اللجوء في القانون الدولي
عصام الحسيني
«حمل طفلته على كتفه، وفي اليد الأخرى حمل لعبتها، ومشت خلفه زوجته، تجرّ بعض منزلها، وخيبتها، والدمعة بعينيها، قالت: ترى هل نعود»؟
لازم الصراع التاريخ الإنساني منذ وجوده، لأسباب مختلفة، وبأوجه مختلفة، لكنه كان دائماً الوجه الآخر لفشل حركة المنطق في التاريخ، والذهاب إلى خيارات لا عقلانية على المستوى الإنساني، خيارات كانت المحرك لتشكل حركة صراع لا تنتهي، من إنسان الفرد، إلى إنسان الجماعة.
غير أنّ الصراع، ومع تطوّر المفاهيم الإنسانية، ظلّ السمة الأساسية السلبية، المصاحبة لحركة الإنسان منذ وجوده، الإنسان الأول الذي يبحث عن موارده الأولية من غذاء وأمن، إلى الإنسان المعاصر، الباحث عن مستعمرات جديدة على كوكب آخر.
ونتج عن هذا الصراع، الكثير من المآسي، ومن ويلات الحروب، أكانت هذه الحروب كلاسيكية أم أهلية، وخاصة على السكان المدنيين، حيث كان أكثرها هدراً لكرامة الإنسان، وأكثرها معاناة، أن يصبح الإنسان لاجئاً مشرّداً خارج وطنه، بعد أن كان مواطناً سيداً في مجتمعه.
ومع أنّ القوانين الدولية بمختلف أشكالها، سعت إلى الحدّ من ظاهرة الحروب، والتخفيف من آثارها، عبر اللجوء إلى القواعد القانونية، الناظمة لعلاقات دولية فضلى، في احترام الحقوق المتبادلة للشعوب والدول، في زمن السلم وفي زمن الحرب، غير أنّ كلّ ذلك لم يؤدّ للوصول إلى ما يشبه السلام، لا بل على العكس من ذلك، أدّى إلى المزيد من المآسي، على مختلف الأوجه الإنسانية.
ظاهرة قديمة
إنّ ظاهرة اللجوء، هي ظاهرة إنسانية قديمة، ارتبطت بتاريخ هذه الحروب، وستبقى قائمة مع مجتمع ما بعد النيوليبرالية، مع عالم متحول في الإبداعات العلمية، محتفظ في أصالة الاستتباع والاستعمار، لكن بأساليب تتلاءم وروح العصر، أساليب أكثر بريقاً، لكن أكثر إمبريالية.
لقد ظلت قضية اللاجئين لفترات طويلة، مجرد قضية إقليمية، تخصّ حدثاً بعينه، أو منطقة بعينها، حتى ظهور عصبة الأمم، التي ساهمت في وضع أسس وقواعد قانونية للتعامل مع المشكلة، والتي كانت من نتائج الحرب العالمية الأولى.
وبالفعل فقد تمّ تأسيس مكتب المندوب السامي لشؤون اللاجئين، ووضع اتفاقيات دولية، تتناول مجموعات محددة من اللاجئين.
وأدّت الحرب العالمية الثانية، إلى وجود سيل من اللاجئين والنازحين، والى ضرورة وجود حلّ دولي لمعالجة قضية اللاجئين، وخاصة في أوروبا.
وقد نتج عن ذلك الموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن وضع اللاجئين عام 1951 ثم ألحق بها في ما بعد بروتوكول عام 1967 .
ثم صدر العديد من القرارات والاتفاقيات والإعلانات الدولية، التي تعطي للاجئين ضمانات وحقوق وواجبات، يجب العمل بها، من أبرزها:
1 ـ إنشاء مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بموجب القرار الدولي رقم 428 بتاريخ 14/12/1950.
2 ـ مبادئ بانكوك حول وضع ومعاملة اللاجئين عام 1966.
3 ـ اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية التي تحكم الجوانب المختلفة لمشاكل اللاجئين في أفريقيا عام 1969.
4 إعلان قرطاجنة بشأن اللاجئين لدول أميركا اللاتينية عام 1984.
5 ـ توصيات المجلس الأوروبي 773 المعنية بالحالة الواقعية للاجئين عام 1976.
6 ـ توجيهات مجلس الاتحاد الأوروبي بشأن المعايير الدنيا، لتأهيل ووضع رعايا البلد الثالث، والأشخاص عديمي الجنسية، كلاجئين أو غيرهم، ممن يحتاجون إلى الحماية الدولية، ومحتوى الحماية الممنوحة.
ثم صدرت العديد من الاتفاقيات والقرارات الدولية ذات صلة، نذكر منها:
1 ـ اتفاقيات جنيف وملحقاتها: وهي عبارة عن أربع اتفاقيات دولية، تتناول حماية حقوق الإنسان الأساسية في حالة الحرب، من الاعتناء بالجرحى والمرضى وأسرى الحرب، وحماية المدنيين الموجودين في ساحة المعركة.
كما نصت الاتفاقية على تأسيس منظمة الصليب الأحمر، كمنظمة دولية محايدة لمعالجة شؤون الجرحى وأسرى الحرب، وإعادة اللاجئين إلى أوطانهم.
انضمّ إلى اتفاقية جنيف 190 دولة، مما يجعلها أوسع الاتفاقيات الدولية قبولاً، وجزءاً أساسياً من القانون الدولي الإنساني.
2 ـ الإعلان الدولي بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة، بموجب القرار رقم 3318 تاريخ 14/12/1974.
3 ـ اتفاقية حقوق الطفل، الصادرة بموجب القرار الدولي رقم 44 25 تاريخ 20 11 1989.
4 ـ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، الصادرة بموجب القرار الدولي رقم 180 34 بتاريخ 18 12 1969.
5 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر بموجب القرار الدولي رقم 217 تاريخ 10 12 1948.
6 المحكمة الجنائية الدولية، وخاصة في المادة 7 .
إذاً، لقد فرضت قضية اللاجئين نفسها، كواحدة من أبرز قضايا القانون الدولي المعاصر، وخاصة بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، وما تبع ذلك من حروب انفصالية داخل هذه المنظومة، أو ما استتبع هذا السقوط، من سقوط لموازين القوى الدولية، وبالتالي من سقوط لخطوط حمر، كانت محرّمة في حقبة الحرب الباردة.
لقد تمّ انتهاك حقوق الإنسان في العديد من دول العالم، نتيجة الحروب الأهلية، والصراعات الداخلية، وعدم الاستقرار السياسي والأمني، وكان انتهاكاً موجهاً إلى جماعات عرقية، أو اثنية، أو دينية، أو سياسية، أو إلى معارضين لنظام حكم معيّن، أو اتجاه سياسي معيّن، أو بسبب الخلافات العقائدية، مما يضطر العديد من الأفراد أو الجماعات إلى الفرار واللجوء إلى دول أخرى طلباً للحماية، أو اتقاء للاضطهاد أو التعسّف.
كما أنّ النزاعات المسلحة بين الدول المتجاورة، أو التي تتعرّض إلى غزو أو اعتداءات خارجية، تؤدّي إلى اللجوء الإقليمي، وقد شهدنا لها نماذج عديدة بعد انتهاء الحرب الباردة.
من هو اللاجئ؟
لقد عرّفت الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين، في المادة 1 الفقرة 2 «اللاجئ»، وبعد تعديلها بموجب البروتوكول الخاص بها، بموجب القرار الدولي رقم 1186 تاريخ 18 11 1966 :
«اللاجئ هو كلّ شخص يوجد، وبسبب خوف له ما يبرّره من التعرّض للاضطهاد، بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة، أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظلّ بحماية ذلك البلد، أو كلّ شخص لا يملك جنسية، ويوجد خارج بلد إقامته المعتاد السابق، بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلى ذلك البلد».
وبذلك يكون قانون اللاجئين، فرع من القانون الدولي، يعنى بحماية حقوق اللاجئين، وهو يتعلق بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، رغم اختلافه عنهما، حيث يتناولان على التوالي، حقوق الإنسان بشكل عام، وإدارة الحرب بشكل خاص، وهو ينص حديثاً على الآتي:
أ اللاجئون هم الأشخاص الذين تعرّضوا في موطنهم الأصلي، أو البلد الذي كانوا يعيشون فيه في الفترة السابقة، إلى مخاطر جدية، أو عانوا من الخوف الشديد لأسباب معينة، بسبب العرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة، أو الرأي السياسي.
ب تعتبر من هذه المخاطر الجدية، الخطر على الحياة والسلامة البدنية أو الحرية، وكذلك التدابير التي تتسبّب في ضغوط نفسية لا تطاق.
أما مصادر القانون بشأن اللاجئين فهي القانون العرفي، والقواعد القطعية، والصكوك القانونية الدولية.
لقد حدّدت الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين، أسباب اللجوء في القانون الدولي، والأسباب الداعية لقبول اللاجئ بالتالي:
«الخوف، الاضطهاد، التمييز، العرق، الدين، الانتماء، الرأي السياسي».
أما الآثار القانونية المترتبة على الاعتراف بالحق في طلب اللجوء، فقد أوضحتها الاتفاقية بالتالي:
أولاً ـ الحقوق المثبتة للاجئ:
«الحرية الدينية وحرية تعليمها لأسرته، حرية التعليم، حرية العمل، حرية تملك الأموال وتحويلها، الحق في الحصول على وثائق تحقيق الشخصية وجوازات السفر،
عدم طرده أو إبعاده إلا في أضيق الحدود».
ثانياً واجبات اللاجئ:
«الالتزام بعدم القيام بأيّ عمل ذي طابع سياسي أو عسكري، يمكن أن تعتبره دولة الجنسية، أو دولة الإقامة المعتادة، ضاراً بأمنها الوطني، حيث يمكن لدولة الأصل أن تتقدّم إلى دولة الملجأ بطلب تقييد حركة اللاجئ، سواء في عقد اجتماعات أو في القيام بأية أنشطة مشابهة».
ثالثاً واجبات دولة الملجأ:
على دولة الملجأ واجبات اتجاه اللاجئ، حدّدتها الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين وهي:
1 -عدم الإعادة القسرية:
وهو مبدأ ينص على انه ينبغي، ألا يُعاد أيّ لاجئ بأية صورة من الصور، إلى أيّ بلد يكون فيه معرّضاً لخطر الاضطهاد.
2 تقييد سلطة الدولة بالنسبة لإبعاد اللاجئين:
حيث نصت المادة 3 من الاتفاقية المذكورة أعلاه، على أنّ أيّ إبعاد يجب أن يكون على سبيل الاستثناء، وعندما تقتضيه أسباب تتعلق بالأمن القومي، أو النظام العام.
كما أوصت بضرورة اتباع إجراءات معينة في ما يتعلق بقرار الإبعاد والطعن فيه.
وأوضحت المادة 32 الفقرة 2 من نفس الاتفاقية، انه يتعيّن على دولة الملجأ في حالة ما إذا أصبح قرار الإبعاد نهائياً وواجب التنفيذ، عدم تنفيذه فوراً، وإنما بعد إعطاء اللاجئ مهلة يبحث خلالها عن دولة أخرى يذهب اليها، خلاف دولته التي يتهدّده فيها الاضطهاد.
وطبعاً انّ هذه الضمانات لا يستفيد منها، إلا اللاجئون الموجودون على إقليم الدولة، بصفة قانونية ومشروعة.
رابعاً المأوى الموقت:
إذا كان من حق الدولة عدم منحها الملجأ داخل إقليمها للأجانب، فإنه ليس من حقها ما لم تتعرّض مصالحها للخطر، أن تحرم اللاجئ، من فرصة الحصول على هذا الملجأ في إقليم دولة أخرى.
إنّ فكرة المأوى الموقت، هي محاولة للتوفيق بين مصلحة الدولة في السيادة الإقليمية، وعدم قبول لاجئين داخل إقليمها ضدّ إرادتها من جهة، ومصلحة اللاجئ الملحة، في تجنّب الوقوع في أيدي سلطات الدولة التي تلاحقه، أو التعرّض لأيّ خطر يتهدّد حياته من جهة أخرى.
خامساً التعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين:
يجب أن تلتزم دولة الملجأ، بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبصفة خاصة، من أجل تسهيل واجباتها، في الإشراف على تطبيق أحكام الاتفاقيات ذات الصلة، وبالذات اتفاقية الأمم المتحدة، بشأن اللاجئين لعام 1951 وبروتوكول عام 1967 المكمل لها.
سادساً واجبات الدول الأخرى:
إنّ أول أثر قانوني، هو وجوب تسليم الدول جميعها، بتمتع هذا اللاجئ بالحق الممنوح له، من جانب دولة الملجأ، واعتبار أنّ منح اللاجئ هذا الحق لا يعدو إلا أن يكون عملاً من أعمال السيادة بالنسبة إلى هذه الدولة الأخيرة.
سابعاً انتهاء اللجوء في القانون الدولي:
ويرجع انتهاء اللجوء في القانون الدولي لأسباب عديدة منها:
أ الوفاة.
ب الطرد: الطرد ممكن في حق اللاجئ وفق الضوابط التالية:
«لدواعي الأمن الوطني أو النظام العام، أو إذا حصل على تصريح دخول الى إقليم أخر».
ج العودة الطوعية للاجئ.
ح التجنّس بجنسية دولة الملجأ.
هيئات دولية متخصصة
في مساعدة اللاجئين
ومن أجل مواكبة الآلية القانونية والميدانية لحركة اللاجئين، تخصّصت بعض الهيئات الدولية، في مجال المساعدة على تأمين الأمن والحماية لهم، بالتنسيق مع بلدان الملجأ، بتفويض من الأمم المتحدة. ومن أهمّ هذه الهيئات:
أولا: مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين:
في كلّ هذه المراحل، تقوم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بمواكبة حركة اللجوء القانونية بالكامل، وهي منظمة إنسانية مستقلة غير سياسية، ترتبط وتقدّم تقاريرها إلى الجمعية العامة، عبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة.
وكانت قد بدأت عملها عام 1951، بهدف توفير الحماية بصفة أساسية للاجئين الأوروبيين في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ولكن بروتوكول عام 1967 وسّع نطاق عملها، إثر انتشار مشكلة النزوح واللجوء في معظم أنحاء العالم، وذلك لحماية اللاجئين وتأمين حلول دائمة لمعاناتهم.
ومن أهمّ مهامها التي حدّدتها الاتفاقية:
1 تأمين الحماية القانونية، وضمان احترام حقوق الإنسان للاجئين وطالبي اللجوء.
2 تقديم المساعدة الإنسانية المادية للاجئين، مثل الأغذية والمياه والرعاية الطبية والمأوى.
3 إيجاد حلول دائمة لمشكلات اللاجئين، إما بمساعدتهم على العودة الطوعية إلى أوطانهم، أو الاندماج في البلدان التي التمسوا فيها اللجوء، أو إعادة توطينهم في بلدان أخرى، وذلك بالتنسيق مع الحكومات والدول.
4 مساعدة فئات أخرى من الناس، مثل النازحين أو الأشخاص المشرّدين داخل بلدانهم، وتقديم خدمات متخصّصة، مثل المعونة الطارئة والمساعدات.
5 ضمان عدم إعادة أيّ فرد قسرياً، إلى بلد تتوافر لديه دواعي الخوف، من التعرّض للاضطهاد فيه.
6 الترويج للاتفاقيات الدولية الخاصة باللاجئين.
7 مراقبة مدى امتثال الحكومات للقانون الدولي.
ثانياً: اللجنة الدولية للصليب الأحمر:
المادة رقم 1 ، من النظام الأساسي للجنة الدولية للصليب الأحمر تقول:
الفقرة 1 : اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تأسّست في جنيف سنة 1863 ، وأقرتها اتفاقيات جنيف والمؤتمرات الدولية للصليب الأحمر، مؤسسة إنسانية مستقلة، ولها وضع خاص.
الفقرة 2 : اللجنة الدولية طرف مؤسس للحركة الدولية للصليب الأحمر، والهلال الأحمر.
المادة 2 الوضع القانوني:
أنشئت اللجنة الدولية كجمعية تخضع للمادة 60 وما يليها من القانون السويسري، وتتمتع بشخصية قانونية.
المادة 4 :
1 أدوارها:
الفقرة ج : الاضطلاع بالمهام التي توكلها اليها اتفاقيات جنيف، والعمل على التطبيق الدقيق للقانون الدولي الإنساني المنطبق في المنازعات المسلحة، وتسلم الشكاوى بشأن أيّ إخلال مزعوم بهذا القانون.
الفقرة د : العمل في جميع الأوقات بوصفها مؤسسة محايدة، تمارس نشاطها الإنساني بوجه خاص، في حالات المنازعات المسلحة – الدولية أو غيرها – أو الاضطرابات الداخلية، على تأمين حماية ومساعدة الضحايا العسكريين والمدنيين للأحداث المذكورة، وما يترتب عليها من أحداث مباشرة.
الفقرة هـ : تامين سير عمل الوكالة المركزية، للبحث عن المفقودين المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف.
ترى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، نفسها مسؤولة عن مصير اللاجئين الذين هم الضحايا المدنيون للنزاعات المسلحة أو للاضطرابات، وعن نتائجها المباشرة، والتي تدخل في حدّ ذاتها في نطاق اختصاصها. ويتوقف عمل اللجنة الدولية المخصص لهؤلاء اللاجئين بصورة خاصة، على حمايتهم بموجب القانون الدولي الإنساني.
وتتدخل اللجنة الدولية، في ما يخص اللاجئين الذين يشملهم القانون الإنساني، لكي يطبّق المتحاربون القواعد ذات الصلة، باتفاقية جنيف الرابعة.
وتحاول في مجال عملها الميداني، أن تزور هؤلاء اللاجئين، استناداً إلى اتفاقية جنيف الرابعة، وتوفر لهم الحماية والمساعدة الضرورية.
وتمثل مسألة إعادة اللاجئين إلى أوطانهم، من المشاغل الرئيسية للجنة الدولية. وهي ترى أنّ على الدول والمنظمات المعنية، أن تحدّد بالضبط موعد وشروط هذه العودة. وقد حذّرت اللجنة الدولية أكثر من مرة من مخاطر العودة المبكرة إلى الوطن في المناطق غير المستقرّة، أو في المناطق التي دمّرت فيها البنى الأساسية.
وترى اللجنة الدولية، أنّ الحظر التامّ للألغام المضادة للأفراد، سيمنع من الأضرار المخرّبة بالسكان المدنيين على الأخص، والتي تسبّب أحياناً في تهجير الأهالي، وتتسبّب في إعاقة تعمير البلدان التي عانت من ويلات الحروب، والتي تمثل أيضاً عائقاً كبيراً، لعودة اللاجئين والمهجرين إلى أوطانهم.
أما في موضوع الأشخاص المدنيين المهجرين داخل بلدانهم، فإنهم يتمتعون بالحماية بموجب القانون الدولي الإنساني، وبحسب ما نصت عليه اتفاقيات جنيف الأربعة، المادة رقم 3 المشتركة، والتي تعدّ حجر الزاوية لتلك الحماية، والتي قضت بحظر التصرفات التالية:
1 الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية.
2 أخذ الرهائن.
3 الاعتداء على الكرامة الشخصية.
4 إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القضائية الأساسية.
لكلّ ما تقدّم من شرح لأحكام اللجوء وللحقوق والواجبات، للاجئ ولدولة اللجوء، نستعرض مثال اللجوء السوري في البلدان الإقليمية والأوروبية، من منظار قانوني، لنستخلص بعض الملاحظات التالية:
أولا: لقد حدّد قانون اللجوء، الضوابط التي من المفترض أن يلتزم بها اللاجئ في بلد اللجوء، وهي عدم ممارسته لأيّ نشاط عسكري أو سياسي يستهدف بلده، أو يشكل تهديداً لبلد اللجوء.
وهنا يمكن لبلد الأصل أن يطلب من بلد اللجوء، تقييد حركة اللاجئ المسبّب لأيّ أذى، وإذا لم تستجب دولة اللجوء، يعتبر بمثابة عمل عدائي ضدّها.
مثال اللجوء السوري… الاعتداء على سيادة الدولة
في المثال السوري، والحراك القائم للاجئين السوريين في الدول الإقليمية، فانه بمعظمه يصبّ في خانة الأذى للنظام الرسمي القائم، والمعترف به دولياً، من ممارسة لأعمال عدائية مسلحة، وأعمال إعلامية دعائية مناهضة وغيرها.
وهي أعمال تقوم تحت رعاية ورقابة ودعم الدول الإقليمية صاحبة اللجوء، مما يشكل حالة من الاعتداء على دولة ذات سيادة، وتدخل في شؤونها الداخلية، يوجب تدخلا لمجلس الأمن، باعتباره عملا يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين.
وهنا تسقط في القانون الدولي الإنساني، صفة اللاجئ عن الأشخاص المشتركين والمؤيدين لهذا التدخل، ويتحوّل إلى صفة متمرّد مسلح، على شرعية نظام قائم، ومعترف به من معظم الأسرة الدولية.
وفي هذه الحالة، تعتبر كلّ دولة مشتركة في هذا العمل العدائي، من وجه نظر القانون الدولي، وخاصة ميثاق الأمم المتحدة، تهدّد السلم والأمن الدوليين، حيث حدّدت المواد الدولية إطار هذا التهديد كما ورد في المادة 2 الفقرة 4 :
«يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية، عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضدّ سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على أي وجه آخر، لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة».
كما أعطت المادة 51 من الميثاق، للدولة المعتدى عليها، حق الدفاع عن النفس بشروط، حدّدها القانون الدولي.
ثانياً: في الحرب المفروضة في الداخل السوري، تم تجاوز جميع ما أشارت اليه المادة 3 المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربعة، والتي تحظر:
الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية وخاصة القتل، والتعذيب، والتشويه، والمعاملة القاسية ، وأخذ الرهائن، والاعتداء على الكرامة الشخصية الاغتصاب، والإكراه على الدعارة، وكلّ ما من شأنه خدش الحياء ، وإصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة عادلة.
لقد مارست الجماعات الإرهابية في سورية، جميع ما حظّره القانون الدولي، عبر اتفاقيات جنيف الأربعة، وهي انتهاكات موثقة، شاهدها كلّ سكان العالم، عبر وسائل الاتصال المتطوّرة الإلكترونية وغيرها.
وكان على مجلس الأمن، وجوب التدخل في حلّ الأزمة السورية، من باب محاربة الإرهاب، الواقع على الدولة والشعب السوريين، بعنوان الحرية، التي حشد لها كلّ تكفيريّي وإرهابيّي العالم.
واللافت، أنّ بعض الدول والجهات الداعمة للتكفريين الإرهابين في سورية، تتحدّث عن محاربة الإرهاب في الأعلام، وتبثّ الفكر التكفيري في مناهجها الدراسية.
ثالثاً: من المفترض، وحسب القانون المنشئ لنظام المنظمات الدولية، ذات الصلة بالشأن الإنساني، أن تكون محايدة غير سياسية، وتمارس العمل الإنساني بالمطلق، بعيداً عن الاصطفاف السياسي.
غير أنّ وقائع الأزمة السورية، تشير إلى تورّط هذه الجهات في العمل الدعائي ضدّ النظام، عبر تحميله صور الفظاعات التي يتعرّض لها اللاجئون السوريون، وخاصة على الحدود البحرية الأوروبية.
إنّ الاصطفاف السياسي لعمل المنظمات الإنسانية، يجعل منها منظمات مشلولة غير فاعلة، لارتباطها بالراعي المهيمن، وبالتالي تفقد من قوة حضورها وتقبّلها لدى الطرف الآخر.
السياسة في الصميم
لقد كشفت الأزمة السورية، هشاشة الواقع القانوني الدولي، عبر تسييس المنظمات الدولية، لصالح دول كبرى، يكون العمل الإنساني هو الواجهة الأساسية لها، في حين أنّ الواقع يتحدّث عن السياسة في الصميم.
كما كشفت الأزمة السورية، زيف الحرب على الإرهاب، من خلال دعمه إلى أقصى الحدود، حيث بات تنظيم «القاعدة» في بلاد الشام، رمزاً للاعتدال السياسي، في حين أنه في أفغانستان، إرهاب مطلق.
إنّ قضية اللاجئين قضية إنسانية، وهي نتاج خلل في السياسة، كحال الحرب، فشل في السياسة، ومن المهمّ والضروري جداً، أن نجد منظمات دولية، ذات طابع إنساني بحت، تعنى بقضايا اللاجئين، وتخفّف من ويلات الحروب.
لكن القوى العظمى المسيطرة، وفي إطار هيمنتها المطلقة على الإدارة العالمية، لا تسمح بمرور مشاريع لا تخدم إمبرياليتها، لتجعل من قضية اللجوء الإنسانية، قضية لكسبها الاستعماري، عبر المتاجرة بمشاعر البشر في الإعلام المعاصر.
في القانون هو تجاوز للقانون، وفي السياسة، نحن في عصر النيوو إمبريالية.