أغارت روسيا فغضبت أميركا واهتز عرش الشرعية السعودية…
سعدالله الخليل
على أحرّ من الجمر بدت الأوساط السياسية والإعلامية بانتظار الدخول الروسي في معركة سورية في حربها على الإرهاب، وبالرغم مما شهدته أجواء الأمم المتحدة من نقاشات وجدالات بمنابرها المتعدّدة وأروقتها المبهرة وقاعاتها المغلقة، فقد سرقت الغارات الروسية الأضواء، وما إنْ أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن شنّ طائراتها أولى غاراتها على مواقع الإرهابيين في الأراضي السورية حتى انهالت موجات التصريحات والمواقف والتحليلات بين مرحب ورافض وقلق وشاجب.
في الشكل أظهرت دمشق وموسكو شديد الحرص على إظهار المسار القانوني والدستوري للخطوة بدءاً من رسالة الرئيس بشار الأسد بصفته القائد العام للجيش والقوات المسلحة السورية والمؤتمن على أرض وشعب سورية بموجب الدستور إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين يطلب فيها إرسال قوات جوية في إطار مبادرة الرئيس بوتين لمكافحة الإرهاب الذي بدوره أحال الطلب إلى مجلس الاتحاد الروسي الذي وافق على مشاركة القوات الروسية خارج حدودها.
لم يكد أول الصواريخ الروسية يطأ أرض الهدف وقبل تناثر الغبار من حوله أطلقت جوقة السلمية والمدنية صرخات الندب والعويل على تطاير جثث النساء والأطفال والشيوخ التي أصابتها الصواريخ الروسية ، في مشهد يذكّر بالبراميل المتفجرة التي لا تصيب سوى الأطفال والنساء والشيوخ، وعبر سنوات الأزمة لم تصب ولو من قبيل الخطأ في بيانات وتصريحات قيادات المعارضة والدول الداعمة لها قيادياً في ما سُمي يوماً ما الجيش الحر الذي تحوّل لاحقاً إلى جبهة النصرة قبل ان يغدو تنظيم داعش أبو صقار آكل القلوب والأكباد مثلاً، وفجأة تسيّد يتامى السعودية وأنقرة الشاشات مندّدين في الظاهر فرحين بعودتهم إلى الأضواء بعد أن خبا صوتهم ليبدوا كالنواحات الباكيات في الشكل على ميت لا يمت لهم بصلة، السعيدات بأجر مقبوض آخر المطاف، وربما تفهم دوافع الائتلافيين للتباكي على حصون تنهار على الأرض ومناصب تتهاوى في السياسة لا يسأل عنها أحد، إلا أنّ الغريب أن يعود وزير الخارجية الأميركي جون كيري لتكرار رواية قمع الأطفال وتحوّل الأهالي إلى إرهابيين بعد خمس سنوات من الحرب، ولعله كان نائماً طوال اجتماعات نيويورك ولم يسمع مستوى الخطابات النارية التي سبقته. كيري الذي أبدى قلقه وخشيته أن تصيب الغارات مواقع ليست لـ داعش دون أن يفصح عن المواقع التي أصابها طيرانه خلال عام من الغارات على التنظيم، وهو ما يطرح تساؤلات عدة عن المعطيات التي يعتمد عليها التحالف لضرب التنظيم التي لا تمتلكها روسيا وسورية، ليبدو غضب كيري مبرّراً لخشيته من ضرب الغارات للتنظيم الذي لعب بورقته في الساحة السورية.
بعيداً عن الصراخ الأميركي فعلى موسكو ودمشق أن تراجعا حساباتهما بعد إعلان مملكة آل سعود رفضها للغارات، وأن تستجيبا لدعوتها وقف الغارات، خاصة أن السعودية تتسلح بلبوس الشرعية في حربها على اليمن وكان من المفترض أن تستعين روسيا بـ خبرتها الشرعية في الحروب على أراضي الغير، والتي لم تُبقِ حجراً على حجر في المدن اليمنية، كي تمنح الرئيس الفارّ عبد ربه منصور هادي بعضاً من الشرعية التي باتت بعد أحداث منى بحاجة إلى من يمنحها إياها.
بعد عام من غارات واشنطن الوهمية على تنظيم داعش لم ينبس أي طرف ممن يعلو صراخهم اليوم بوجه موسكو ببنت شفة، ومن سوء حظهم العاثر أنّ السياسة الروسية والسورية تمتاز بهدوء أعصاب منقطع النظير تراقب طائراتها بهدوء، ولسان حالها يقول اغضبوا وتمسكوا بـ شرعيتكم ولتضربوا رؤوسكم بالجدار لا تراجع عن حرب أعلناها ضدّ مرتزقتكم.
«توب نيوز»