العبادي و«مقامرة» الإصلاحات…

إنعام خرّوبي

وسط تضارب في المواقف، بين مؤيد ومشكك، يمضي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مشروع الإصلاح الذي أعلن عنه في غمرة حراك مطلبي، بدأ بتظاهرات لعشرات الآلاف من العراقيين الغاضبين في العاصمة بغداد ومحافظات عدة جنوبي البلاد، احتجاجاً على انقطاع الكهرباء والفساد الإداري في أجهزة الدولة وتردّي الأحوال المعيشية عموماً. فالعراق، ثاني أكبر مصدّر للبترول في منظمة «أوبك»، يعجز حالياً عن توفير الكهرباء والمشتقات النفطية لأبنائه ويشهد تردّياً في القطاعات الخدمية الأساسية كافة بسبب الفساد المستفحل في مؤسسات الدولة، حيث تظهر التقارير الدولية البلد الغني بالنفط في آخر لائحة منظمة الشفافية الدولية من حيث الدول الأكثر فساداً في العالم ويحتلّ المرتبة 170 من بين 175 بلداً.

لم يكن ممكناً تجاهل الأصوات الغاضبة التي ارتفعت في مختلف أنحاء البلاد مطالبة بالإصلاح، وهذا ما دفع بالعبادي إلى إقرار خطة إصلاحية شاملة. وقد تضمّنت حزمة الإصلاحات الحكومية قرارات إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والحكومة، وكذلك المخصّصات الاستثنائية للرئاسات والهيئات والمؤسسات، كما أنها قضت بتقليص شامل وفوري في أعداد الحمايات لكبار المسؤولين في الدولة، لا سيما في الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب. إلى جانب ذلك، تمثلت الخطوة الأكثر جرأة وصعوبة، بطبيعة الحال، بالشروع في إعادة فتح جميع ملفات الفساد السابقة والحالية تمهيداً لوضعها تحت إشراف لجنة عليا لمكافحة الفساد، وذلك عن طريق اعتماد عدد من القضاة المختصين للتحقيق في هذه القضايا وتقديم المتهمين فيها للمحاسبة.

وبإجماع قلّ نظيره، صادق البرلمان العراقي في جلسة خاصة في آب الماضي على ورقتي الإصلاح الحكومية والبرلمانية، وصوّت النواب بالإجماع على القرارات الإصلاحية. كما وافق البرلمان، بالإجماع أيضاً، على الورقة الإصلاحية التي تعالج وتتدارك بعض ما فات ورقة العبادي الإصلاحية، وتضبط ما ورد في بعضها بضابط الدستور والقانون وبما ينسجم مع تطلعات المحتجين، وخصوصاً القضاء على الفساد. ولاحقاً، في منتصف أيلول الماضي صادق رئيس الجمهورية العراقية فؤاد معصوم على «قانون الأحزاب السياسية» بعد التصويت عليه في مجلس النواب، علماً بأنّ هذا القانون لطالما مثّل أحد أبرز المسائل الخلافية التي أخذت حيّزاً واسعاً من الجدل بين القوى السياسية العراقية.

الحراك الشعبي المتأجّج في العراق، حظي بقبول مجتمعي واسع لكونه لم ينطلق من خلفيات طائفية أو مذهبية أو كيدية سياسية، ما جعل رموزاً دينية تنضمّ إلى هذه المطالبات، في مقدّمتها المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني الذي دعا العبادي إلى «التمرُّد على الفساد والطائفية وأن يكون أكثر شجاعة وجرأة في قراراته الإصلاحية والضرب بيد من حديد على المفسدين وإبعاد كلّ مسؤول غير قادر على أداء مهمّاته مهما كانت طائفته أو قوميته أو حزبه».

وفيما رأى مراقبون أنّ هذه الحزمة قد تشكّل بدايةً لبرنامج حقيقي لمكافحة الفساد، إلا أنهم رجحوا أن يتمّ استخدامها بطريقة مستهدفة وفئوية، إذ إنّ الكثير من الأشخاص الذين تنبغي إقالتهم سوف يبقون في مناصبهم، وذلك لأنّهم مقرّبون للغاية من جناح العبادي في «حزب الدعوة»، كما أنها قد تكون ذريعة لطرد عدد كبير من خصوم العبادي الموالين لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

واشنطن رحبت بخطوة العبادي وأعربت عن تأييدها للإصلاحات، معلنة استعدادها لإرسال خبراء في مجال الطاقة للمساهمة في تحسين إنتاج الكهرباء، في حين أعرب الاتحاد الأوروبي عن دعمه خطوات العبادي «الهادفة إلى الإصلاح الذي يخدم المواطن».

ورأت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق يانا هيباشكوفا أنّ الأزمة في العراق بحاجة إلى «إصلاحات جذرية لا يمكن أن تنجز بالشكل المطلوب إلا بإصلاح قانون القضاء والقوانين القديمة المكرّسة للروتين والبيروقراطية المكبّلة لانطلاق الإصلاح في تقديم الأفضل من الخدمات الأساسية والمُلحّة للمواطن».

من جهة أخرى، هناك من يرى أنّ طريق الإصلاحات ستكون دونها عقبات كثيرة، وفي هذا السياق اعتبرت صحيفة «واشنطن بوست» أنّ تطبيق البرنامج الإصلاحي، «يضع العبادي في طريق محفوفة بالمخاطر ضمن مجتمع تأصلت فيه صفة ابتزاز المال فضلاً عن وجود لاعبين سياسيّين متنفذين يرفضون فكرة الخسارة من جراء التغييرات التي ستطرأ على الوضع الحالي».

ولفتت الصحيفة إلى «أنّ هناك الكثير من الأمور على المحك في هذا الصراع بالنسبة إلى العراق»، معتبرة «أنّ برنامج الإصلاح ليس شاملاً فهو لا يعالج مشكلات المناطق الكردية، ومع ذلك، فإنّ نجاح هذا البرنامج من الممكن أن يؤدّي إلى حكم أكثر فاعلية ومصالحة وطنية وللحدّ من التوتر الطائفي».

في حين يرى البعض أنّ مشروع الإصلاح الّذي تقدّم به العبادي يتطلّب عملاً جاداً من أجل تحقيق اتفاق وطني على توزيع السلطة، بدل الانزلاق نحو التّقسيمات الطائفيّة، يتخوّف آخرون من تحوّل هذه الإجراءات الإصلاحية مع الوقت إلى مواقف ومزايدات إعلامية وجعجعة لا تنتج طحيناً، فهل تنجح ما أسمتها صحيفة «نيويورك تايمز» قبل أسابيع، «مقامرة رئيس الوزراء العراقي؟».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى