إرهاب النظام السعودي في منى استهدف شخصيات إيرانية بارزة

حسين الديراني

كارثة التدافع في أول أيام عيد الأضحى في منى التي أودت بحياة أكثر من 1500 شهيد وأكثر من ألفي جريح من ضيوف الرحمن، أُريد لها أن تكون حادثة عرضية عابرة كبقية الكوارث التي تحدث أثناء الحج في كل عام بخسائر متفاوتة، ثم تقوم السلطات السعودية بإيعاز الأسباب إلى تقصير الحجاج في مراعاة التعاليم لإدارة منظمي شؤون الحج! وكانت ممكنةً تغطية هذه الكارثة لولا الشهود والقرائن التي ظهرت وباتت كابوساً يلاحق النظام السعودي بعد تورّطه في هذه الجريمة المكشوفة.

ذكرنا منذ اليوم الأول للفاجعة أنها كانت عملية مدبّرة نظراً إلى المشاهد المروّعة التي وصلتنا والتي تثبت أنها لم تكن عملية تدافع عادية، إنما فُرِض التدافع ضمن الخطة المرسومة من قبل أجهزة الاستخبارات السعودية حتى من دون علم العاملين على تنظيم السير على الأرض.

القرائن والشهود

الكارثة المدبرة وقعت صباح يوم العيد، ومن المعروف بأن الحجاج الإيرانيين وغيرهم من الحجاج، الذين يباح لهم رمي الجمرات صباحاً تفادياً لذروة الازدحام بعد أذان الظهر، هم الذين وقعوا في هذه الكارثة المُفتعلة، ومن المُفترض أن تتم عملية الرجم بكل هدوء وأمان وسكينة، هذا ما اعتادوا القيام به في كل عام من دون حوادث تُذكر، وبحسب الشهود الذين نجوا من الموت، فقد ذكروا أن الطريق كانت سالكة ثم توقفت من دون معرفة الأسباب، وسُدَّت كل المنافذ لساعات أمام الحجاج الذين أصبحوا يتدافعون فوق بعضهم بعضاً ويتساقطون بالمئات، ومن الملاحظ أن الحجاج الأفارقة الذين سقطوا ضحايا مع بقية الضحايا معروفون بقوّتهم البدنية وتحملهم ارتفاع درجات الحرارة والعطش أكثر من غيرهم، لكنهم سقطوا واستسلموا للموت بعد أن خارت قواهم بسرعة بسبب استنشاقهم رائحة غريبة وبعد محاصرتهم لساعات.

أحد الشهود الذين نجوا من الموت قال: «سمعت القوات الأمنية تقول طالما أن القتلى إيرانيين فدعوهم يموتون»، وهذه العبارة ليست عبارة فردية، إنما هي عبارة تعبّر عن نهج وعقيدة والتزام بما تؤمن به هذه المؤسسة الأمنية المبنية على عقيدة التكفير والقتل والإرهاب، وهذا ما عبّرت عنه تغريدات وتعليقات الفرح والشماتة عبر مواقع التواصل الاجتماعي للمواطنين السعوديين والخليجيين الذين عبّروا عن فرحتهم لسقوط الضحايا الإيرانيين ودعواتهم لله بأن يكون العدد أكبر. هذه الذهنية هي التي تصنع الإرهابيين والدواعش في العالم. ذهنية عنصرية إجرامية لا تعرف معنى الرحمة والمودة والإنسانية.

بدأت وسائل الإعلام العالمية بنشر تسريب معلومات عن كبار ضباط في الاستخبارات العالمية «تتحدث عن عملية للمخابرات السعودية دبرت عملية التدافع، لعلمها بوجود عدد من ضباط الحرس الثوري ومسؤولين كبار من القيادة الإيرانية يؤدون فريضة الحج، وقد تخلصت منهم في عملية التدافع ووجود جرحى يُحتمل إخفاؤهم في أماكن سرية، إذ لم يعثر حتى الآن على أماكن وجودهم». وأفاد المسؤول الكبير أن المخابرات الأميركية هي التي زوّدت السعودية بأسماء هؤلاء الأشخاص، علماً بأن السعودية كانت تعتقد أن هؤلاء يخططون لارتكاب عملية أثناء الحج وقررت التخلص منهم». هذه التسريبات ليست إلا جزءاً يسير من العملية الإرهابية التي نعتقد أنها دبرت بتعاون بين الاستخبارات السعودية و»الإسرائيلية» تحديداً، لتقارب الأهداف جراء هذه العملية.

أولاً: لأنهما معنيتان، أي السعودية و»إسرائيل»، بإفشال الاتفاق النووي بين إيران والدول الست قبل البدء في تنفيذه، لما فيه من تعزيز وقوة للجمهورية الإسلامية الإيرانية على الصعد الدولية السياسية والاقتصادية والأمنية كافة، ومساهمته في استقرار المنطقة على حساب انكفاء الدور السعودي ـ «الإسرائيلي» في إثارة الحروب والدمار في المنطقة والعالم.

ثانياً: لأهمية الشخصيات المستهدفة في هذه العملية الإرهابية ومنها السفير الإيراني السابق في بيروت الدكتور غضنفر ركن أبادي الذي كان مستهدفاً بانفجار السفارة الإيرانية في بيروت عام 2013، ونجا منه بإعجوبة. وكذلك نجا من حادثة سقوط الرافعة حيث كان قريباً جداً من مكان استشهاد العالم الفضائي الإيراني الشهير أحمد حاتمي الذي استشهد جرّاء تلك الحادثة، والتي لا أستبعد افتعالها رغم كل ما قيل عن حدوث عاصفة، ولحدّ الآن هو في عداد المفقودين، والدكتور ركن أبادي كان مسؤولاً في بعثة الحج الإيرانية وهو من قرأ رسالة وبيان الإمام الخامنئي للحجاج الإيرانيين في عرفة. ومن أهم الشخصيات المفقودة أيضاً مسؤول قسم الدراسات الاستراتيجية في الحرس الثوري الدكتور علي أصغر فولادغر والمسؤول في الخارجية الإيرانية أحمد فهيم وغيرهم.

حالات الاختفاء هذه لهؤلاء الشخصيات المهمة الكبيرة تعيد إلى الأذهان حادث اختطاف «سي آي إي» للعالم النووي الإيراني شهرام أميري بعد أدائه فريضة العمرة عام 2009.

قد يتساءل البعض وهو سؤال مشروع لماذا تسمح إيران لهؤلاء المسؤولين بأداء فريضة الحج وهم مستهدفون؟

بالنسبة إلى المسؤولين الإيرانيين وبقية المواطنين الإيرانيين فريضة الحج من أهم الفرائض العبادية، وهناك من ينتظر دوره لسنوات للحصول على فرصة أداء فريضة الحج. وهنا أذكر بأن كبار المسؤولين الإيرانيين يسجّلون أسماءهم لسنين للحصول على فرصة خدمة زوار الإمام الرضا في مدينة مشهد «المقدسة»، فكيف بزيارة جدّ الإمام الرضا الرسول محمد وحجّ البيت الحرام، وهم لا يتوقعون أن يصل الإجرام السعودي إلى مستوى استهدافهم في موسم الحج.

أهداف العملية

هذه العملية الإرهابية التي أدت إلى زهق آلاف الأرواح المؤمنة من الحجاج في يوم العيد للتغطية على أكبر عملية اختطاف في العالم هدفها استفزاز القيادة الإيرانية للقيام بردّ فعل انتقامي يؤدي إلى نشوب حرب عالمية، وتعتقد السعودية أنها تتمتع بحماية أميركية مطلقة، وكذلك تحقق أهدافاً مشتركة مع «إسرائيل» في إسقاط الاتفاق النووي قبل تنفيذه. كما جاءت هذه العملية انتقاماً لدور إيران في الاتفاق مع الدولة الروسية للتدخل العسكري المباشر في سورية والعراق لإسقاط ما يسمى «دولة داعش» التي ما وجدت إلا بالتمويل والدعم السعودي المالي والفكري والعقائدي. كذلك انتقاماً من فشلها في القضاء على الجيش اليمني واللجان الشعبية جرّاء التحالف الخليجي العدواني المستمر منذ ستة أشهر على الشعب اليمني.

المفقودون الإيرانيون رهائن

بعد 4 أيام من مجزرة منى والادّعاء بأن 329 من الحجاج الإيرانيين مفقودون وعدم السماح للسفير الإيراني في الرياض والبعثة الإيرانية من تفقّد الشهداء ومعايدة الجرحى والتحقيق في ملابسات قضية المفقودين، يصبح الإيرانيون رهائن وأسرى لدى الاستخبارات السعودية، وما يعزّز من هذه الحقيقة، وليس الفرضية، عدم سماح السلطات السعودية بمشاركة أي دولة في التحقيق في مسببات الحادثة، وطلب وليّ العهد محمد بن نايف بجمع كل تسجيلات الكاميرات في المنطقة لتكون في حوزته لإخفاء الأدلة والمشاهد التي تؤكد كيفية تدبير عملية التدافع وإنجاز عملية خطف الحجاج الإيرانيين خلالها، ونقلهم إلى مدينة الرياض ليكونوا رهائن تقتل وتغتال من تشاء بحسب أهميته ثم ترمي جثته بين القتلى.

هناك أمر آخر بالغ الأهمية والخطورة وهو إصرار السلطات السعودية على عدم تسليم بعض جثث الشهداء الإيرانيين والإصرار على دفنهم بشكل جماعي مع بقية الحجاج بحجة عدم التحقق من هوية الشهيد! وهذا ما يدعو إلى القلق على مصير السفير الإيراني السابق الدكتور غضنفر ركن آبادي حيث بدأت تروج السعودية بأن ركن آبادي لم يكن بين المسجلين في قائمة الحجاج الإيرانيين.

هذه المجزرة التي ارتكبتها السلطات السعودية بحق الحجاج من كل الجنسيات وخطف الحجاج الإيرانيين لن تتذوق حلاوة النشوة والانتصار بها، هزيمتها في سورية والعراق ولبنان واليمن لا يمكن أن تعوّض عنها بمجرزة عصرية إرهابية وخطف رهائن قابلة للمساومة والتفاوض، بل إنها عملية إرهابية وحشية بربرية إجرامية بامتياز تعود العالم الإسلامي عليها من خلال ما نشرته من إرهاب في العالم الإسلامي والغربي.

من حق الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تقوم بما يستوجب الحفاظ على سلامة أسراها ومواطنيها بكل الوسائل التي هي أدرى بكيفية استعادتهم شهداء أو أحياء، ومن حقها الرد الذي تراه مناسباً مع هذه الدولة الإرهابية المارقة التي مزقت العالم العربي والإسلامي.

العالم الاسلامي والدولي بات اليوم مطالباً بوضع حدّ لجرائم وإرهاب هذا النظام السعودي قبل أن يقود العالم الى حرب عالمية لا تبقى ولا تذر، والمطلوب وضع السعودية تحت الوصاية الدولية لوقف العدوان على الدول المجاورة ووضع الأماكن المقدسة الحرمان الشريفان تحت وصاية منظمة التعاون الإسلامي بعد أن ثبت عدم أهليتها في إدارة شؤون الحج، لكثرة الكوارث المفتعلة من قبل النظام السعودي وغير المفتعلة بسبب الإهمال والتقصير.

حسين الديراني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى