قالت له
قالت له: إذا لم يكن لديك دليل على الحبّ إلا الغيرة، فتنحّى. لأن الغيرة أنانية والحبّ إيثار وتضحية. وحقيقة الحبّ أننا نحبّ ولا ننتظر مقابلاً، ولا يهمنا أن يحبّنا من نحبّ، لا بل لا يهمنا إن أحبّ سوانا. وسعادتنا أن نراه سعيداً. وأغلب ما يسميه الناس حبّاً ليس إلا انفعالَ رغبات وتحقيقَ أحلام واختبارَ أوهام، وقلقاً على الحياة والعمر، ومقارنات للأفضليات والأولويات، فهل تؤمن بهذا؟
متى آمنت ستعرف طعم حبٍّ لا يعرفه إلا قلّة من البشر. يُكثرون من الحديث عن الحبّ ويرتكبون بحقه كلّما سنحت لهم فرصة أبشع الأفعال. وينفعلون دفاعاً عنه حتى الغضب والحزن. لكنهم يفعلون ذلك لتكون لهم أوسع مساحات الحرّية لا أوسع فضاءات الحبّ. والحرية عدوّ الحبّ لأن الحبّ عبودية، والحرّية تعني القدرة على التنقل بين الخيارات. والقلق من تصادمها ليس حيرة بينها، إنما رغبة بجمعها. بينما الحبّ لا يجمع ولا يطرح ولا يضرب ولا يقسّم، فهو عدوّ علم الحساب. فيه واحد زائداً واحد يساوي واحداً، وواحد ناقصاً واحد يساوي واحداً. إنه المعادلة اللوغاريتمية الكاملة.
فقال لها: أنا استاذ فيزياء، وأنت أستاذة رياضيات.
فقالت له: لكن الذرّة عندما تنشطر تُحدِث انفجاراً كونياً، فكيف شطرتَ قلبي ولم تنتبه؟
فقال: لأتدفأ بحراراته!
فقالت: هذه تجارة لا فيزياء، وحساب أرباح وخسائر. فاحمِل دفاترك وارحل كي تبقى بعين الحبّ أستاذ فيزياء لا «تاجر شنطة». ومضت تقول: سأحبّ فيك الرجل الذي رسمته لنفسي لا أنت. وسيبقى الفرح صاحبي لأن الحبّ طريق للفرح وما فيه من حزن على الحبيب الذي لم يذق طعم الحبّ والفرح إلا وهماً. فمن يحبّ يحبّ للحبيب الأحلى، ولا يحزن إلا إذا رآه عاجزاً وضعيفاً وحزيناً ومتقلّباً.