ضريران يتطلّعان إلى المستقبل بعيون باهرة ويخضعان للامتحانات الرسمية في الشمال بتفوّق
تحقيق ريما يوسف
الإرادة تجعل الأحلام واقعاً، والأمنيات تصبح إنجازات بعد عمل دؤوب ومتواصل، يسميه المتقاعسون مستحيلاً. فالطموح يبدأ من الإيمان بالذات والقناعة المترافقة مع الصبر الذي يكسر الحواجز والمستحيلات.
رياض أسوم وخليل أمون برزا من أبناء جيلهما يتحدّيان المستحيل، فعلى رغم إعاقة النظر التي أصابتهما، تابعا دراستهما في الثانوية الوطنية الأرثوذكسية، ويخضعان هذا العام للامتحانات الرسمية، خليل للشهادة المتوسطة، ورياض للشهادة الثانوية ـ آداب وإنسانيات وهو في المرتبة الأولى في صفه، وتشرف على تدريب كل منهما على طريقة برايل الاختصاصية عائشة الدبوسي.
رياض أسوم الذي يميّز فقط النور من الظلام ولا يرى إلا الظلال، أوضح في دردشة مع الوكالة الوطنية للإعلام، أنه منذ صغره يدرس وفق طريقة «برايل»، بحيث أنّ لكل رمز معنى، مشيراً إلى أن لديه قدرة عالية جداً على الحفظ، ويقضي معظم أوقاته في المطالعة والدرس. متمنياً أن يصبح اختصاصيّاً في الترجمة ويحتلّ المرتبة الأولى في لبنان. شاكراً الثانوية الوطنية الأرثوذكسية لاحتضانها له، ولجمعية الشبيبة للمكفوفين وللاختصاصية عائشة الدبوسي رعايتهما له.
وأشار الطالب خليل أمون إلى أنّ مسيرة كفاحه بدأت منذ الصف الرابع الأساسي حين دربته جمعية العزم والسعادة أوّلاً، ثمّ انتسب إلى الثانوية الأرثوذكسية وتمكن عبر طريقة «برايل» من اكتساب 26 حرفاً فرنسيا، و28 حرفاً عربياً. وأكّد أنه يخضع للامتحانات كزملائه الآخرين، إنّما من دون رسومات. شاكراً المدرسة والاختصاصية الدبوسي على اهتمامهما.
أما الاختصاصية الدبوسي، فقالت إنها تساند مرضى كفّ البصر منذ 14 سنة في المدرسة، ومنذ ذلك الوقت أنجزت التحضيرات لاستقبال حالات كهذه، التي اهتم بها المدير والمعلمات والتلامذة. مشيرة إلى أن هناك عشرة مكفوفين في المدرسة يتلقّون تعليمهم مع زملائهم في صفوف عادية، عبر برنامج الدمج المتّبع عادة، ويتمّ تلقينهم المعلومات شفهياً ويدوّنونها عبر طريقة «برايل». مؤكّدةً أنهم يدرسون كل المواد باستثناء بعض الرسومات.
وأشارت إلى أنّ معنويات هؤلاء التلامذة عالية وهم لا يشعرون أنهم أقل من زملائهم. وقالت: «على رغم أنّ مرض كفّ البصر من أصعب الأمراض لذوي الاحتياجات الخاصة، فإنّ هؤلاء التلامذة استطاعوا تخطّي الصعوبات بسبب وقوفنا إلى جانبهم كجسم تعليميّ وإداريّ وعائليّ، إضافة إلى إرادتهم القوية».
يذكر أنّ طريقة «برايل» هي نظام كتابة ليلية أبجديّ، اخترعها الفرنسي لويس برايل ليتمكن المكفوفون من القراءة، فهو يجعل الحروف رموزاً بارزة على الورق ما يسمح بالقراءة بوساطة اللمس.
فقد برايل بصره وهو في الثالثة من عمره، وانضمّ إلى معهد باريس في سنّ العاشرة، وقبل التحاقه بالمدرسة، علّمه أبوه استخدام يديه بمهارة، كان حاد الذكاء فأصبح تلميذاً وموسيقياً بارعاً. وبعد تخرّجه أصبح أستاذاً في المعهد واهتم برعاية المكفوفين، وتمكّن أن يكتب بطريقة الشيفرة العسكرية التي كان قد اخترعها الضابط الفرنسي بيير لسكي ليرسل التعليمات العسكرية إلى الجيش الفرنسي في حربه مع الألمان.
تمت ملاءمة لغة «برايل» باللغات الأخرى، بشكل يجعل الكفيف الذي يتكلم العربية ولغات أخرى قادراً على القراءة بلغته بوساطة النقاط بخطّ «برايل». فيستطيع الضرير قراءة كتب العلوم والدين والصلوات المكتوبة على طريقة «برايل» على صفحات ورقية.
أمّا طريقة قراءة هذه الأحرف فتكون من اليسار إلى اليمين، إذ إنّ النقطة العليا إلى اليسار تسمّى رقم 1 والتي تحتها 2، والتي تحتها 3، ثم ننتقل إلى الصف الثاني فالعليا نسمّيها 4 والتي تحتها 5، والتي تحتها 6، وهي كما في الشكل التالي:
1O O4
2O O5
3O O6
وعلى هذا الأساس توضع حروف اللغة العربية كلّها.
المستحيل يصبح واقعاً، طالما أن هناك دافعاً قوياً، وإنساناً يساند المريض ويهتم به ويشاركه أحلامه، حينئذٍ يصنع المستحيل ويُبنى المستقبل.