أزمة حكومة «التوافق»
راسم عبيدات – القدس المحتلة
حكومة اتفاق الإطار المسماة بحكومة «التوافق»، والتي جاءت ولادتها بالضرورة والإكراه، ونتاج لأزمة عصفت بقيادة الحكومتين، حكومة غزة المقاله، وحكومة رام الله، وأتت ولادة تلك الحكومة، ليس تعبيراً عن قناعة وتغليب للمصالح العليا للشعب الفلسطيني على المصالح الحزبية والفئوية والأجندات الخاصة، بل حتى في ولادتها المشوهة عانت الكثير، حيث كانت المناصب والوظائف والرواتب «المحاصصة» في صلب مفاوضات تشكيلها، فحماس التي وجدت نفسها في ضائقة مالية كبيرة، تصاعدها يشكل خطراً على إمارتها وحكومتها، ويفاقم من حدة الإحتجاجات الشعبية ضدها، حيث غياب الحاضنة العربية التي سهلت لها تجارة الانفاق وغض الطرف عن ممارساتها وسلوكها وسقوط حكومة الإخوان ومرسي، وقيام النظام المصري الجديد، نظام السيسي الحالي، بتشديد الخناق والحصار عليها من خلال تدمير واغلاق اغلب الأنفاق مصدر دخلها وتجارتها وثرائها، وبما يؤمن لها الدخل اللازم للصرف على حكومتها واجهزتها وموظفيها، وكذلك بسبب المواقف السياسية التي اتخذتها حيال الأزمة السورية تحديداً وكذلك النظام الجديد في مصر، جعلت من تلك الحركة ليس محط ثقة واحترام، حيث الانتقال في الموقف السياسية، الإنتقال بالتحالفات من النقيض للنقيض، ما حدا بإيران الى وقف تغطية رواتب موظفيها، وتقليص تزويدها بالسلاح، ناهيك عن خذلان المعسكر الذي تحالفت معه وارتمت في احضانه المعسكر الخليجي والتركي ، فلم يقدم لها سوى الوعود والخيبات لا مال ولا سلاح ولا موقف سياسي. لكن السعودية أحد الداعمين لتلك الجماعة على خلفية الموقف من النظام المصري الجديد، قدمت مشروع قرار لإعتبار حركة الإخوان المسلمين على مستوى مجلس التعاون الخليجي كحركة «إرهابية» وهذا بالطبع يطاول حماس كونها من رحم تلك الجماعة وامتداداً لها، ولذلك رأت ان الحل لكل ذلك هو التوجه للمصالحة مع سلطة رام الله، لكي تستطيع الإستمرار في السيطرة على الحكم في قطاع غزة، ولكي تحمل مسؤولية رواتب موظفيها الـ 40000 لحكومة التوافق، ولكي تخفف من وطأة الضغط الواقع عليها عربياً وإقليمياً ودولياً، وبما يمكنها من حرية الحركة السياسية في الخارج وفي الضفة الغربية، وفي المقابل السلطة في رام الله لها أسبابها في المصالحة، فهي عادت للمفاوضات مع حكومة الإحتلال لمدة تسعة شهور متعارضة مع قرارات مؤسسات المنظمة اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي وأغلب مكونات الشعب الفلسطيني، ولم تستطع ان تحقق فيها شيئاً من الأهداف التي كانت تتوقع تحقيقها من خلال تلك المفاوضات، مما فاقم من ازمتها ومكانتها وهيبتها وحضورها بين الجماهير، بل وجدت نفسها مطالبة بالتفاوض من اجل التفاوض، فالإحتلال ماضٍ في مشاريعه الاستيطانية وفرض الحقائق والوقائع على الأرض من طرف واحد، وحتى دفعات الأسرى من معتقلي قبل اوسلو 104 لم يجر الالتزام بإطلاق سراحهم، حيث رفض الإحتلال إطلاق سراح الدفعة الرابعة وتلاعب في الثالثة زمنياً وأسماء، وأيضاً فرض على السلطة مقابل كل دفعة اسرى يطلق سراحها معادلة جديدة أسرى مقابل استيطان ، مئات الوحدات الإستيطانية يجري إقرارها ونشر المناقصات والعطاءات لها، ولذلك دفعتها هذه الأزمة والمعضلة، من اجل التوجه للمصالحة.
المصالحة جاءت بالإكراه وتحت الضغط والضرورة، ولكل طرف أسبابه وأجنداته، وحماس بدت أنها قدمت تنازلات كبيرة من اجل تلك المصالحة، ليس من اجل المصالح العليا للشعب الفلسطيني، بل طبيعة الظروف المحيطة والمتغيرات العربية والإقليمية فرضت عليها ذلك، ولذلك قبلت ان تخرج من الحكومة، ولكن مع الإستمرار في الحكم، فهي صاحبة اليد الطولى في السيطرة على القطاع امنياً وسياسياًَ ودبلوماسياً، فحتى وزير الداخلية والذي هو رئيس الوزراء أيضاً، ليست له أية سيطرة على الأجهزة الأمنية، وبالتالي تلك الأجهزة تأخذ تعليماتها وأوامرها من حماس وليس من مسؤول حكومة التوافق ووزير داخليتها. يضاف الى ذلك بأن تلك الحكومة لا تحمل برنامجاً سياسياً متوافقاً عليه، فحتى لو قال الرئيس أبو مازن هذه الحكومة حكومتي وبرنامجها برنامجي، فالتناقضات والصراعات والخلافات كبيرة وهي قابلة للإنفجار في كل مطب وقضية.
لم يمض على تشكيل حكومة «التوافق» فترة قصيرة، حتى انفجرت الإلغام في تلك الحكومة، سلطة رام الله صرفت رواتب موظفيها في القطاع، ولم تصرف رواتب موظفي حكومة حماس بعد الإنقسام حزيران 2007 وهذا دفع موظفي حركة حماس وبأوامر من قادتهم الى التظاهر إغلاق البنوك وخلق فوضى عارمة، دفعت البنوك الى الإغلاق، وكذلك خلقت حالة من الإحتكاك والإشتباك مع الموظفين الذين يريدون الحصول على رواتبهم من موظفي سلطة رام الله، وهذه المعضلة من شأنها دفع الأمور نحو تعميق الأزمة الداخلية والمجتمعية.
وكان ردّ الرئيس أبو مازن على ما حدث في قطاع غزة، بأنه يتوجب على حماس دفع رواتب هؤلاء الموظفين، والسلطة او حكومة التوافق غير ملزمة بالدفع، فهي تدفع 58 في المئة من ميزانيتها لقطاع غزة، وكذلك القول إن معبر رفح لن يفتح قبل ان ينتشر عليه الحرس الرئاسي، وتنفيذ ما اتفق عليه في القاهرة بشأن المعبر، لكي تتأزم الأمور وتتعقد.
الحكومة الجديدة ستكون غير قادرة على تأمين رواتب عشرات الآلاف الموظفين التابعين لحماس بالاضافة لرواتب موظفيها، وخصوصاً انه في الفترة التي سبقت تشكيل حكومة الوفاق، جرى توظيف وترقية اعداد كبيرة من الموظفين في القطاع، وهذا يجعل حكومة الدكتور رامي الحمد الله، حكومة تسول و «شحادة» ولن تستطيع تحقيق الأهداف المناطة بها، من إعمار ورفع للحصار عن قطاع غزة، والتحضير للانتخابات، والتي لا تعرف ستكون رئاسية وتشريعية للسلطة، أم انتخابات لدولة تحت الاحتلال؟ الأطراف التي التزمت بالدفع كقطر وبموافقة أميركية، لن تقوم بالدفع كشؤون اجتماعية او جمعية خيرية او من منطلق واجب قومي او وطني، بل الدفع تم بموافقة اميركية ولأهداف سياسية، أي الدفع له شروطه، وكيري وزير الخارجية الأميركي كان واضحاً في هذا الجانب، عندما قال إن امريكا ستعترف بحكومة التوافق، ولكن ستقوم بالمراقبة لعملها، أي بمعنى الأموال التي قدمت للحكومة صرف جزء منها على الأسرى او الشهداء، فهذا يعني وقف الدعم عن هذه الحكومة وسحب الإعتراف بها، ولذلك خلت حكومة الحمد الله من وزارة شؤون الأسرى، كمطلب اميركي- اوروبي غربي نيابة عن اسرائيل.
ولذلك ما جرى حتى اللحظة الراهنة، لا يشير بأن قطار المصالحة وطي صفحة الإنقسام قد أقلع، فهناك الكثير الكثير من المعضلات في حاجة الى حل، وما جرى ليس أكثر من اتفاق إطار، وليس بحكومة توافق وطني.