انضمام الفتيات الغربيات إلى «داعش» مسؤولية مَن؟
سمر الخطيب
يتعاظم قلق الحكومات الغربية من أعداد مواطنيها المنضمّين إلى تنظيم داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة في سوريا، ومن ارتكاب أعمال إرهابية في المجتمعات الغربية على غرار الهجوم الإرهابي على صحيفة شارلي إيبدو ومحاولة تفجير مصنع الغاز في جنوب فرنسا.
لقد شكّل انضمام فتيات غربيات إلى تنظيم داعش ظاهرة غير مسبوقة، إذ إنّ هؤلاء الفتيات، وهنّ من بيئات متنوّعة اجتماعياً ودينياً وبعضها ميسور، تخلّين عن عائلاتهن وجامعاتهن وأعمالهن واتجهن إلى سوريا عبر تركيا، بعدما وقعن فريسة الدعاية الداعشية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والأفلام المفبركة.
هذه الظاهرة، تستدعي مراجعة وتحليلاً للأسباب التي تدفع هؤلاء النساء للانضمام إلى تنظيمات إرهابية، فما هي هذه الأسباب؟
لقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً أساسياً في عملية استقطاب الفتيات، وقد أشار رئيس رقابة المملكة المتحدة البريطانية روبرت هانيجان لشبكة الـ سي أن أن إلى أنّ التنظيمات الإرهابية كداعش وغيرها تستخدم تويتر ، و فيسبوك و واتس آب كوسائل أولية للوصول الى جمهورها المستهدف باللغة التي يفهمها. هذا بينما تشكل الصور والفيديوات التي ينشرها محركو هذه التنظيمات تجميلاً للوحة الواقعية في الميدان، فتظهر مدينة دمشق بأحسن حالاتها وكأن هذه اللقطات هي نفسها مراكز داعش التي ستأوي النساء الأجنبيات.
فتاة بريطانية انضمّت الى داعش عام 2013، نشرت على جدار صفحتها دعوة إلى أخريات تقول فيها: منزل يتضمّن كهرباء وماء مقدّم لك مجاناً… كما يمكنك العثور على الشامبو والصابون والضروريات الأنثوية، لذلك لا تقلقي إذا كنت تعتقدين بأنك سوف تعانين من حياة الكهف هنا !
مثل هذه الدعوات وبصياغات مختلفة تملأ وسائل التواصل الاجتماعي، والواقع أنّ الفتيات اللواتي يقعن في أفخاخ هذه الدعوات يخضعن لعبودية كاملة ويتمّ استخدامهن لتلبية رغبات الرجال الجنسية، وبعضهن يدركن هذا الأمر مسبقاً، لكن عمليات غسل الأدمغة تجعلهن يعتبرن الأمر بمثابة «جهاد».
المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية في العراق أشار في دراسة له، إلى أنّ النساء اللواتي تقعن تحت تأثير موجة المعتقدات الداعشية يعتقدن أنّ مساعدة من يسمّونهم «المجاهدين» والزواج منهم هي من الوسائل التي تقودهن إلى الجنة.
سامارا كيزينوفيتش 17 عاماً وسابينا سليموفيتش 15 عاماً ، مراهقتان نمساويتان نشأتا في فيينا قرّرتا التوجه نحو سوريا والانضمام إلى تنظيم «داعش»، وهما مقتنعتان بشعار «الجهاد في سبيل الله»، وهذا ما ورد في الرسالة التي ارسلتاها إلى ذويهما: «لا تبحثوا عنا، نحن سنخدم الله ونموت من أجله». وفور وصولهما تمّ تزويجهما، بحسب ما ذكرت صحيفة «ديلي ميل»، مضيفة انهما ارسلتا رسالة أخرى بعد فترة لا تتجاوز الستة أشهر تقولان فيها إنهما حاملتان وترغبان بالعودة الى بلدهما بسبب الظروف الصعبة التي تعيشانها، وهما نادمتان لأنهما انضمّتا إلى «داعش».
هن إذاً يصلن وينسجمن بداية، لكنهن يندمن بعد أيام قليلة… هذا هو الواقع المأساوي الذي باتت معالجته من مسؤولية الدول الغربية لوقف هذا التسيّب والتسرّب، حيث أصبح من الضروري تبنّي برامج دائمة وخلق مراكز توعية لإظهار خفايا أهداف تنظيم «داعش» ومثيلاته.
الدول الغربية التي تعاني اليوم من هذه الظاهرة تتحمّل المسؤولية الأساسية، فسياساتها التي تساهلت منذ أكثر من أربع سنوات مع التطرّف بغرض تأجيج الصراعات في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة باستهدافها العراق وسوريا في محاولة لإسقاط الدولة السورية، فصوّرت عناصر التنظيمات الإرهابية «ثواراً من أجل الديمقراطية»، بينما كانت هذه التنظيمات تستفيد من الغباء الغربي والعربي لنشر أفكارها الهدامة وبناء إماراتها و»دولتها الناشئة» على أنقاض المجتمعات التي تعايشت مكوّناتها الدينية والعرقية والاثنية لآلاف السنين.
اذاً… وتبعاً للمثل القائل «أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي أبداً»، فإنّ على أصحاب القرار في الدول الغربية وقف التمييز العنصري والديني للأقليات في مجتمعاتها وفتح آفاق الاندماج والمستقبل للشباب، خاصة المسلم، في مجتمعاتها، وفي نفض يدها من التدخل في سورية وغيرها، والطلب من حلفائها العرب وقف التمويل والتسليح للجماعات الإرهابية التي تمدّدت ولم يعد ممكناً الفرز بين مَن هو إرهابي ومَن يُسمّونهم «معارضة معتدلة»…