«الترجمة واقعاً وآفاقاً»… ندوة في المتحف الوطني ـ دمشق

لورا محمود

لأن الترجمة هي المهنة التي تعمل على تلاقي الشعوب وتفاهمهم وتقاربهم، وهي الجسر الذي يتواصلون عبره بين جهات العالم الأربع، ولأنها المهنة التي رافقت اللغات منذ نشأتها وساوت بينها وأغنتها، فإنّ أهمية الترجمة تزداد بقدر ما تتقارب هذه الشعوب. فمهنة المترجم تقدم اللغات وآدابها الرفيعة وقيمها السامية ومعارفها المفيدة.

لمناسبة «اليوم العالمي للترجمة» أقيمت في دمشق أمس، ندوة عنوانها «الترجمة واقعاً وآفاقاً»، وذلك في القاعة الشامية في المتحف الوطني.

مديرة الترجمة في الهيئة العامة السورية للكتاب الدكتورة سوزان ابراهيم ذكرت أن الندوة تقام لمناسبة «اليوم العالمي للترجمة» الذي أقرته منظمة «يونيسكو»، وقالت إنّ الندوة تضمنت جلستين، ويشارك فيهما ستة مترجمين. وفي كل جلسة ثلاث محاضرات، تتناول عدة محاور، منها حال الترجمة في زمن العولمة، ونحو استراتيجية وطنية للترجمة.

محاضرون

ومن المترجمين المحاضرين في الندوة، الدكتورة نورا آريسيان، التي قالت إنها تنظر إلى الترجمة بإطارها الأوسع، لأن الترجمة هي الجسر الذي يوصل الشعوب ببعضها. وقالت: أنا اترجم عن اللغات الأرمينية والانكليزية والفرنسية، وقد ترجمت عدداً من الكتب عن اللغة الأرمينية إلى العربية، وهذا الامر ساهم في إلقاء الضوء على الأدب والتاريخ الأرمينيين بالنسبة إلى القارئ العربي، خصوصاً أن المكتبة العربية تفتقر إلى كتب مترجمة عن الأرمينية.

وأضافت: إذا أردنا أن نتحدث عن الترجمة بشكل أشمل، نجد أن الترجمة هي الوسيلة الوحيدة والأسلم لنقل ثقافات الشعوب، وللتواصل مع تلك الشعوب وحضاراتها. ولفتت آريسيان إلى أن هناك آداباً أخرى مهمة يجب ترجمتها إلى العربية، كالأدب الصيني، والأدب الروسي والأدب الأفريقي، ويجب أن تنقل إلى اللغة العربية. والعكس صحيح، يجب أيضاً ترجمة الآداب العربية والأدب السوري خصوصاً إلى اللغات الأخرى كالانكليزية والفرنسية والإسبانية.

وأكدت آريسيان أن مهنة المترجم هي مهنة السلام، لأن المترجم هو الشخص الحيادي الذي يقوم بنقل كل ما هو معنيّ بالثقافة والحضارة.

وتحدث الدكتور راتب سكر عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتّاب العرب في محاضرته «الترجمة الأدبية ميداناً للأدب المقارن»، عن نشأة علم الأدب المقارن في فرنسا خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، واتجاهه إلى جعل الترجمة ميداناً رئيساً من ميادين دراساته، فغدت هذه الدراسات شريكة ومتمّمة لدراسات علماء الترجمة واللغات.

وأشار سكر إلى تفاوت مواقف الباحثين من تقدير دور الترجمة في التفاعل بين الآداب والثقافات وتفاوت مواقفهم من شرعية الاعتماد على منجزاتها في الدرس الأدبي المقارن. لافتاً إلى أنه في الوقت نفسه، قدّمت الترجمة في تاريخ الثقافات البشرية مساهمات واسعة وعميقة في نماء الصلات بين الآداب والثقافات العالمية المختلفة وتفاعلها.

أما المترجم عدنان جاموس، عضو اتحاد الكتّاب، فأشار في محاضرته التي حملت عنوان «الترجمة عن لغة وسيطة… الدكتور سامي الدروبي أنموذجاً»، إلى أن سرّ تفرّد الدروبي عن غيره من سائر المترجمين عن لغة وسيطة، والذي ترجم لأدباء روس عن اللغة الفرنسية لكون ترجمته تتّسم بالدقة والأمانة وبنصاعة البيان ونقاء الأداء، لتأتي الترجمة صورة تمثل الأصل تمثيلاً صادقاً ولتكون بذلك ترجمة أخيرة إليها يُرجع وعليها يعتمَد، فلا حاجة بعد ذلك إلى إعادة ترجمتها.

ولفت إلى ما ذكره الباحث المصري الراحل الدكتور طه حسين من أن سامي الدروبي أنجز ما عجزت عن إنجازه مؤسسة كاملة، وأن أحد المستشرقين الروس المشهورين فلاديمير كراستوفسكي قال بعد أن اطلع على الترجمة العربية لأعمال دوستويفسكي بقلم الدروبي: لو أن دوستويفسكي كتب باللغة العربية لما كتب أجمل من هذا.

وفي محاضرته التي حملت عنوان «دور الترجمة في التنمية الوطنية»، عرض الأديب والمترجم حسام الدين خضور مقرّر جمعية الترجمة في اتحاد الكتّاب العرب عدداً من الدراسات لباحثين سوريين تناولوا دور الترجمة في عملية التنمية. معتبراً أنه يغلب على معظم هذه الأعمال الوصف والطابع التقريري فتقدم أحكاماً تقنع بصحتها القارئ من دون الخوض والبحث في دليل أو برهان.

ولفت خضور إلى أن جميع من درسوا علاقة الترجمة بالتنمية أكدوا أن الترجمة محرّض ثقافي وجسر يردم الهوة بين الشعوب ووسيلة أساسية للتعريف بالعلوم والتكنولوجيا، وعنصر أساس في التربية والتعليم ومواكبة الحركة الفكرية والثقافية، ووسيلة لإغناء اللغة وعصرنتها، وهذه كلها من مفردات التنمية.

ودعا خضور إلى التحضير لمؤتمر يضع خطة وطنية مفتوحة للترجمة وإقامة ندوات وورشات عمل للترجمة في المحافظات وتشجيع نقد الترجمة بتخصيص أبواب ثابتة في الدوريات السورية كافة، وإقامة ندوات وورش عمل للترجمة في المحافظات.

أما المترجم عياد عيد، فقال في محاضرته «نحو استراتيجية وطنية للترجمة»، إنّ الترجمة ما زالت عشوائية على رغم ما يسعى إليه اتحاد الكتّاب العرب ووزارة الثقافة. لأن هناك بعض دور النشر تغفل الجانب العلمي وتسعى إلى استراتيجيات أخرى. لذلك يجب أن نلتزم بالوسائل التي تجعل الترجمة في خدمة الثقافة الإنسانية والوطنية للبلاد..

وقال الدكتور نزار بني المرجة رئيس تحرير «مجلة الأسبوع الأدبي»: إن هذه الندوة تؤكد استمرار الحياة الأدبية والثقافية في سورية بوتيرة عالية من الأداء الذي يعبّر عن نفسه عبر ما يصدر من كتب مترجمة في حقول الترجمة والسياسة والأدب والبحوث والدراسات، على رغم كل الظروف القاسية التي تعاني منها سورية منذ خمس سنوات بسبب العدوان الجائر الذي نتعرض له.

وأضاف: نحن نشعر بالارتياح لما يقوم به المترجمون السوريون من خلال الترجمة والترجمة المعاكسة، لأن نتاجهم يشكل مساهمة كبيرة في المثاقفة بين العرب وباقي شعوب العالم. ولذلك، للمترجمين دور كبير في تصحيح الصورة وتصويبها والتصدّي لمحاولات تشويه العلاقات الحضارية بيننا وبين شعوب العالم.

أما المترجم جعفر علوني، فاعتبر أن الترجمة يجب أن تقدم كل ما هو ضروري من أجل المثاقفة وعلى صعيد كل اللغات شرط أن يكون المترجم متأهباً لاحترام لغته ودعمها ونقلها أيضاً إلى لغات العالم لتوازيها أو تتفوّق عليها.

واختتمت الندوة بمحاضرة للدكتور رضوان قضماني بعنوان «حال الترجمة في زمن العولمة»، قال فيها إن النهوض بالترجمة يعاني من واقع سلبي يتمثل في ضالة الكمّ المالي الذي ينفق على الترجمة، وضعف الاحتفاء بها عربياً. مشيراً إلى أن أكثر من نصف الآداب المترجمة إلى العربية محصورة في الأدبين الانكليزي والأميركي، وأن غالبية الأدب العالمي يترجم نقلاً عن لغة وسيطة لا عن لغته الأم.

وطالب قضماني بتشكيل وعي نقديّ عالٍ حيال الترجمة وتصعيد درجات الوعي النظري بالترجمة، وحل المشكلات الجديدة الناشئة، المتعلقة بإمكانيات الترجمة الآلية بوساطة الحاسوب، وآفاق احتمالاتها، وتوفير المترجم المتخصص في كل مجال جديد من مجالات الترجمة العلمية.

لقاءات

وفي حديث إلى «البناء»، أشار مدير عام الهيئة العامة للكتاب جهاد بكفلوني إلى أنه عندما أصدر أحد الكتّاب الهنود كتاباً حمل عنوان «خنجر إسرائيل»، وشرح فيه الخطة التي كانت القيادة «الإسرائيلية» قد وضعتها للسيطرة على المزيد من الأراضي العربية، اتهمه كثيرون من المتصهينين والصهاينة بأنه يعمل ضد «إسرائيل»، وظهرت آنذاك تعليقات عدّة، مفادها أن الكتاب ليس مخيفاً، لأن العرب لايقرأون. هذه الجملة فيها ما فيها من الألم الذي يعصف بالنفوس، فاليوم إذا أردنا أن نعرف ما يدور حولنا، السبيل الوحيد إلى ذلك أن نقرأ ما يكتب عنّا باللغة التي كُتبت بها المادة الأصلية.

وأضاف بكفلوني: نحن نظنّ الآن أنّ سورية معزولة من قبل الغرب، وأنّ الغرب أدار لها الظهر، وأنه يصنّفها في المعسكر المعادي، وهدفه يصبّ في إسقاط الدولة السورية لا النظام، لكن يتبين إذا قرأنا ما تكتبه بعض الأقلام الشريفة في الغرب، أن كثيرين ممن يملكون ضميراً صاحياً يقفون في المعسكر المناهض لهؤلاء القادة الذين يأتمرون بأمر الدول التي لا تبيّت لسورية إلا كلّ شرّ وعدوان مثل قطر والمملكة العربية السعودية التي لا أدري من أين أُلصِقت بها كلمة «العربية».

وتابع: هذا أيضاً ما لمسناه عندما ترجمنا كتاب «المحنة السورية». فكثيرون من المفكرين الفرنسيين، ومنهم المستشرق الفرنسي فريدريك بيشون ـ صاحب هذا الكتاب ـ الذي كان يرى أن هولاند وأترابه في القيادة الفرنسية لا يمثّلون إلا أنفسهم، كثيرون من الفرنسيين يتعاطفون مع سورية، ويعرفون أن ما يحصل فيها لم يكن إلا نتاج مؤامرة اشتركت فيها قوى غربية وعربية كثيرة.

هذا يجعلنا نعرف ما في الغرب من خلال الاطّلاع على ما يُكتب هناك. لكنّ مشكلتنا في العالم العربي، أننا نصل متأخرين جدّاً، أو مبكّرين جدّاً.

بدوره، قال أحد المحاضرين المترجم مالك صقور: إن الترجمة أكبر جسر في العالم والحياة يؤدي إلى تواصل الشعوب. ولولا الترجمة لما اكتملت الحضارات القديمة والحديثة. فالمترجمون صاحبوا الحملات الحربية والغزوات والرحلات، واليوم يترجمون الآداب والعلوم. المترجمون بمثابة الجنود المجهولين والحقيقيين الذين لم يأخذوا حقهم إلا في عهد المأمون. فحنين ابن اسحق كاد يفلس بيت المال عند المأمون الذي كان يهبه وزن المخطوط المترجم ذهباً.

وتمنّى صقور أن يعاد دور حنين ابن اسحق، لا سيما أنّ وزارة الثقافة أصدرت كتاباً خاصاً عنه عام 1998، ترجمة الدكتور نجيب الغزاوي. كما تمنّى أن يعاد طبع هذا الكتاب لأهمية الترجمة.

وفي نهاية الندوة، أكد الحضور أن الترجمة هي صلة الوصل بين بلدنا العالم أجمع.

تجدر الإشارة إلى أن «اليوم العالمي للترجمة» يصادف في 30 أيلول من كل سنة، وأطلقه الاتحاد الدولي للمترجمين عام 1991 لإظهار تضامن مجتمع المترجمين في جميع أنحاء العالم، ولتعزيز مهنة الترجمة في مختلف البلدان، وعرض مزايا هذه المهنة التي تزداد أهمية في عصر العولمة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى