بوتين يترجم «الأمرُ لي» ويفرض على واشنطن التفاوض لتحديد «أهداف العدو» إعلان عمليّات روسي سوري مشترك… وتصعيد في التوتر الإيراني السعودي
كتب المحرّر السياسي
لم تمرّ ساعات على المعادلات التي رسمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقواعد الحرب على الإرهاب في سورية والعراق، بعد التموضع العسكري الروسي الجديد في سورية وتشكيل غرفة العمليات المشتركة، ومجموعة العمل الاستخباري المشتركة الروسية الإيرانية السورية العراقية، والتي تختصر بإعلان فشل الاستراتيجية الأميركية للحرب والتشكيك في جدّيتها وتحميلها مسؤولية تجذّر الإرهاب، وإعلان النية لتقديم النموذج البديل، حتى بادر الرئيس بوتين إلى وضع معادلة «الأمرُ لي» قيد التطبيق، فبينما كانت الرئاسة السورية تعلن الطابع الشرعي والقانوني للوجود العسكري الروسي في سورية كتلبية لطلب سوري رسمي، كان المجلس الاتحادي الروسي يصادق على طلب الرئيس بوتين بتكليف القوات الروسية بمهمات خارج الحدود، وكانت أسراب من الطائرات الروسية والسورية تستهدف مواقع تواجد مجموعات مسلحة تابعة لتنظيم «القاعدة» ومتحدّرة منه، ليتشكل البدء الرسمي للانخراط الروسي في الحرب على الإرهاب خارج حدود روسيا للمرة الأولى، منذ الانسحاب السوفياتي من أفغانستان.
واشنطن وحلفاؤها في حال ذهول وارتباك، فالرهان على جعل الحرب على «داعش» اختصاراً لمفهوم الحرب على الإرهاب، لم يعد ممكناً مع الدور الروسي الذي يلتزم تعريفاً واضحاً يطاول كلّ القوى والتنظيمات والجماعات المصنّفة لدى الأمم المتحدة كتنظيمات إرهابية، وهذا يعني أنّ «جبهة النصرة» خصوصاً، ولاحقاً «أحرار الشام» لن تكون مواقعهما، كما «داعش»، بمنأى عن الاستهداف الروسي، وعبّر عن هذا الارتباك الإعلان الأميركي عن استهداف الغارات الروسية وحدات من المعارضة، بينما خرج الائتلاف المعارض ليعلن أنّ القصف طال مواقع لـ«الجيش الحر»، ما يعني أنّ توسع القصف الروسي لمواقع تابعة لـ«جبهة النصرة» و«داعش» أربك الحسابات الأميركية التي قال الجنرال دايفيد بترايوس الرئيس السابق للمخابرات الأميركية إنها تراهن على «النصرة» لقتال «داعش»، بينما قال السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد إنّ الرهان معقود على «أحرار الشام»، لتتأرجح الحماية الأميركية بين «النصرة» التي تعلن رسمياً أنها فرع تنظيم «القاعدة» و«أحرار الشام» التي اعتبرت الملا عمر قائدها ومثالها الأعلى.
التفاوض على تحديد «معسكر العدو» صار ضرورة لا مفرّ منها تنتظر كشف الأوراق الأميركية التي تسبّب الإحراج، بينما المنظومة الأوراسية الجديدة التي تقف روسيا في صفها الأول وتضمّ إيران والعراق وسورية، تضع خطة حربها خارج هذه الأوراق المخفية، وتجبر واشنطن على الانصياع.
الخلاصة واضحة للمراقبين السياسيين والعسكريين، وهي أنّ زمناً جديداً للحرب على الإرهاب في سورية قد بدأ للتوّ، وانّ زمن إخضاع هذه الحرب للحسابات الأميركية القائمة على عدم إحراج الحضن التركي الدافئ لـ«داعش» أو التبنّي «الإسرائيلي» الرسمي لـ«النصرة» أو التمويل السعودي لكليهما ولـ»أحرار الشام» معهما، قد انتهى، وصار للانضمام إلى معسكر الحرب على الإرهاب تعريف لا يضعه المتلاعبون، وصار الخيار إما التنسيق مع سورية بواسطة روسيا أو ارتضاء فرط الأحلاف الخاصة والذهاب إلى عمل منسّق تحت قبة الأمم المتحدة.
بالتوازي كانت واشنطن تحاول تنشيط حلفها الخاص بعقد مؤتمر لمكافحة الإرهاب يضمّ المنضوين تحت رايتها في هذه الحرب، وهو ما اعتبرته موسكو خروجاً عن القانون الدولي، وكانت مشاركة لبنان لافتة عبر رئيس الحكومة ووزير الخارجية في هذا المؤتمر الذي يعني خروج لبنان من معادلة رفض سياسة المحاور والتورط بالانضمام إلى المفهوم الأميركي للحرب على الإرهاب في زمن الصعود الروسي، ما قد يضع لبنان أمام تبعات وتداعيات لا مبرّر لها، ما استدعى أن يقرّر عدد من الوزراء بطلب مساءلة الوفد اللبناني إلى نيويورك عن تفسير هذا التصرف الانفرادي دون تفويض من مجلس الوزراء.
المشاركة اللبنانية تمّت كما يبدو بطلب سعودي، في توقيت سيّئ يتصل بتهديدات سعودية أطلقها وزير الخارجية عادل الجبير بشنّ حرب على سورية ملوّحاً بخيار عسكري ينهي رئاسة الرئيس السوري، وفي توقيت أسوأ يتصل بتأزّم حادّ يحكم العلاقة السعودية بإيران على خلفية تداعيات كارثة الحج التي نال النصيب الأكبر منها الحجاج الإيرانيون، الذين يحتلّ الكثير منهم مواقع قيادية في هيكل الدولة الإيرانية، ولا تزال السعودية ترفض التعاون مع إيران لتسليم جثامين ضحاياها، أو الاستعداد لتحقيق يجلي الحقيقة ويزيل الالتباسات، ما أدّى إلى ارتفاع نبرة الخطاب الإيراني وصولاً إلى تحذير وجّهه السيد علي خامنئي للسعودية بنتيجة تجاهلها لكلّ النداءات والمحاولات الجادّة لكشف الحقيقة، ليتولى كبير مستشاريه الدكتور علي ولايتي تأكيد أنّ التحذير يطال السعودية وداعميها، وتعلن القوات المسلحة الإيرانية جهوزيتها لأيّ عمل يستدعيه الوضع الناجم عن كارثة الحج موجهة أصابع الاتهام إلى السعودية بالوقوف وراء استهداف كوادر وقادة إيرانيين.
في قلب هذا المشهد المتّجه إلى مزيد من التعقيد، تراجعت مناخات التفاؤل اللبنانية بقرب إقرار الترقيات لعمداء في الجيش إلى رتبة لواء بينهم العميد شامل روكز ضمن تفاهم على تفعيل العمل الحكومي والمجلسي، بعدما نجح الرئيس فؤاد السنيورة بتسريب نصّ لتسوية تتضمّن تعيين مدير عام جديد لقوى الأمن الداخلي والإيحاء بأنها تحظى برضى رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورغم تأكيد بري مفاجأته بما نُشر ومجافاته لحقيقة ما تمّ التفاهم حوله، بقي التأزم لأنّ العماد عون قد أطلق مناخات سلبية تطال العلاقة ببري محورها وزارة المال، وصارت معالجتها بذاتها تتطلب وقتاً وجهداً قبل أن تتسنّى العودة للبحث بفرصة للترقيات.
لبنان في مرحلة ترقُّب
دخل لبنان في مرحلة ترقب بعد التطورات العسكرية الروسية في سورية. وإذ تتجه الأنظار إلى ما ستكون عليه الفترة الفاصلة، فإنّ طاولة الحوار باتت مهددة بشكل كبير، لا سيما أنّ رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون بدأ يشعر أنها طاولة لاستهلاكه واستهلاك الوقت من دون أن يعوّل على أيّ نتيجة، على رغم أنه لا يزال يعطي المهل والفرص لغاية 15 تشرين الأول موعد إحالة العميد شامل روكز على التقاعد، فبعده سيكون عهد آخر.
وتشير مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى «أنّ ما يجري هو عملية ابتزاز للعماد عون لن يسمح بها حزب الله، وأنّ الجنرال لن يقبل بتعيين مدير عام للأمن الداخلي مقابل ترقية العميد روكز إلى رتبة لواء من دون وظيفة». وإذ اعتبرت المصادر «أنّ الرئيس فؤاد السنيورة هو من دسّ بند تعيين مدير عام الأمن الداخلي، وأنّ أحد وزراء اللقاء التشاوري سرّبها»، لفتت المصادر إلى «أنّ عون لن يدخل في باب المقايضات مع أحد، وأنه لن يقبل بأيّ تسوية لا تراعي الدستور والميثاق والقوانين».
بري لقهوجي: حسابات قيادة الجيش تختلف عن حسابات الرئاسة
وإذ أشارت المصادر إلى الخلاف الجديد الذي ظهر بين الرئيس بري والعماد عون على خلفية الأداء المالي الذي أعلن عنه الأخير أول أمس عقب الاجتماع الأسبوعي لـ«التكتل»، لفتت المصادر لـ«البناء» إلى «أنّ العماد عون تبلغ من مصادر دبلوماسية داعمة لفريق 8 آذار أنّ الرئيس بري لا يختلف في الموقف السياسي والاستراتيجي معه، وأنّ الخلاف لا يتعدّى الحيّز التقني»، مشيرة إلى «أنّ قائد الجيش العماد جان قهوجي طرح مع الرئيس بري في إحدى الزيارات التي قام بها إلى عين التينة الملف الرئاسي، غير أنّ جواب بري كان أنّ حسابات قيادة الجيش ليست هي نفسها حسابات رئاسة الجمهورية».
وعلمت «البناء» أنّ الرئيس بري أبدى أمس «استياءه من الموقف المتشدّد الذي أعلنه العماد عون وتهديده بالانسحاب من الحوار، علماً أنّ تسوية الترقيات لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بهيئة الحوار». ويشدّد بري على «أنّ التسوية التي نشرت في جريدة «السفير» مضافاً إليها بند تعيين مدير عام لقوى الأمن الداخلي، هي مدسوسة وتعبّر عن نيات سيئة، لا سيما أنّ اقتراحه لم يتضمّن هذا البند بأيّ شكل من الأشكال، وأنّ المتحاورين في عين التينة على علم بأنّ التسوية تقتصر على الترقيات وتفعيل عمل الحكومة وإنهاء الشلل في المجلس النيابي».
«المستقبل» يتّخذ من المجلس منبراً للتهجّم على عون
من ناحية أخرى، شكلت الجلسة التاسعة والعشرون لانتخاب رئيس للجمهورية أمس، والتي أرجئت إلى 21 تشرين الاول الحالي، منبراً جديداً للسجالات النيابية بين 14 آذار والتيار الوطني الحر، حيث اتخذ تيار المستقبل من قاعة الإعلاميين في المجلس النيابي منبراً للتهجّم على العماد عون. وقال النائب أحمد فتفت متوجهاً إلى عون: «إذا كان البعض يرفض منطق العيش المشترك والديمقراطية التوافقية، فلا يستطيع أن يفرض لنفسه حق «الفيتو» في مجلس الوزراء ولا أن يعطل انتخابات المجلس النيابي ولا تعطيل مجلسي النواب والوزراء كلياً». وسأل: «هل نحن في بلد ديمقراطي يؤمن بالعيش المشترك والتوافقية أو في ديكتاتورية؟». وردّ عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب حكمت ديب معتبراً «أن الديمقراطية التوافقية هي ألا تلغوا الآخر وان تدعونا إلى المشاركة الفعالة في السلطة وتحترمونا، وليست فقط إعلانات كاذبة».
وتعقد قيادات فريق 14 آذار اجتماعاً يوم غد الجمعة في بيت الوسط للتشاور في عدد من الملفات في ضوء ما يجري في سورية، ومن المتوقع أن يصدر موقفٌ عن المجتمعين في ما خصّ الترقيات العسكرية. كما يعقد وزراء اللقاء التشاوري الثمانية اجتماعاً في الأولى من بعد ظهر اليوم في دارة الرئيس السابق ميشال سليمان في اليرزة لبحث ملف الترقيات العسكرية.
سلام: لإبعاد لبنان عن الاستقطاب الإقليمي
ومن نيويورك شدّد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على أنّ «احتياجات لبنان كبيرة ومتزايدة»، محذراً من أنّ «عدم تلبيتها سيؤثر عليه». ودعا كي مون، خلال اجتماع لمجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، إلى «زيادة الدعم لمكافحة الإرهاب في المنطقة». ورأى الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي بدوره «أنّ لبنان كان وسيظلّ نموذجاً فريداً للنظام الديمقراطي»، مؤكداً تضامن الجامعة مع لبنان، ومشدّداً على «وجوب دعم الجيش اللبناني لمواجهة الصعوبات التي يواجهها البلد». وأكدت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديركا موغريني ضرورة تجديد الدعم للبنان وللجيش اللبناني، لافتة إلى أنّ «هذا الأمر مهمّ للسلام في لبنان والمنطقة».
وأكدت «ضرورة دعم جهود الحكومة اللبنانية في استضافة النازحين السوريين». وشدّدت على ضرورة إيجاد حلّ سياسي في لبنان وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، مضيفة: «نحن مستعدّون لدعم مبادرات لحلّ هذه الأزمة السياسية وحث اللاعبين الدوليين والإقليميين على ذلك»، قائلة: «لبنان بحاجة إلى رئيس واستعادة الثقة لمواجهة التحديات».
وأوضح رئيس الحكومة تمام سلام من جهته، «أنّ أهمّ تهديد يواجه لبنان هو عدم انتخاب رئيس للجمهورية»، وقال: «لقد استطعنا حتى الآن ضمان حماية حق التظاهر لكن الأوضاع الاقتصادية تتدهور بسرعة». وأشار إلى «أنّ تثبيت الاستقرار فيه، بما له من نتائج سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية، يستدعي من الأشقاء والأصدقاء، إبعاد لبنان عن الاستقطاب الإقليمي، ومساعدة اللبنانيين على إنهاء حالة الفراغ والشلل الحالية، وإعادة الانتظام إلى عمل المؤسسات الدستورية، من خلال انتخاب رئيس جديد للجمهورية دونَ مزيدٍ من التأخير».
وأمل «أن يفتح الاتفاق الأخير بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، صفحة جديدة في العلاقات الدولية، ويشكلَ بدايةً لتحسين المناخات الإقليمية، بما ينعكس إيجاباً على أوضاعنا السياسية في لبنان».
والتقى سلام في مقرّ الامم المتحدة رئيس وزراء السويد ستيفان لوفن، في حضور وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل. واختتم رئيس الحكومة محادثاته في نيويورك بلقاء ثنائي جمعه إلى الأمين العام بان كي مون.