مرويّات تاريخيّة فهد أبو عبسي وموسى مطلق ابراهيم أديبان وشاعران قوميّان

لبيب ناصيف

الرفيق الأديب والشاعر فهد أبو عبسي لم يكن من الشعراء الذين يحسنون تسويق أنفسهم والتعريف بإنتاجهم. فهو رغب أن يصدر مؤلفه الأول «نشيد الإنشاد»، وقد صاغه شعراً، باسم عبد المسيح السائح. فمرّت سنوات قبل أن يكتشف عالم الأدباء والشعراء في لبنان أن عبد المسيح السائح، الذي طربوا لشعره، هو الرفيق فهد أبو عبسي.

انـتـمـاؤه

يروي الأمين نواف حردان في كتابه « على دروب النهضة « أن الرفيق فهد هو الثاني الذي أدى قسم الانتماء في بلدة راشيا الفخار. أما الأول فهو الأمين عادل يعقوب العجيمي.

في تلك الفترة الصعبة من عام 1941، عندما كانت السلطات الفرنسية تعتقل قوميين اجتماعيين ووطنيين، وتزجّ بهم في معتقل «المية ومية»، أدى الرفيق فهد أبو عبسي قسم الانتماء في مرصد الجامعة الأميركية، بحضور الرفيق الدكتور فايز صايغ، طالب الفلسفة في حينه، والأمينين عادل يعقوب وعجاج المهتار.

بعد انتماء الأمين يعقوب والرفيق أبو عبسي، تتالت الانتماءات في بلدة شهدت حضوراً حزبياً مشعاً، فانتمى الأمين نواف حردان، والرفقاء فؤاد حنا، سالم صليبا، ميشال العدس، وبعد أيام: جرجي الغريب أبو علي ، نعمة الله حردان، سعد رزق، فايز متري، يوسف العدس، رجا ابو سمرة، ناظم العدس، وحليم حردان 1 .

وإن كان جميع الرفقاء المذكورين آنفاً قد فارقوا الحياة في المهجر أو في الوطن، فإن الرفيق ناظم العدس ما زال في صحة جيدة، يسير الكيلومترات يومياً، ويحتفظ بذاكرة قوية وذهن وقّاد.

باستثناء تولّيه مسؤولية مدير مديرية الحدث، عندما عمل في مؤسسة «راديو أوريان» 2 ، فإن الرفيق فهد لم يتولّ مسؤوليات حزبية، إلا أنه بقي طوال عمره مؤمناً بقضية الحزب، مجاهراً بها، عاملاً على نشرها في كل مكان استقر فيه.

شـعــره

أصدر الرفيق فهد أبو عبسي مؤلفين: «نشيد الإنشاد»، و«ملحمة جلجامش» التي صاغها كما نشيد الإنشاد شعراً، وكان يهيىء لصدور ديوانه «قربان القلوب» الذي يضم مجموعة من قصائده، عندما وافته المنية.

قبل ذلك كان منكباً على إنهاء «ملحمة سعادة»، إلا أن القدر لم يرحمه، فلم يدعه يحقق حلمه الكبير.

والجدير ذكره أن «نشيد الإنشاد» صدر لدى «دار أبعاد» عام 1984 و«ملحمة جلجامش» لدى «مكتبة بيسان» عام 2000.

نختار من قصائده الكثيرة، القصيدة الرائعة التي كان ألقاها في راشيا الفخار، لمناسبة نقل رفاة الأمين جورج معلوف 3 الى ضريح جديد، ليرقد الى جانب رفاة ابنه الشهيد الرفيق يوسف 4 .

طيّب الذكر يبقى خالداً أبداً

لا تـسأل القلب عن حال يواسيهِ، ولا جريح الأسى عما يعانيهِ

فقْدُ الأحبة مأساة ونازلة، خطب مريع، ولا خطب يضاهيه

قالوا: هوى النسر، قلت الصدر موطنه، والروح تحضنه والقلب يحميه

لكنّ لله في أحكامه وَطَراً والمرء ليس برادٍّ حُكْمَ باريه

فَغرَّب النجم خلف الأفق مرتحلاً ذكرى تعيش على أمجاد ماضيه

وغاب وجه الرضى، لم يبق منه سوى وماد صرح المعالي من رواسيه

وناحت الأرض واشتاقت مدلّلها مثل القطيع اذا ما غاب راعيه

وجئت أطلبُ لم أعثر على أحد، فرحت إسأل عنه في نواديه

سألت عنه صروح الكِبْرِ فانتفضت تخشى الفراغ وتشكو من خوافيه

سألت عنه سراة القوم فانذهلوا، لقد تخلّف عن لقيا محبيه؟!

سألت عنه قطوف الكرم فانتحبت، وأدْمُعُ الكرم فاضت من مآقيه

سألت عنه رفاق العمر، لم يجبوا، فبت في حيرة مما أنا فيه،

حتى إذا صورة عن كربنا وضحت شرقت بالدمع والآهات أبكيه

بكيت خلاً وفيّاً لا نظير له، في الود والصدق لا خلّ يجاريه

للحق كان نصيراً، لم يخف عدلاً، تقلد الخير في أسمى معانيه

وفي الحقول من الأغراس ملحمة تحكي الجمال وللأجيال ترويه

سماحة الخُلق بعضٌ من شمائله، ووقفة العز غيضٌ من مراميه،

والحلم والرفد مبغاه ومنيته، وأبن الحياة كبيرٌ في أمانيه

وجاء في الحلم يوصيني، ويسألني عن كل فرد وعن أحوال أهليه

قال ارثني بقصيدٍ، قلت: وا لهفي! من خال يوماً بأني سوف أرثيه

وصغت من مهجتي شعراً، ومن كبدي رثا وفاء تهادى مع قوافيه

رفيق عمري، وكان العمر مرتهناً بواجب ملزم جئنا نؤديه

فلا تلم طول حزني أن بدا وَهَناً فالجمر يمعن حرقاً حيث نُلقيه

يأتي الذميم ويقضي عمره وجلاً يجامل الدهر خوفاً من عواديه،

أما الكريم فلا حدٌّ لطاقته، عن عزمه إن نوى لا شيء يثنيه

يبني ويزرع مغبوطاً بلا كللِ لا الموت يرهبه، لا السقم يضنيه

كنت الكريم ولم تبخل بنافله، كنت الأبي تمادى في تساميه

صنت الأمانة، لم تطمع بجائزة، ومنهل البذل لا إغراء يغويه

وقفت عمرك إقداماً وتضحية، طرحت خبزك حتى في الأثاويه

مقدام، ذكرك حيّ، عاطر، أرج كنفحة الطيب أو عَبْق الأفاويه

وطيّبُ الذكر يبقى خالداً أبداً، حتى إذا مات طيب الذكر يحييه

بطاقة هوية

ولد الرفيق فهد سالم أبو عبسي في راشيا الفخار عام 1923.

والدته: رحمة عواد من راشيا الفخار.

متأهل من الرفيقة ناهية يعقوب أول رفيقة في راشيا الفخار وشقيقة الأمين عادل يعقوب عجيمي .

خريج المدرسة البطريركية الكاثوليكية في صيدا.

التحق بالجيش الفرنسي كجندي بحار، ثم انتقل للعمل في راديو أوريان، وعام 1954 باشر عمله في شركة التابلاين.

أولاده:

– الرفيق طارق: حائز على شهادة دكتوراه في التغذية وإدارة الفنادق.

– الرفيق سالم: مهندس ميكانيك.

– زياد: المخرج المسرحي والأستاذ الجامعي والحائز شهادة دكتوراه في الإخراج المسرحي.

– إلهام: الحائزة شهادة ماجستير في الإدارة التربوية.

– أشقاؤه:

– سعد، في البرازيل

– ناهية، متأهلة من بني العدس

– نديمة، متأهلة من الرفيق ناظم العدس

– ماري، متأهلة من شفيق بديوي والد الرفيقين أنطون وعبد الله

بحكم عمله في التابلاين انتقل الرفيق فهد وعائلته للإقامة في منطقة المية ومية صيدا .

وافته المنية في 06/01/2002، وفي كانون اول 2009 وافت المنية الرفيقة ناهية يعقوب، وقد صلّي على جثمانها في الكنيسة الإنجيلية في صيدا، ووريت الثرى في مدافن العائلة في راشيا الفخار.

كما كان شقيقها الأمين عادل يعقوب أول رفيق ينتمي الى الحزب في راشيا الفخار، فإن شقيقته الرفيقة ناهية هي بدورها أول رفيقة.

يفيد عنها شاعر «منتدى حرمون» المواطن الصديق عبود فضول، وكان تتلمذ طفلاً على يديها، إنها «كانت مدرّسة ابتدائية، في الشويفات وفي راشيا الفخار».

وكانت محدثة، لبقة، تتميز بالذكاء، بالحضور اللافت وبالشخصية القومية.

بعد رحيلها، أهدى الشاعر عبود فضول قصيدة «إلى معلمته الغالية التي غابت جسداً وبقيت روحاً وأحلاماً عذاباً، اخترنا منها الأبيات الآتية:

غابــت معلمتـي فالموت قد ظلم جرحٌ عميقٌ وهذا الجـرح ما التـأمَ

فَبَلسَـمُ القلب طيفٌ عاد يغمرنــا نوراً يبدّدُ عتـم الليل والظُّلَــــمَ

إن غابت الشمس عاد الصبح مبتسماً في الأرض بشـرى اذا ما نورها ابتسمَ

شمس الطبيعة كم تسمـو مشاعرها موتاً تحدَّثْ وعادت تمسح الألــم

تغـدو الحياة رجاءً حين نفهمهــا والموت يغدو سراباً بعـدما انهـزمَ

يا طيف أنت التي جاءت ببسمتها كالطفل عُدتُ وكفي تمسـك القلـم

قربي معلمتي في قولها عِبَـــرٌ في صوتها أملٌ كم قارب النغــمَ

إني مدينٌ لمنْ كانت معلمتــي منها عرفت معاني الخير والقيــمَ

منها عرفت نعيم الله في وطنـي وكيف أرفع في آفاقه العَلَـــــمَ

منها سمعت كلام الله أطربنـي حالاً عرفت جمال القول والحـكـم

إذا نسـيت فلن أنسى معلمتـي طيفاً أراها يحاكي الطيّب النسـمَ

الدكتور زياد أبو عبسي

برع ابنه زياد في المسرح، الى جانب تدريسه الجامعي. عنه هذا المقطع من مقال طويل في جريدة «الأخبار » بتاريخ 15/08/2011.

« ولد عام 1956 في صيدا، لعائلة أصلها من بلدة راشيا الفخار الجنوبية. كانت الطفولة هائنة». «كنا نتمشى كثيراً، ونقضي أمسيات ساحرة عند درج الكنيسة الإنجيلية على طريق المية ومية». تلميذ المدرسة الإنجيلية، كره الرياضيات، لكنه قرأ «أصل الأنواع» لداروين، و «جمهورية أفلاطون» وهو في الرابعة عشرة. كان يجمع «الخرجية»، ويستقل الباص من صيدا الى ساحة رياض الصلح في بيروت، حيث يشتري الكتب من بائع يراعيه في السعر لصغر سنه. في ذلك العمر اليافع، بدأت تتكوّن ميول الصبي. في موازاة القراءات الفلسفية، بدأ محاولاته التمثيلية الأولى في حضن «جمعية كشاف لبنان»، التي انتسب إليها.

حتى اليوم، لا تزال السهرات حول النار في المخيم حاضرة في ذاكرته ولم تفقد رونقها. «هي أحلى شيء في حياتي»، يقول.

الظروف هي التي أملت عليه خطواته الأكاديمية الأولى. عام 1974، التحق بقسم المحاسبة والإدارة في «الجامعة اللبنانية الأميركية» وكانت يومذاك تحمل اسم «كلّية بيروت للبنات»، لأن مجموعه في البكالوريا خوّله ذلك، ولأنه اختصاص سيتيح له إيجاد عمل بسهولة وكسب المال، لكن سنوات الأرقام والمحاسبة لم تمرّ من دون مسرح وتمثيل.

على مسرح الجامعة، تعرّف أبو عبسي الى أدباء وكتّاب، بينهم الأديبة اللبنانية الراحلة روز غريّب، التي

«يستحق نتاجها الأدبي المزيد من الدراسة». شارك في مسرحية من تأليفها عنوانها «فينيانوس بالضيعة».

نشاطه في المسرح الجامعي دفع بأستاذته صفيه سعادة عام 1977 الى اصطحابه للقاء الرحباني الإبن، الذي كان نجمه قد بدأ يلمع في تلك المرحلة.

ذلك اللقاء سيثمر تعاوناً طويل الأمد بينهما كانت أولى ثماره أداء ابو عبسي دور هارولد في «بالنسبة لبكرا شو» عام 1978. في العام نفسه، التحق أبو عبسي بقسم المسرح في الجامعة ذاتها. هناك، قام بتجربته الكتابية الأولى عام 1979، وكانت مسرحية «الشمع». اتخذ العمل منحى فلسفياً في طرح مبدأ التشكيك، حاملاً البذور الأولى لمشاغل أبو عبسي التي سترسم لاحقاً تخصصه في الفلسفة. «رغم أن طريقة زياد الرحباني تختلف عن طريقتي، استمتعت بالعمل معه انطلاقاً من التزامي مبدأ الولاء للكاتب»، يقول أبو عبسي، الذي شارك في جميع أعمال زياد الرحباني المسرحية منذ عام 1978: «فيلم اميركي طويل» 1980 ، «شيء فاشل» 1983 ، «بخصوص الكرامة والشعب العنيد» 1993 و «لولا فسحة الأمل» 1994 .

الى جانب تلك المشاركات، كانت له تجارب مسرحية مع مخرجين آخرين، مثل يعقوب الشدراوي في «جبران والقاعدة».

هوامش

1. والد كل من حضرة رئيس الحزب الأمين أسعد حردان، الرفيق الشهيد عزيز والرفيقين رامز وجريس.

2. تقع في منطقة خلدة الشويفات.

3. من سنديانات الحزب في راشيا الفخار. يحكى الكثير عن نضاله الحزبي ومواقفه.

4. سقط شهيداً في بلدة المتين عام 1976.

موسى مطلق ابراهيم

«أصيب الرفيق موسى مطلق إبراهيم بمرض تبين أنه سرطان في الحنجرة. ونقلت إليّ السيدة ليلى جدع تفاصيل حالته الصحية من الأطباء في الجامعة الأميركية، فوقفوا بين خيارين: إما عملية جراحية راديكالية يخسر معها صوته لكنها تخفف خطر عودة السرطان، أو المعالجة بالأشعة التي تحفظ له صوته لكنها تجعل خطر عودة السرطان أكبر، وطلبت إليّ أن نقرر أي أسلوب نتبع.

إستدعيت الرفيق موسى مطلق إبراهيم وشرحت له وضعه الصحي والخيارين المطروحين، فاستمع إليّ من دون أن يبدي أي نوع من أنواع الانفعال أو التهيّب، وكأنه يستمع إلى قصة لا تعنيه وأجابني بأعصاب هادئة إلى حد البرودة:

«أنت أمين وطبيب وأنت أقدر مني على القرار فأرجوك أن تقرر عني ولك الشكر». فأخبرته أني أفضل الجراحة. فقال: «لتكن الجراحة»، وانصرف، فأحسست داخلياً بنوع من التحدي لشجاعته، وتمنيت لو أنه أبدى بعض التأثر. بعد دقائق معدودات عاد إليّ ففرحت واعتقدت بأنني لا بد سأرى عليه الآن بعض علامات التأثر. وما إن وصل حتى قال: ولكن هذه العملية يا دكتور تكلف مالاً غير قليل، وأنا لا أملك منه شيئاً، فهل يجوز أن يصرف هذا المال على رفيق مثلي، بينما حاجات الحزب إليه أكثر وأهم؟ لقد أتيت أرجوك أن تصرف النظر عن موضوع معالجتي، وأنا أواجه قدري بأخلاق الرجال».

«فأحسست أيضاً أنه رد لي التحدي في المرة الثانية أكثر منه في الأولى، وفرضت عليه إجراء العملية. فأجريت وكانت ناجحة».

هذا ما أورده الأمين الدكتور عبدالله سعاده في مذكراته عن الرفيق الشاعر والكاتب الأمين موسى مطلق إبراهيم الذي خسرته النهضة بعد معاناة مع الداء العضال الذي كان امتد إلى رئتيه .

كنت من الذين تعرفوا إلى واقع الأمين موسى عندما كان في الأسر، ورافقت انتقاله إلى المستشفى فإجراء العملية له، بإشراف واهتمام مميزين عبرت فيهما السيدة ليلى جدع على حس إنساني متقدم، وعلى رفعة مناقب جعل الأمين موسى، لاحقاً، يهديها ديوانه الشعري الأول باسم «ليلى» عرفاناً منه لما صدر عنها حيال مرضه من اهتمام جدي ومسؤول .

جمعني بالأمين موسى مركز الحزب في الزلقا 1 فكنت ألتقيه يومياً، كما الأمين كامل حسان رئيساً لمجلس العمد ـ عميداً للداخلية، والرفيق خليل دياب عميداً للدفاع، والرفيق نبيل رياشي ناموساً مكلفاً في عمدة الدفاع . كان رئيس الحزب الأمين عبدالله سعاده قد اتخذ قراره بـ«مصادرتي» حزبياً وبتعييني رئيساً لمكتب عبر الحدود.

كان الأمين موسى يتولى ناموسية المركز ليس لجهة طباعة الصادرات والتعاميم، وسحب هذه على الستانسل فحسب، إنما التصحيح اللغوي لما يحرره المركزيون، وكانت «أم صلاح» 2 تهتم بالمطبخ ونظافة المكتب، وتبيت فيه، وإلى جانبها حفيدها الصبي.

واستمر الأمين موسى مسؤولاً عن الطباعة المركزية، واستمررت في المركز أتقلب في مسؤوليات متنوعة مع تنوع الأماكن 3 وصولاً إلى منطقة فردان حين انضمت الرفيقة وفاء حوراني ناموساً إلى مكتب الطباعة تغطي فترة بعد الظهر، فيما الأمين موسى يغطي ساعات الصباح حتى الظهيرة .

على مدى تلك السنوات كلها كانت تربطني بالأمين موسى علاقة مودة واحترام متبادلين، واستمر على تميزه المناقبي، وعلى تجسيده معنى القدوة، مستمراً أيضاً في إنكبابه على البحث والقراءة، وقد توقف عن قرض الشعر منصرفاً إلى الأبحاث التي صدرت لاحقاً في كتب ستشكل مرجعاً لكل باحث ومدقق .

وساءت صحة الأمين موسى، إنما لم تسؤ صحته النفسية، ولا عنفوانه ولا امتلاكه عزة النفس.

لطالما تمنيت عليه، بل رجوته، أن يتردد إلينا، أن يعتبرنا بيتاً له، فهو محط الكثير من الحب لدي، لدى عائلتي، فما كان يفعل، لم يكن يريد أن يزعج أحداً. كان يدرك واقعه الصحي وتراجع عافيته، فواجهه، كما في الأسر، بأخلاق الرجال .

كان يدرك أن السنين كلها التي فصلته عن عام 1958 عندما استشهد شقيقه الرفيق سعيد في إيعات، هي إضافات بالنسبة إليه، كما هي الإضافات التي امتدت منذ شارك في الثورة الإنقلابية وأسر، وخضع للتعذيب وكان يمكن أن يصفى وكذلك رفقاؤه الذين «هربوا» في الإعلام فيما إستشهدوا هم تحت التعذيب أو اغتيالاً .

الأمين موسى مطلق، الرفيق المقاتل، الأسير، الأمين، الشاعر، الباحث، عضو المجلس الأعلى، هو هو مهما تقلب في المسؤوليات ومهما ارتفع في حزبه، أو في الأدب والشعر والبحث والتأليف. وأختصر: كان قومياً إجتماعياً في أفعاله وأقواله وممارساته كافة.

ولد الأمين موسى مطلق إبراهيم في بلدة «شَعَبْ» قضاء عكا عام 1929، قاتل في فلسطين ونزح مع أهله عام 1948 الى بعلبك مستقرّاً في مخيم أنشئ للنازحين من الجنوب السوري باسم «مخيم الجليل» .

إنتمى إلى الحزب عام 1952، مؤسساً فرعاً له في مخيم الجليل.

تولى مسؤولية ناظر تدريب في منفذية بعلبك، وقاتل في حوادث 1958 .

شارك في الثورة الإنقلابية 31/12/1961 وأسر، ليخرج مع العفو في شباط 1969.

أصيب في السجن بداء السرطان وخسر صوته.

تولى في الحزب مسؤوليات مركزية، منح رتبة الأمانة وانتخب عضواً في المجلس الأعلى في أكثر من دورة.

انكب على المطالعة بشغف كبير، أصدر ديوانين شعريين «ليلى» و«يعنين»، ومؤلفيْن قيّمين كانا ثمرة سنوات من البحث والتنقيب: «شَعَبْ» و«وعد التوراة» .

وفاته

وافت المنية الأمين موسى مطلق بعد صراع مرير وبطولي مع الداء، فشيعه حزبه بمأتم مهيب يوم السبت 18 تشرين أول 2003 .

تقدم موكب التشييع نائب رئيس الحزب الأمين محمود عبد الخالق وعميد الإذاعة والإعلام الأمين توفيق مهنا ومنفذ عام الضاحية الرفيق وهيب وهبي وعدد من المسؤولين الحزبيين، إضافة إلى فعاليات مخيم برج البراجنة وجمع غفير من القوميين والمواطنين. وقد ووري في الثرى في مقبرة الشهداء في شاتيلا .

يوم الأربعاء 22 تشرين أول 2003 تقبلت قيادة الحزب وعائلة الأمين الراحل التعازي بوفاته في مركز الحزب، الروشة. ويوم الأحد 9 تشرين الثاني 2003، أقامت منفذية المتن الجنوبي احتفالاً تأبينياً في قاعة المركز العربي في مخيم برج البراجنة، وكانت كلمات لكل من الفصائل الفلسطينية، مركز الحزب، أهل الفقيد، إلى قصيدة رثاء.

شـَــعَـبْ

من مقدمة مؤلفه «شعب» ننقل الآتي:

«شعّب، قرية جليلية، تقع على بعد عشرة أميال الى الشرق من عكا، في نقطة تنفرج عندها الجبال عن وادي الحلزون انفراجة واسعة ملأتها الأجيال المتعاقبة بغابات الزيتون الخضراء تحف بها من الشرق والشمال والغرب. وهي تتكئ على سفح الجدار الجنوبي لذلك الوادي القادم إليها من الشرق بين جدارين من جبال تتقارب في ما بينها حتى لا تترك متسعاً إلاّ لمجرى السيل المنهمر من سفوح تلك الجبال وشلالاتها متجهاً إلى الغرب بين غابات الزيتون المترامية على امتداد النظر.

هناك، في تلك القرية الوادعة، ألقت بي الحياة في أحضان الدنيا، فدرجت، أول ما تعلمت المشي على راحتي ترابها الحميم. وسبحت، أول ما تعلمت السباحة في غدران واديها الأخضر. ولم تكن تلك الدنيا التي ألقت بي الحياة إليها تحمل لي، ولا لجيلي، أدنى مشاعر الأمومة، فالدنيا في شعب، وفي كل البلاد التي تنتمي اليها شعب، لم تكن أماً لأبنائها منذ أجيال وأجيال.

كانت الدنيا التي يقولون عنها إنها أم، أمرأة عاقراً لم تعرف للأمومة طعماً ولا معنى، فكانت أسوأ حاضن لأبناء رجل أدار لها ظهره حتى الغيبوبة، وترك ابواب بيته مفتوحة على مصاريعها للشهوات والأطماع، فجاست خلاله تعبث به على هواها، من دون ما حسيب ولا رقيب.

نسف الفاتحون الإنكليز قريتي في سنوات طفولتي الأولى، واغتصبها المستوطنون اليهود من بعد ذلك، ونفضت خالتنا الدنيا حرجها من أبناء لا يحملون لها همّاً ولا تحمل عنهم مسؤولية، فإذا نحن على فوهة الريح، والريح صفير مجنون.

يلجأ الإنسان الى أيام الطفولة مثلما يلجأ من لهب الهاجرة الى برد الظلال. وهكذا كنت ألجأ الى أيام الطفولة كلما لفحتني هواجر الأيام أو كلما أصابتني ضربة شمس تسوطني بها، أنا وجيلي، يد العوادي.

في شعب، كان هناك رموز ثلاثة، تحمل في معانيها روح تاريخ طويل لأجيال لا تعد ولا تحصى، ذهبت كلها جيلاً بعد آخر، وأبحر الأقدم منها على اشرعة من الصمت في محيط النسيان. فعلى مدخل شعب الشرقي تقوم كنيسة مهجورة، والى الشمال الغربي منها في الحارة الشرقية من شعب، أطلال جامع متهدم، أما على المدخل الغربي فهناك عبهرة ضخمة تنتصب الى جوار العين، ممدودة أغصانها فوق الطريق، كأنها ملاك عملاق شرع صدره وفتح ذراعيه يبارك العابرين».

لا تورد الموسوعة الفلسطينية بنداً خاصاً عن شعب، إنما يرد اسمها في ثلاثة مواقع:

في المجلد الاول، الصفحة 348

أصدر وزير الداخلية الإسرائيلي بتاريخ 07/10/1982 قراراً يقضي بمصادرة نحو 150 ألف دونم من أراضي 17 قرية هي …. ويرد اسم شعب

في المجلد الثاني، الصفحة 970

سكان لواء عكا بحسب قوائم 1886 في أقضيته الخمسة: عكا، حيفا، الناصرة، طبرية، وصفد.

وفي لائحة عدد السكان الذكور سن 16-60 يرد الرقم التالي أمام قرية شعب :

269 مسلمون

17 روم أرثوذكس

عدد السكان 1430

في المجلد الثالث ص69

عن مدارس قضاء عكا

في الفترة 1942 1943 بلغ عدد المدارس 30 مدرسة كان الصف السادس الابتدائي أعلى الصفوف في قرى البصة وبنات ترشيحا والزيب وشعب.

هوامش

1. بعد الخروج من الأسر، استقر الأمين الدكتور عبدالله سعادة في شارع سامي الصلح منطقة بدارو، حيث كان منزله مركزاً للحزب الى أن تمّ استئجار طابق في إحدى البنايات في منطقة الزلقا.

2. والده الرفيق صلاح قهوجي ، الذي كان شارك في الثورة الانقلابية وخرج مع العفو. غادر الى ديترويت وفيها وافته المنية.

3. بعد الزلقا انتقل مركز الحزب الى سد البوشرية، ثم الى منطقة الحمراء نزلة البيكاديللي فإلى جل الديب حيث اشترى مبنى وقطعة أرض.

عند اندلاع الحرب اللبنانية واضطرار الرفقاء الى مغادرة جل الديب وغيرها من المناطق التي وقعت تحت هيمنة القوى الانعزالية، وكان الحزب قد انقسم، انتقل المركز الى مكانين، كليمنصو وفردان.

4. نوع من الشجر

رئيس لجنة تاريخ الحزب

الشهيدان القوميّان عباس حماد ومحمد كساب الزعبي

ل.ن

الاسم الكامل: عباس حماد

مكان وتاريخ الولادة: طبريا 1918

تاريخ ومكان الانتماء: 21 تموز 1949 لم يكن منتمياً بل سار مع رفقائه القوميين الى أن أقسم اليمين عند استشهاده.

نبذة عن حياته

يحمل شهادة المتريكوليشن

كان من أبطال الاعمال الحربية في فلسطين، كان ضابط كومندوس في فرق جيش الإنقاذ في الجليل.

اعتقل في مشغرة حيث كان يعمل تحت قيادة الرفيق الصدر الشهيد عساف كرم وأدى القسم الحزبي في سجن الرمل.

خاض المعركة الى جانب القوميين الاجتماعيين لاقتناعه بصحة مبادئهم ونبل مقاصدهم وسموّها. انبرى يقول وهو في السجن: «لقد أتم الزعيم رسالته وختمها بدمه. ألا تباركت الرسالة وتمجد الزعيم. قريباً ونلحق به الى عالم الخلود. ولكن يا اصدقائي. أنا لم أنتمِ الحزب بعد فأرجوك يا محمد شلبي بصفتك مديراً مسؤولاً لمديرية نبوخذ نصر في دمشق. أن تسمح لي بأداء القسم الدستوري لأني أريد أن أموت سورياً قومياً اجتماعياً فأقابل الموت مطمئن الضمير وأعدّ في المستقبل في عداد الشهداء القوميين الاجتماعيين السعداء».

من أقواله: «لم ولن أرهب الموت… إنما أريد أن أموت قومياً..».

كان المواطن عباس حماد قد التحق بصفوف الثورة من دون أن يقسم يمين الولاء للحركة فقام الشهيد أديب الجدع بهذه المهمة بينما خيل لرجال الأمن أن القانون لا يسمح بمثل هذه الممارسات، لكن الرفقاء مضوا في حفلة القسم على مرأى ومسمع منهم وهم في الشاحنة في طريقهم الى تنفيذ حكم الإعدام .

نقلاً عن الجزء الأول من «الخالدون» .

هوامش

– شقيقه الرفيق سعيد استشهد اغتيالاً بُعيد الثورة الانقلابية فيما كان موقوفاً في ثكنة الحلو شارع مار الياس- المصيطبة .

– شقيقه الآخر عبد الهادي، عمل في حقل الإعلام في الأردن، وكان صحافياً معروفاً.

– وزّع سعاده الرتب العسكرية بحسب أقسام الجسد الصدر، العضد، الساعد إلخ… ، وسنأتي على ذكرها في وقت لاحق.

رفقاء حوران الذين كان لهم دورهم في مواجهة الفرنسيين عام 1945، وفي نكبة الجنوب السوري عام 1948 كان لهم دورهم أيضاً في الثورة القومية الاجتماعية الأولى.

عنهم قال الشهيد الصدر عساف كرم، كما يفيد الأمين رجا المسالمة، إن قيادة الحزب أعلمتني أن بإمكانك أن تعتبر رفقاء درعا الستة ستين.

فإلى الأردن توجه الرفقاء ميشال الديك، محمد مطلق الكراد، رجا المسالمة، أيوب الشيخاني، زيدان المسالمة ويوسف المسالمة لشراء الأسلحة، ثم نقلوها إلى درعا على ضهور الخيل قبل أن يرسلوها إلى لبنان بواسطة سيارات الشرطة العسكرية .

أثناء نقل الأسلحة من الأردن، وقع الرفيق ميشال الديك عن ظهر الفرس فكسرت قدمه، ما أخّره عن الالتحاق برفقائه الذين تطوّعوا للمشاركة في الثورة :

رجا المسالمة الأمين لاحقاً 1 ، زيدان المسالمة، يوسف الخالد المسالمة، صبحي محمد سعيد الخضري، محمد كساب الزعبي ومحمد إبراهيم حوراني .

الرفيق زيدان المسالمة اضطر إلى العودة بعدما فاجأه المرض، بينما التحق رفقاؤه بالثورة وكانوا في الفرقة التي قادها الرفيق الصدر عساف كرم، والتي خاضت المعركة في سهل مشغرة التي استشهد فيها الرفيق الصدر عساف كرم واعتقل الرفقاء المشاركون وبينهم المذكورون أعلاه، فيما تمكن الرفيقان محمد الزعبي ومحمد شلبي من الإفلات من طوق الجيش اللبناني والوصول إلى قرية قليا، فما كان من مختارها سالم الحاج إلا أن أفشى أمرهما إلى السلطة، فتم اعتقالهما.

حكم على الرفيق محمد كساب الزعبي بالإعدام، أما الرفقاء الآخرون من منطقة درعا الأمين رجا المسالمة، يوسف المسالمة، صبحي الخضري، محمد حوراني فحكم عليهم بالسجن أربع سنوات، باستثناء الرفيق محمد إبراهيم حوراني الذي كان نصيبه من «عدالة الذئب» سبع سنوات.

واجه الرفيق الشهيد محمد الزعبي الموت بجرأة نادرة، فقد قال لرفقائه: «لا أريد دموعاً وبكاء، البكاء ليس لنا بل للجبناء».

ولد الرفيق الشهيد محمد كساب الزعبي في قرية الشيخ مسكين حوران عام 1927 وفيها عاش طفولته حتى وفاة والده كساب، فعادت به والدته السيدة هبة، إلى ذويها في قرية «خربة غزالة« 2 . لقد كان وحيداً لوالديه، ليس له أخوة ولا أخوات ولا أقارب عصبة، سوى خاله حسن الزعبي الذي كان الرفيق محمد يحترمه كوالده، وكان خاله بدوره يعطف عليه كولد من أولاده .

التحق الرفيق محمد بالجيش العربي الأردني الذي شكله عاهل الأردن الملك عبدالله، وحصل على رتبة وكيل ضابط في الفرسان وخاض مع عناصر الجيش المذكور معركة القدس عام 1948 .

بعد النكبة عاد إلى خربة غزالة حيث انتمى إلى الحزب، وبعد فترة تولى مسؤولية مدرب في مديرية الواجب. وفي تلك الفترة خطب ابنة خاله حسن الزعبي.

الرفيق خليل الحوراني الذي كان شاهداً على قسم الرفيق محمد كساب الزعب ، ومتولياً مسؤولية مدير مديرية الواجب يفيد عن الرفيق الشهيد أنه كان بطلاً مقداماً، مستعداً للتضحية في سبيل النهضة. كان يتمتع بالمناقب، صادقاً في انتمائه، نشيطاً ومندفعاً.

ويضيف أن الرفيق الزعبي وصل في دراسته إلى المرحلة الثانوية، وأنه عين وكيل ضابط في فرقة الفرسان في الجيش العربي الأردني .

هوامش

1. يفيد الأمين الجزيل الإحترام عبدالله نصرالله أن الأمين رجا المسالمة أبلى في المعركة البلاء الحسن، وكان من أشد الرفقاء شجاعة وإقداماً أثناء المعركة، إذ كان إلى جانب الشهيد الصدر عساف كرم ساعة استشهاده .

ويضيف أن الأمين رجا روى له أنه كان شديد الإعجاب بالشهيد عساف كرم وببطولته وشجاعته ولما لمسه به أثناء المعركة من صفات القائد الفذ. وقد سمى ابنه البكر «عساف» تيّمناً بالشهيد عساف كرم.

2. يفيد الرفيق خليل حوراني أن قرية «خربة غزالة» عرفت الحزب منذ أوائل أربعينات القرن الماضي بعدما انتمى الرفيق خضر النقاوة في دار الرفيق إسماعيل الشرع في درعا، وما لبثت أن شهدت نمواً استثنائياً إذ تأسست ثلاث مديريات باتت تضم أكثر من مئة رفيق، وهي الآتية:

مديرية النهضة تولاها الرفيق حسان اليوسف.

مديرية الواجب تولاها الرفيق خليل إبراهيم الحوراني.

مديرية سعاده تولاها الرفيق خضر النقاوة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى