ما بعد خطابات نيويورك.. اللعب عالمكشوف
سعدالله الخليل
موجة التصريحات والتصريحات المضادّة التي شهدها منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في افتتاح دورتها السبعين وما تضمّنتها من سجالات وصلت حدّ تبادل الاتهامات في أكثر من قضية، ورغم تشعّب القضايا وتباين المواقف سيطر الشأن السوري على باقي المستجدات لدرجة سحب الأضواء عن قضايا لطالما تصدّرت نقاشات الأمم المتحدة طوال عقود من الزمن كالقضية الفلسطينية التي كانت الغائب الأكبر عن المشهد رغم التطورات الدراماتيكية التي تشهدها الأراضي المحتلة من اقتحامات واعتقالات وغارات جوية.
في نيويورك حسمت الأطراف الدولية خياراتها وقالت كلمتها دون أدنى مجال للشك والمواربة، فزمن التأويلات والتحليلات قد انقضى فبدا الرئيس الأميركي باراك أوباما واضحاً ومتمسكاً برأيه في القضيتين الجوهريتين المتعلقتين بالشأن السوري… الحرب على الإرهاب والموقف من الرئيس بشار الأسد، وكذلك فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيما تراوحت باقي المواقف ما بينهما مع اتساع دائرة المواقف المعترفة بالدور المحوري للرئيس الأسد في أيّ تسوية سياسية أو جهد لمكافحة الإرهاب سواء عن قناعة أم على مضض فرضه الأمر الواقع.
تبدو معادلة واشنطن في التعاطي مع الرئيس الأسد واضحة، فبعد خمس سنوات من العجز عن إسقاطه عسكرياً وسياسياً لا تزال قادرة على المناورة بعدم الاعتراف بدوره المحوري في أيّ تسوية، وهي بذلك تدرك أنها ربما تستطيع تأخير التوصل إلى أيّ تفاهمات دولية أو إقليمية تسير في المشهد السوري إلى الأمام، وهو منطق ينسجم وعقلية الصغار في السياسة، ويشبه منطق وليد جنبلاط وفؤاد السنيورة في التعاطي مع نصر المقاومة في حرب تموز، سلوك لا يليق بمن يعتبر نفسه زعيم الدولة الأكبر في العالم ومحرّك السياسات العالمية.
في المقابل أعلنت دمشق وموسكو عن إرسال قوات روسية إلى سورية للمشاركة في مواجهة التنظيمات الإرهابية بطلب شرعي من الحكومة السورية بعد تشكيل غرفة عمليات مشتركة روسية سورية عراقية إيرانية، من دون أن تغلق الباب أمام الدول الصادقة في مواجهة الإرهاب. أصرّت واشنطن على تمسكها بتحالفها الهشّ الوهمي رغم انضمام تونس ونيجيريا وماليزيا في مسعى لإضافة شكلية لا تسمن ولا تغني من جوع المواجهة الحقيقية مع الإرهاب حيث تزامن مع إعلان وزارة الدفاع الأميركية تعليق تدريب مقاتلي المعارضة السورية التي تصفها واشنطن بـ«المعتدلة» بعد إعلان البيت الأبيض مؤخراً فشل البرنامج فشلاً ذريعاً، وإبان إعلان القيادة المركزية الأميركية تسليم أشاوس واشنطن على الأرض السورية عتادهم العسكري إلى تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي المرتبط بـ«القاعدة» مقابل المرور بأمان في مناطق سيطرة «النصرة» بعد أن أنفقت على تدريب 60 مقاتلاً خلال شهرين 42 مليون دولار ليقتل ربعهم ولا يزال مصير 18 منهم غير معروف بعد فقدان الاتصال بهم عدا عمّن وقع في الأسر.
يكتمل المشهد مع إعلان باريس تسويق المشروع التركي القديم الحديث بإقامة منطقة حظر طيران في شمال سورية في الأوساط الأوروبية في مسعى لإقناع شركاء باريس بالسير في المشروع تحت وطأة تدفق اللاجئين السوريين كمبرّرات للرأي العام الغربي، وهو المشروع الذي سقط في عزّ القوة التركية فكيف ستسوّق باريس مشروعاً كان قد مات في مهده.
رغم الإعلان عن استعداد أوباما للتعاون مع بوتين للوصول إلى اتفاق مشترك في الحرب على تنظيم «داعش»، إلا أنه لا تبدو ملامح حلّ سوري واضح يتمّ إخراجه، ورغم الإعلان عن الإرادة المشتركة لمواصلة الحرب على الإرهاب ثمة مشاريع وتصورات لدى كلّ طرف ربما تتقاطع مع المشروع الحقيقي الذي يرغب فيه السوريون وربما تتعارض، ورغم الإصرار وتمسك كلّ طرف بمشروعه فإنّ القيمة الحقيقية لاجتماعات نيويورك أنها فردت الأوراق الدولية على الطاولة الأممية وانتقلت الأطراف من اللعب تحت الطاولة إلى اللعب على المكشوف.
«توب نيوز»