باق ويرحلون…

شهناز صبحي فاكوش

منذ بداية المؤامرة على سورية والتي سُمّيت بدعاً أزمة، بينما كانت تلفّ في طياتها حرباً بكلّ خططها المرتسمة على أوراق المتآمرين.

البدايات التي حملت ريح «الربيع العربي» إلى تونس فهللت له بداية. أظهر بعد حين الوجه الحقيقي للمؤامرة، ولا تزال تونس حتى اللحظة تحاول الخروج من هلامية ذلك الربيع، لكنها مازالت تنزلق في رماله المتحركة.

أضاع «الربيع العربي» ليبيا، وهاهي تزداد سقماً يوماً بعد يوم. فإما الضياع في غمرة التقسيم، أو الاتفاق حيث لا تلوح في الأفق أيّاً من بوادره، التي يمكنها أن تكون ضمانة استقرارٍ للبلد الذي يتنسل كخيوط الحرير المهترئ بين أيدي نساجه.

أتوا بـ«الربيع العربي» إلى سورية، حاملين بريحه تنهدات صدورهم العفنة، وأوراق مؤامرتهم التي يروّجون بها لسقوط الدولة السورية ورحيل القائد الأسد. وكأنّ مقاليد الأمور السورية بأيديهم، تسير على هوى أوراقهم…

سقطت أوراقهم وتساقطوا كأوراق الخريف، حتى لم يجد الربيع الحقيقي إليهم سبيلاً… كلّ من راهن على سقوط سورية، انتهى إلى الغياب عن الساحة السياسية ليحترق بالنار التي أشعلها في سورية. بفقد الشعبية والمكانة السياسية.

لن أعدّد من قضى نحبه سياسياً، فالجميع يعرفهم. لكني أدعو من ناهض سورية العداء، وأراد صوملتها أو لبننتها، أن يسارع في إعادة حساباته، قبل فوات الأوان. فسورية لا تزال صامدة، والقائد الأسد باقٍ، وهم يتآكلون…

سورية بصمودها وتماسكها والمحافظة على مؤسساتها، جعلت الثقة تزداد لدى حلفائها، ما جعلهم غير نادمين على الفيتو الثلاثي الذي قضمّ نداءات العملاء والمخرّبين، وداعمي الإرهاب لاستخدام القوة الصهيو ـ أميركية ضدّ سورية.

اليوم بعد كلّ هذا التآمر وحشد المتآمرين ضد سورية، وضخ الإرهابيين سراً وعلانية، ودعمهم بالسلاح المختلف والقوة العسكرية والإعلامية واللوجستية. يتفاجأ أعداء سورية بالموقف الروسي ووقوف الرئيس بوتين بكامل القوة الروسية مع سورية.

عجب من تعجّبهم… أحقّ تكالبهم على سورية. وحرامٌ أن تقف معها روسيا، الحليف التاريخي خليفة السوفيات، والتي لم تقف موقفاً عدائياً ضدّ أيّ من الدول، ولم تأت محتلة إلى الشرق الأوسط، عبر التاريخ. ولم تحنث بعهد مع أيّ من أصدقائها.

روسية تقرأ جيداً الأحداث العالمية، وتدرك تماماً أنّ سورية هي الدولة الأكثر فاعلية في محاربة الإرهاب، وكذلك العراق. وأنها تواجه الإرهاب عن العالم كله.

زرعوه على أرضها وروّجوا أنها المغناطيس الجاذب للإرهاب، في تضليل إعلامي لاستقطاب عناصره… وكأنهم براء من استقدامهم إليها. وهم الذين استغلوا الكثير من المعطيات لتجنيد أنواع مختلفة من السوريين من مختلف الأعمار.

تبدّى مع الزمن لهؤلاء أنهم كانوا من المضللين في دوامة المؤامرة، فعاد البعض إلى حضن الوطن. وآخرون سحقهم الموت الذي سعوا به للأبرياء، وعاد رشد البعض مؤخراً ممن سحبهم تيار عاصفة الجنوب الفاشلة…

ما زالت روسيا حتى اللحظة تحترم القوانين والشرعة الدولية، وتتخذ العبر مما يحدث. حقيقة أنها تتعامل بالمصالح ولكن… الأخلاقيةَ منها، والتي لا تنافي القواعد الدولية، بينما نجد دول القارة العجوز لا تحترم في مصالحها الدول ولا مؤسساتها.

أما أميركا فهي الدولة التي لا تحترم العدالة الدولية، ولا شرعية الدول، كما فعلت في العراق. وما تحاول فعله مع سورية فهي تصنف المنظمات الإرهابية، ثم تختلق مسمّيات غبية مناقضة للأخلاق والأعراف، كالمعارضة المعتدلة حاملة السلاح.

ها هي تفشل… فتكشف عورتها ذات العناصر المتدرّبة لديها، ليظهر مستوى الغباء الأميركي الانتقائي والتدريبي، عندما عاد «المعارضون المعتدلون» إلى «النصرة» الإرهابية. وكشف بعضهم حقدها على وطنه فألقى السلاح وعاد تائباً.

بوتين الرجل الذي أوضح تفصيلاً الواقع العام للساحة السورية، ولأعدائها الذين يحاولون تدميرها، أعلن بكلّ الجرأة وقوفه إلى جانب سورية في مكافحتها للإرهاب، موضحاً أنّ أمن روسية من أمن سورية، وها هو يضع إمكاناتٍ كبيرة بتصرفها.

بوتين وضع أوراق الإرهاب على الطاولة، وبيّن أن من دعم الإرهاب ها هو يستجرّ الإرهاب إلى بلاده، من حيث يدري أو لا يدري. وأن أميركا لم تكن جادة أبداً في محاربة «داعش» مع تحالفها، وأن فرنسا التي تحاول النيل من سورية، عليها التحسّب…

اليوم يؤكد موقف حلفاء سورية، الروس والإيرانيون المؤكد، في عدم المساس بمقام الرئاسة السورية، وأنّ شرعية الرئيس الأسد، غير قابلة للنقاش… وضرورة التنسيق مع سورية في محاربة الإرهاب لها الأولوية.

تحذر روسية بعدم المغالطة في وضع مكافحة الإرهاب أولوية لأيّ حلّ لما يدعى مجازاً بالأزمة السورية. منعاًلانتشاره، ففي حالة تركه لفوضى الأيام، قد يغرق العالم بالإرهاب. ليطاول جميع الدول دون استثناء بما فيها الداعمة لعناصره.

تنظيماته تهدّد دولاً كثيرة بما فيها نظام آل سعود الفاشل في كلّ مناحيه السياسية والاجتماعية. ففي ضربه لليمن وتدميرها مع تحالفه المزعوم، يضيِّع آخر فرص احترامه سياسياً، من الدول التي تحترم القوانين الدولية.

أما ما حدث من كوارث في موسم الحج لهذا العام، فهو الدلالة الأكبر للفشل الإداري والاجتماعي. إنه يقدم الجائزة الكبرى للعدو الصهيوني الذي يحتسي نخب نصره بعدم خسران قواته وعناصره، عندما تتحطم قدرات أيٍّ من الدول العربية.

يفشل اليوم التدريب الأميركي لعناصر المعارضة المعتدلة، بإقرار الكونغرس… وبهذا يسدّ الحلّ العسكري ضدّ سورية بسقوط آخر أوراق التوت فيه.., حيث لم يعد بالإمكان إلا الرضوخ للطاولة والجلوس عليها،

أما اختلاق المبررات التي يمكنها حفظ ماء الوجه، فتحتاج لحرفية عالية، لرضوخهم بقبول الرئيس الأسد كجزء من الحلّ، لما دعوه بالفترة الانتقالية.

مفردات يمكن أن تصنف بالمفردات السياسية، التي تعتبر طوق النجاة لمن يغرق في التصريحات الفضفاضة، التي قد يتوه مطلقوها في بحر استنفاذ الفرص ضد إرادة الشعوب. فكيف إن كان هذا الشعب هو ابن الأرض السورية.

كل ما يحدث اليوم في الشأن السوري، يجعل الجميع يحاول الاستدارة ليُيمّم وجهه نحو سورية. لكسب مقعد على طاولة الحلّ السياسي، في محاولة تجميل صورتهم أمام الشعب السوري. بما فيهم هولاند وكيري وحتى أردوغان الذي ناصب العداء للشعب السوري وقائده. حتى أصبح مقرفاً بذكره أمام السوريين.

اليوم يفشل مشروع مشرفي المعسكرات، التي يسعى ناصبوها وتلاميذهم فيها على صناعة ما دعوه «معارضة الاعتدال»، رغم ملايين الدولارات التي صرفت عليها.

تحضر سورية اليوم بقوة في نيويورك، وهي محور كلّ ما يدور في قاعات الأمم المتحدة وأروقتها وكواليسها. خاصة بعد كسر الجليد بين إيران وأميركا، ونجاح الملف النووي. ما يجعل العالم يعترف بالدور الأساسي، الذي يمكن أن تلعبه إيران في حلول أزمات المنطقة.

الخارطة السياسية يعاد رسمها اليوم من جديد، للحفاظ على الخرائط الجغرافية لسورية والعراق وليبيا واليمن.

التسوية السياسية، والتي أعلن اليوم من عادى سورية وقائدها خلال سنوات أربع ونيف، بضرورة الحفاظ عليها موحدة، بمؤسساتها وشرعية القائد الأسد… ما يقلق العدو الصهيوني، ويجعل بعض دول الخليج تستشيط غيظاً..

بعد 1300 فصيل مسلح يضرب الشعب السوري، نجد اليوم انكفاء واختفاء وقتالاً بين بعض هذه المجاميع! وتفكك الكثير من عناصرها، بالإضافة لفشل السياسة الأميركية في إخضاع الشعب والقيادة السورية… ما جعل الانقسام في الرأي داخل المؤسسة العسكرية والإدارة الأميركية.

روسيا تساند الدولة السورية ومؤسساتها، والشرعية الرئاسية فيها، واحترام إرادة شعبها… ضمن القوانين والشرعة الدولية. فهي لا تدعم أفراداً وهذا أساس قوة حضورها، ما يمنح القيمة السياسية والعسكرية لموقفها الثابت، وطلبها بتشكيل تحالف حقيقي لا خلبي لمحاربة الإرهاب.

صرامة الموقف الروسي المعتمد على القوانين الدولية، أسقطت حسابات جميع من عادى سورية وشعبها وقيادتها. خاصة وهي المهتمة بالعمل الروسي السياسي لتقريب وجهات النظر بين المعارضات السورية في ما بينها، ومع الدولة السورية.

روسيا تسعى لمكافحة الإرهاب بيد، والعمل على الحلّ السياسي في سورية باليد الأخرى. وتدعو الجميع لتصويب مواقفهم تجاه سورية… وإنْ كانت بعض الدول المناوئة لا تزال تعبث ببعض المعارضة السورية.

عبث سيجعلها تخسر من حيث لا تدري، أو مرغمة على تبديل مواقفها، بين القبول والرفض، في بعض النقاط التي ترسم ملامح الحلّ السياسي في سورية. حتى تجد ذاتها خارج دائرة الضوء والاستقرار.

الشعب السوري يقرأ جيداً مواقف أصدقائه وحلفائه ويعرف جيداً كيف يثمنها. الحليف الروسي والإيراني والشريك المقاوم، والتنين الصيني الصديق. ودول «بريكس» وأميركا اللاتينية..

ليس من أهدافٍ للهيمنة على الدولة السورية. أو نشرٍ لأفكار يمكنها تغيير التكوين السوري، كما يحاول الإعلام المعادي ترويجه للتشويش على تفكير السوريين.

والسوريون أوعى فكرياً وعقلانياً من الانجراف لهذه القضايا فما كانت روسيا كأميركا يوماً، ولا يمكن أن تكون إيران بذات التفكير اليهودي المهيمن في فلسطين.

ستبقى سورية موحدة… وسيبقى بشار الأسد رئيساً لها. وعلى الجميع الإسراع بتصحيح مواقفهم تجاهها، قبل أن يلحقوا بركب الراحلين عربياً أو أوربياً.

سورية باقية والأسد باقٍ، والأعداء راحلون..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى