التي تدهورت تدهوراً شديداً لم يتوقف إلا بعد وصول «شارل ديغول» إلى الحكم في فرنسا. والمرة الثانية في عهد الرئيس الاشتراكي الحالي فرانسوا هولاند الذي أعاد إنتاج الأخطاء ذاتها التي وقع بها «غي موليه» عام 1956.