عون رئيساً…
يوسف المصري
الفكرة ولدت اول ما ولدت ليس في رأس الجنرال ميشال عون، رغم انّ الأخير هو مرشح طبيعي لرئاسة الجمهورية لكونه صاحب الأغلبية النيابية المسيحية وقطباً متقدّماً داخل نادي المرشحين الموارنة. وللغرابة أنّ فكرة الإتيان بعون رئيساً للجمهورية، خطرت عملياً ومنذ وقت مبكّر من العام 2010 في رأس جيفري فيلتمان الذي كان سفيراً لأميركا في لبنان ولاحقاً مسؤولاً كبيراً في الخارجية الأميركية يتنقل من منصب لمنصب، وصولاً إلى مسؤوليته الحالية في الأمم المتحدة.
قبل ذلك فإنّ فيلتمان الى كونه مسؤولاً أميركياً، فهو أيضاً خبير بأوضاع لبنان وعارف بأدقّ التفاصيل، لا سيما بشخصيات 14 آذار وأيضاً جرّب الساحة اللبنانية فاختبرها، وعايش قادة 14 آذار وكان بينهم النائب وليد جنبلاط.
وعندما وصل الرئيس نجيب ميقاتي إلى السراي الحكومي وكانت 14 آذار لا تزال لا تصدّق ما ترى أعينها، وصل فيلتمان الى بيروت، وكان آنذاك قد ترك لبنان كسفير.
وتداعى الى بيت الوسط وفد كبير من قادة 14 آذار برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة للاجتماع به، وتقديم تظلّمهم إليه.
سألوه بلسان واحد: أيُعقل أن تسمح واشنطن بانقلاب 8 آذار على الرئيس سعد الحريري؟ أيُعقل أن يغتصب رئاسة الحكومة بدلاً عنه نجيب ميقاتي؟ أين أميركا ولماذا لا تساعدنا على استعادة قصر السراي الحكومي؟
ردّ فيلتمان ببرودة: «لو افترضنا أنكم عدتم إلى السلطة فماذا يمكنكم أن تقدّموا كخدمة لأهدافنا بأكثر مما يقدّمه ميقاتي؟» بكلام آخر – أضاف فيلتمان: ماذا يمكنكم أن تفعلوا أكثر مما يفعله ميقاتي.
ثم استدرك، وكأنّ فكرة لماحة خطرت في باله فقال: أنا أعتقد أنه يجب عليكم القبول بالواقع الحالي والانتظار. ولكن في هذا الوقت الأجدى والمفيد أن تفعلوا شيئاً واحداً!
أيضاً ردّ الحاضرون بصوت واحد وبلهفة فاقدي السلطة: ما هو؟
أجاب فيلتمان: أن تحاولوا استمالة الجنرال ميشال عون الى صفكم… إلى مكان قريب من 14 آذار. قد لا يكون ممكناً إحداث شرخ كبير في العلاقة بينه وبين حزب الله. ولكن يكفي جعله في مكان ما في الوسط، لو فعلتم ذلك لأمكن القول إنكم حققتم إنجازاً كبيراً…
صمت الجميع وسط ذهولهم. اعترضوا على الفكرة. قال وزير مسيحي كان حاضراً: هل تطلب منا مكافأة عون؟
أجاب فيلتمان: لمَ لا…؟ إذا اقترب منا علينا أن نقترب منه ونكافئه.
منذ تلك المحادثة سادت داخل أجواء 14 آذار قناعة بأنّ عون من وجهة نظر فيلتمان هو الرئيس الأجدى للجمهورية، فقط فيما لو اقترب من نقطة وسطية.
وعليه، فإنّ الحوار الذي حصل بعد نحو خمس سنوات بين عون والحريري، لم يكن من دون خلفية من وجهة نظر الأخير…
بكلام آخر، فإنه حينما انفتح الحريري على مبدأ ترشح عون للرئاسة، لم يكن في خلفية تفكيره قد نسي نصيحة فيلتمان، ولا أيضاً آراء داخل 14 آذار كانت تقول إنّ مجيء عون للرئاسة قد يكسر «الستاتيكو» الجامد والآسن، وقد يدخل البلد في اصطفافات سياسية منتجة ولا يبقى في مناخ اصطفافات التعطيل العقيمة.
خلال الإطلالة التلفزيونية الأخيرة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، استعرض خلال كلامه عن وسطية عون، انّ 14 آذار راهنت في فترة على انّ المجيء به إلى قصر بعبدا، قد يؤسّس لخلاف بينه وبين حزب الله. وعليه قال هؤلاء المراهنون: لماذا لا نجرّب !؟ . وأضاف: يوضح هذا الرهان انّ عون ليس طرفاً بل وسطياً… وذكّر السيد نصرالله بأن عون والحزب ليسا «فوتوكوبي» عن بعضهما البعض، وانه بيننا تباينات مثلما انه بيننا تفاهمات وتوافقات عميقة.
قصارى القول في هذا المجال إنّ «وسطية عون» لا خلاف عليها من أميركا فيلتمان حتى حزب الله نصرالله. والوسطية المقصودة هنا، ليست اللهاث وراء مواقف المتناقضين، بل الحسم بينها لمصلحة الوطن. وهذه صفة كان رأى فيها حتى فيلتمان ذات يوم أنها ميزة الرئيس القوي.