لبنان في مهبّ رياح التحوّلات في سورية… الحوار مهدّد بالانفراط إذا طال الحلّ الخارجي… والحكومة خطّ أحمر
محمد حمية
لا شكّ في أن المعطيات والتطوّرات الجديدة على الساحة السورية سترسم واقعاً جديداً وستفرض الحلّ السياسي للأزمة، بغضّ النظر عن المدة الزمنية. فأزمة اللاجئين التي انفجرت في وجه أوروبا قلبت مواقف معظم دولها التي كادت تجمع على ضرورة بقاء الرئيس بشار الأسد، فضلاً عن تفاقم خطر الإرهاب الناتج عن عودة المقاتلين من تنظيمَي «داعش» و«النصرة» من سورية إلى دولهم، ووجود جزء كبير من الإرهابيين بين اللاجئين على ضفاف الشواطئ الأوروبية. أما التطوّر المستجدّ الذي سيفتح مساراً جديداً في الأزمة السورية، فيتمثل في تعزيز التواجد العسكري الروسي، بالتزامن مع دعوة روسيا إلى تشكيل تحالف دوليّ جديد ضدّ الإرهاب، بعد فشل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية في القضاء على «داعش».
تدرك روسيا تماماً أن التحالف الدولي الذي تقوده أميركا ليس جدّياً في مكافحة الإرهاب، لا سيما في سورية. إنما ما تريده الولايات المتحدة وحلفاؤها خصوصاً تركيا والسعودية وقطر، استنزاف النظام في سورية من خلال إدخاله في حرب مع التنظيمات الإرهابية التي تتلقى الدعم من تلك الدول. فكيف تقدّم الولايات المتحدة الدعم المحدود الاستعراضي للحشد الشعبي والقوات الكردية في بعض المعارك في العراق، ولا تنسق مع الجيش السوري ضدّ الإرهاب؟ هل يمكن التمييز والفصل بين الإرهاب؟ وبالتالي أدركت روسيا ايضاً أن هذا الإرهاب هو العائق الرئيس أمام الحلّ السياسي في سورية، فرأت في التدخل العسكري ضده وسيلة لإنضاج تسوية سلمية، حتى لو لم يؤدّ إلى القضاء على الإرهاب بشكلٍ كامل. لكن هل يقرّب الدخول العسكري الروسي إلى سورية الحلّ السياسي أم يطيل أمد الأزمة؟ وكيف تنظر الولايات المتحدة إلى هذا التطوّر؟
منذ دخول لبنان في الفراغ الرئاسي في أيار من السنة الماضية، قيل إن الملف اللبناني وُضع على رصيف الانتظار الدولي والاقليمي، وبالتالي تأجيل التسوية بطبيعة الحال لارتباطها بأزمات المنطقة، وبالحدّ الادنى الأزمة السورية. واليوم يُطرح السؤالان التاليان: كيف ستنعكس التحوّلات العسكرية والسياسية في سورية على الوضع في لبنان؟ وهل يمكن أن تتم التسوية في لبنان من دون الوصول إلى تسوية في سورية؟
يبدو واضحاً أن اعتراف معظم الدول الأوروبية ببقاء الرئيس الاسد في الحكم، وثبات الموقفين الروسي والإيراني بالتمسك بالأسد والتقدم العسكري للجيش السوري والمقاومة في عدة جبهات في سورية، كل ذلك دعم موقف حلفاء سورية في لبنان، وبالتالي ربح حزب الله الرهان حتى الآن بالحؤول دون سقوط النظام في سورية الذي كان رهان فريق 14 آذار منذ بداية الأزمة. لكن هل هذا يعني أن فريق 8 آذار قادر على فرض تسوية لمصلحته على الفريق الآخر؟
لا شك أن التسوية في لبنان ستحصل في النهاية وهي بيد الخارج، إذا حصل اتفاق أميركي ـ روسي أو إيراني ـ سعودي، يمكننا حينذاك أن نرى رئيساً للجمهورية في لبنان، كما حصل عند تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام بعد أشهر من التعقيد. فالتحرك الدولي باتجاه لبنان قد بدأت طلائعه مع الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى لبنان في تشرين الثاني المقبل، كما قال هولاند خلال لقائه الرئيس تمام سلام في الأمم المتحدة. فهل ستقتصر الزيارة السؤال عن أحوال اللاجئين السوريين في لبنان؟ أم لها علاقة بالملف الرئاسي؟ وهل يمكن ان تكون طاولة الحوار الوطني منصة لتخريج أي تسوية من الخارج، خصوصاً أنها لاقت ترحيباً وتأييداً واسعين اقليمياً ودولياً.
الأزمة السورية بالتأكيد تؤثر على الحلّ في لبنان، لكنها لن تصل إلى درجة سدّ أفق الحلّ. فالأزمة السورية لا تمنع انتخاب رئيس للجمهورية ولا إقرار قانون انتخابات، ولا مكافحة الفساد ولا الاتفاق على آلية لعمل الحكومة او مسألة التعيينات.
تيار المستقبل ينتظر المملكة العربية السعودية أن تفك أسر الرئاسة اللبنانية وباقي الملفات قبل أن تتبلور مسيرة التسوية الاقليمية مع إيران. فالمملكة تعيش اليوم أسوأ المراحل، لا سيما بعد دخولها في مستنقع اليمن والأحداث الأمنية الخطيرة خلال موسم الحج. فهل تتجه العلاقات بين إيران والسعودية إلى مزيد من التأزم على خلفية هذه الحوادث؟ وهل سيعرقل ذلك أي تسوية دولية في سورية أو في المنطقة أو يؤخرها؟
يمكن الوصول إلى اتفاق بين إيران والسعودية على ملفّ ما من دون أن يكون هناك شهر عسل بينهما، فأميركا وإيران اتفقتا على الملف النووي وهما في أشد الخلاف في معظم الملفات، لكن هل تملك السعودية البراغماتية التي تملكها كل من إيران وأميركا؟
أما طاولة الحوار الوطني، فلا تزال على محك التطوّرات الاقليمية الملتهبة والتعقيدات الداخلية، فهي مهددة بانفراط عقدها إذا طال أمد الحلّ الخارجي أو يمكن أن تنفجر من الداخل، لكن الثابت أن هذا الخارج لن يسمح باستقالة الحكومة لأنها تشكل صميم الاستقرار الذي سعت الدول الفاعلة إلى تثبيته على رغم العواصف التي ضربت المنطقة.
التغيير تحت ضغط أزمة اللجوء
تفاقمت أزمة اللاجئين منذ آب الماضي، إذ يعبر آلاف السوريين الحدود نحو أوروبا هرباً من الحرب في سورية. واستُقبِلوا أساساً في ألمانيا والنمسا، بينما مُنعوا من حرية التنقل في المجر التي عملت على بناء حاجز بينها وبين صربيا، وذلك يُظهر تباعد السياسات بين دول الاتحاد الأوروبي حيال هذه الأزمة.
وفي حديث إلى «البناء»، أكد سفير لبنان في واشنطن الدكتور رياض طبارة أن المراوحة التي فرضت نفسها في سورية ولبنان لمدة طويلة بدأت تتغير وتبرز ملامح تغيير ومحاولات جديدة لانهاء الأزمتين السورية والعراقية، لكن لماذا الآن؟ يشرح طبارة قائلاً: أولاً، تدفق اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة إلى أوروبا ما شكل ضغطاً كبيراً عليها. الامر الذي دفعها لأن تستقبل اللاجئين وسط خلافات بين الدول الأوروبية، ما دفع الجميع إلى التفكير بحلّ للمشكلة الأساسية لأزمة النازحين وهي استمرار الحرب في سورية، خصوصاً أن الأوروبيين رأوا أنهم معنيين بالحرب في المنطقة، لا سيما في سورية والعراق وليبيا، ويحاولون إنهاء المشكلة الأساسية، خصوصاً أن بعض اللاجئين قدموا من أفغانستان إلى أوروبا عبر تركيا لطلب اللجوء.
روسيا وأبعاد التدخل العسكري في سورية
أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله لفت في لقائه الأخير على قناة «المنار»، إلى أن صمود سورية وحلفاءها لمدة خمس سنوات من الحرب الكونية هو سبب التحولات الحاصلة اليوم في المواقف الدولية، وأشار إلى أن تداعيات الفشل بدأت تظهر على أولئك الذين شنّوا الحرب.
ووصف نصر الله الوجود القتالي لا الاستشاري لروسيا في سورية بأنه تطوّر كبير. لافتًاً إلى انه لم يكن وليد الساعة، وتم التحضير له مع الدول المعنية منذ أشهر، وأن حركته كانت منسقة. معتبراً ان فشل التحالف الدولي ضد الإرهاب من أسباب تعزيز تواجد روسيا في سورية. وكاشفاً أن موسكو تدعو إلى تحالف جديد لمواجهة الإرهاب يضمّ إيران والعراق وسورية، وأن الموقف الروسي من الرئيس الأسد لا التباس فيه، وهو حاسم جداً وكذلك الموقف الإيراني.
وفي السياق، عدّد طبارة الأسباب التي دخلت من أجلها روسيا على خط الأزمة السورية، وقال: أزمة اللاجئين لا تشكل خطراً على روسيا، بل دخولها إلى سورية لأنها المكان الوحيد المتبقي لها في منطقة الشرق الاوسط. ويريد الرئيس بوتين العودة إلى الساحة الدولية بدور قوي من البوابة السورية، لأنها آخر موطئ قدم لروسيا في المتوسط وسابقاً في حقبة الاتحاد السوفياتي كان لديها الجزائر وليبيا ومصر وسورية، لذلك دخل بوتين لاستغلال الفرصة ولمحاولة الضغط على الغرب للحديث بملف العقوبات الاقتصادية على روسيا وأجبر بدخوله إلى سورية أوباما على لقائه بعد أن رفض أوباما اللقاء إلى أن تم الإثنين المنصرم في الامم المتحدة.
ويشير طبارة إلى أن المشكلة لدى الأميركيين تكمن في دخول روسيا على خط الأزمة السورية بهذه القوة العسكرية، وثانياً تشكيل ائتلاف معاكس للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، لتبادل التواصل على الصعيد الاستخباراتي كما قيل. لكنه حقيقةً، دخولٌ في عمق الصراع في سورية، وهذا ما أخاف الولايات المتحدة، لأن اوباما يريد أن ينخرط السنّة في العراق والسنّة في سورية في مواجهة «داعش». لكنّ في ائتلاف روسيا، لا مكان للسنّة، وهنا يكمن خوف الأميركيين من اندلاع فتنة سنّية ـ شيعية تمتد طويلاً، كما أن وجود روسيا في سورية عسكرياً بهذا الشكل سيستقطب عشرات الألوف من المقاتلين الذين يكنّون الحقد على روسيا منذ مرحلة الاتحاد السوفياتي الذي خاض الحرب في أفغانستان. وما يعزّز ذلك، تقرير «CIA» الذي يشير إلى أنه منذ عام 2011 حتى 2014، وصل حوالى عشرة آلاف مقاتل اجنبي من «داعش» إلى سورية. وفي التقرير الثاني أشار إلى دخول عشرين الفاً خلال الأشهر العشرة الأخيرة، ما يعني دخول الضعف في السنة الاخيرة فقط.
ويضيف طبارة: التخوف الأميركي هو من إطالة أمد الحرب لا إنهاءها بعد الدخول الروسي، ولقاء أوباما ـ بوتين لم يظهر أي تفاهم نهائي في هذا الملف، ولو وجدت رغبة من الجميع بإنهاء الأزمة السورية لكن الخلاف حول كيفية إنهاء الأزمة؟
وفي السياق، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي الدكتور حبيب فياض في حديث إلى «البناء» أن الدخول الروسي إلى سورية عسكرياً وبشكل مباشر وعلني وواضح على خط الأزمة السورية، ليس منفصلاً ابداً عن الحلول السياسية المرتقبة لهذه الأزمة، وروسيا تستثمر سياسياً في سورية منذ خمس سنوات، وهي حليف تاريخي للنظام في سورية، وتدرك أن العقدة الاساسية للوصول إلى الحلّ السياسي في سورية، لا يكمن في أطراف «المعارضة السورية التقليدية»، إنما بقوى الإرهاب على الأرض والتي تتجمع بكثافة في أرجاء العالم، وهنا أتى التدخل الروسي لمحاولة إيجاد أرضية لإنضاج تسوية سلمية تقوم على جمع المعارضة والنظام على طاولة حوار واحدة بعد القيام بعمل عسكري يؤدي إلى اضعاف الإرهاب المتمثل بتنظيمَي «داعش» و«النصرة» وغيرهما، وحتى لو لم يؤد إلى القضاء عليها تماماً.
الحلّ السياسي في سورية
أعلن ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي منذ أيام، أنّ مجموعة الاتصال الخاصة بسورية بمشاركة روسيا وإيران والسعودية وتركيا ومصر والولايات المتحدة، قد تجتمع الشهر المقبل.
ويضيف فياض في هذا السياق: لا يبدو أن بيد أميركا أوراقاً تستطيع من خلالها أن تعترض الروسي، خصوصاً أنها تدذعي محاربة الإرهاب ولديها تحالف دولي لمواجهته. فلا تستطيع التدخل ضد روسيا التي تستهدف الإرهاب على الارض. كما أن الولايات المتحدة لا تستطيع الدخول في مواجهة مع روسيا والانتخابات الرئاسية على الابواب السنة المقبلة. لذلك، صار التدخل العسكري الروسي شرطاً لازماً لإنتاج حلّ سلميّ، لكنه ليس شرطاً كافياً. بمعنى أنه من دون إضعاف «داعش»، لا حل سلمياً في سورية، لكنه لا يكفي لإنتاج الحلّ، لأن هناك مساراً طويلاً قد يكتب له النجاح وقد يكتب له الفشل.
واستبعد طبارة أيّ تسوية للملف السوري خلال الأشهر القليلة المقبلة، مرجحاً أن تنضج التسوية بعد عدة أشهر أو سنة. ويتابع قائلاً: تراجع نفوذ سورية في لبنان على حساب نفوذ إيراني ـ روسي، ومن ينتظر في لبنان سقوط النظام في سورية أو انتصاره قد أخطأ في رهانه منذ البداية، لأن الجميع يفكرون اليوم بعدم انهيار المؤسسات في سورية، وهذا يتحقق من خلال بقاء النظام الموجود مع «المعارضة» للوصول إلى حكومة انتقالية كما نصّ اتفاق «جنيف 1». لكن السؤال هو: حتى إذا اتفقوا على بقاء الأسد، فوفقاً لأيّ صلاحيات؟
لبنان وانتظار الحلّ الخارجي
السيد نصر الله رأى أن العقدة الرئاسية معروف مكانها، وحتى النائب سعد الحريري كان لديه نيّة السير بعون رئيساً للجمهورية. «نحن لدينا مجموعة مواصفات الرئيس القوي والحاضر والذي لا يباع ويشترى، خصوصاً في هذه الفترة، ووجدنا أن هذه المواصفات تنطبق على عون».
أما رئيس الحكومة تمام سلام فلفت خلال لقائه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى أن السلطات الفرنسية لا تزال تسعى إلى حلّ ملف الرئاسة اللبنانية، وأوضح ان إرجاء زيارة هولاند إلى لبنان يعود إلى عدم وجود أيّ معطيات جديدة، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي مشغول بنفسه وبالأزمة السورية.
ويلفت طبارة هنا إلى أن أميركا وروسيا تملكان الفيتو، لكن روسيا تستعمل حق النقض أكثر من أميركا، وتظهر وكأنها فاعلة أكثر. لكن الدولتين تملكان حق النقض «الفيتو»، لكن ليس لدى أيّ منهما حق القرار، وهذا ما أفشل عمل مجلس الأمن. وكذلك فريقا 8 و14 آذار، لا يستطيع أيّ منهما اتخاذ القرار وفرضه على الآخر. وبالتالي، التسوية في لبنان ستحصل في النهاية وهي بيد الخارج. إذا حصل اتفاق أميركي ـ روسي أو إيراني ـ سعودي، يمكننا أن نرى رئيساً للجمهورية في لبنان، كما حصل عند تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام بعد أشهر من التعقيد، ليأتي الحلّ خلال ساعات وشُكلت الحكومة. وأيضاً كما حصل في البيان الوزاري بضغط من الخارج.
ويوضح الدبلوماسي اللبناني أنه ليس بالضرورة أن ينتظر القرار الخارجي ما سيحصل في سورية، فهناك قرار إقليمي دولي للحفاظ على الاستقرار النسبي في لبنان، لكن إذا وجد الخارج أن هذا الاستقرار مهدّد، يتحرك كما شُكّلت حكومة سلام من الخارج عندما شعر الغرب أن لبنان سيدخل في الفراغ الرئاسي. الدول الفاعلة مشغولة الآن بسبب ضغط المهاجرين وفقدان سيطرتها في سورية والعراق وليبيا والتخوف من انتقال الإرهاب إلى لبنان. بدأ تحرك دولي باتجاه لبنان، وتمثل ذلك بزيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند المرتقبة إلى لبنان، ومن المحتمل أن يحمل معه هدية، لأن الرئيس الفرنسي لا يأتي شخصياً إلى لبنان ليسأل عن اللاجئين، إنما ليقطف ثمناً له علاقة برئاسة الجمهورية. ويمكن ان تكون طاولة الحوار الوطني منصّة لتهدئة الامور وتلقّف أيّ تسوية من الخارج، لأنّ انعقادها فكرة خارجية أصلاً لتكون حاضرة إذا حصل الاتفاق، ولتخريجه على المستوى المحلي، وانتخاب رئيس وتشكيل حكومة وإجراء انتخابات نيابية.
وكشف طبارة عن اتصالات خارجية كثيفة في خصوص لبنان، يمكن أن تكون بداية حلّ لمسألة رئاسة الجمهورية، ويضيف: عندما يشعر المجتمع الدولي والدول الفاعلة أن لبنان دخل في الفوضى، سيستعجل الحلّ ويمكن أن يكون الحراك الشعبي جزءاً من هذه الفوضى ومن انضاح الحل.
ويعود طبارة بالذاكرة إلى بداية تهجير الفلسطينيين، ويُجري مقارنة بين ذاك الواقع وبين تهجير السوريين اليوم، ويقول: عندما هُجّر الفلسطينيون عام 1948 توزّع آلاف اللاجئين بين لبنان وسورية والأردن، وما زالوا حتى الآن. وخلق الغرب «إسرائيل»، لكن حدود الدول الآن بدأت تذوب، ووجود الإرهاب في مكان سينتقل إلى مكان مجاور، كما سينتقل جزء كبير من اللاجئين السوريين في المخيمات إلى أوروبا، وبالتالي باتت الهجرة آداة ضغط وتحوّل بالمواقف.
ويؤكد فياض أن لبنان في هذه المرحلة يملك الهامش الأكبر لإنضاج حلول داخلية بمعزل عن الأزمات الاقليمية، لأن لبنان بحالة تحييد عن الاهتمامات الدولية والاقليمية، لكن إذا أراد اللبنانيون من خلال طاولة الحوار التي يترأسها الرئيس نبيه برّي إيجاد حلول للمشاكل الداخلية، فإن ذلك ممكن شرط التخلّي عن الارتهان إلى الخارج.
لبنان وتأثير الأزمة السورية
ويُعرب فياض عن اعتقاده أن الأزمة السورية بالتأكيد تؤثّر على الوضع اللبناني وعلى أيّ تسوية للأزمة. لكنها ليست عقبة للحل في لبنان، فالأزمة السورية لا تمنع انتخاب رئيس للجمهورية ولا تمنع إقرار قانون انتخاب أو مكافحة الفساد أو الاتفاق على آلية لعمل الحكومة، أو مسألة التعيينات، مستشهداً بكلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في إحدى خطاباته: «دعونا نتقاتل في سورية ونحيّد لبنان عمّا يحصل في المنطقة».
ويستبعد فياض حلاً قريباً للوضع اللبناني، ويعزو السبب إلى أن تيار المستقبل ينتظر التعليمات من المملكة العربية السعودية وهي بدورها ما زالت تعيش اضطرابات على المستوى الإقليمي، ولا تريد إطلاق سراح لبنان قبل أن تتبلور مسيرة التسوية الاقليمية مع إيران وباقي الاطراف.
العلاقات الإيرانية السعودية
وشدّد طبارة على أن أحداث مِنى وما شهدته من مقتل الحجّاج الإيرانيين لن تؤثّر على العلاقات الإيرانية ـ السعودية، لأن خطاب الرئيس حسن روحاني في الأمم المتحدة كان واضحاً أن إيران ستتعامل مع دول الجوار والمجتمع الدولي بطريقة مختلفة عن الماضي، ما يعني أنها ستنخرط بمنطق التسويات. في إيران أيضاً متشدّدو،ن وتطبيق السياسة الجديدة في إيران ستنتظر نتائج الانتخابات البرلمانية السنة المقبلى التي ستكون مفصلية. إذا ربح الليبرالييون سيتغيّر أسلوب إيران مع المجتمع الدولي.
وأضاف: يمكن الوصول إلى اتفاق بين إيران والسعودية على ملفّ ما من دون أن يكون هناك شهر عسل بينهما. أي أن تتفقا مثلاً على الملف اللبناني وهما على خلاف في ملفات أخرى، إذا وجدتا مصلحة مشتركة لحلّ الملف كما اتفقت أميركا وإيران على الملف النووي وهما في أشد الخلاف في معظم الملفات. كما يمكن أن يحصل اتفاق أميركي ـ إيراني وأميركا تقنع السعودية به.
وتوقع فياض أن تزيد مجزرة مِنى في مكة تأزم العلاقات الإيرانية ـ السعودية وتشكّل عقدة إضافية في مسار العلاقات بين الجانبين. ولكنه أشار إلى أن هذا لا يعني بالضرورة انسداد أفق العلاقات الجيدة بينهما، خصوصاً إذا أرادت أميركا ذلك. بمعنى إذا أرادت أميركا حلحلة ملفات المنطقة وتحديداً في اليمن، بإمكان الولايات المتحدة إجبار السعودية للانخراط في أي عملية تسووية في المنطقة.
واستبعد فياض أن يؤثر أي توتر في العلاقات الإيرانية ـ السعودية على العلاقة بين حزب الله وتيار المستقبل، لأن الهدف من الحوار بينهما ليس إنضاج الحلول، إنما إبقاء الوضع على ما هو عليه… كي لا يذهب إلى الانفجار. لذلك، لن تغير المجزرة شيئاً، والحوار سيستمر ما دام يراوح مكانه لمنع الانجرار إلى الهاوية، من دون أن يملك القدرة على إجتراح حلول داخلية.
مصير طاولة الحوار
وأعرب طبارة عن اعتقاده أنه يمكن فرط عقد طاولة الحوار إذا طال أمد الحلّ الخارجي، لكن بعد نضوج الحلّ تعود الطاولة إلى اجتماعاتها لتُخرج الحلّ. الخارج لن يسمح باستقالة الحكومة لأنها تشكل صمام الاستقرار، فهناك غطاء أمني سياسي دولي إقليمي على لبنان فعّال منذ سنوات، وعند كل مفصل يتهدد هذا الاستقرار، يسرع الحلّ من المجتمع الدولي.
ويختم طبارة بالقول: عندما يأتي القرار الدولي أو الاتفاق الإيراني ـ السعودي، سيوافق كل الأطراف في لبنان على تسوية الرئاسة وغيرها، وكل ما يقال من جميع الأطراف مجرد مواقف وسقوف عالية يمكن التنازل عنها لمصلحة الحلّ إذا تم التوافف الخارجي.