سلامة: ثروة لبنان البشرية مكّنته من الاستمرار والتطور
رأى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن»التعليم العالي ضروري للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في كلّ بلد»، لافتاً إلى «أنّ عدد البلدان التي ترى فيه أساساً لازدهار الفرد وللأمن الاقتصادي ولاستدامة الديمقراطية يتزايد».
وأشار سلامة في كلمة حول «تمويل التعليم في اقتصاد عالمي» ألقاها خلال ندوة نظمها المجلس التنفيذي لمنظمة «يونيسكو» إلى «ارتفاع مخصصات التعليم العالي في موازنات العالم العربي، وخصوصاً في السنوات العشر الأواخر، وبات عدد كبير من هذه البلدان يلجأ إلى تنويع مصادر التمويل عبر شراكة مع القطاع الخاص والخدمات الاستشارية والبحوث والتقديمات وما شابه ذلك»، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنّ «التمويل يبقى من أكبر التحديات في الدول العربية».
وعن النموذج اللبناني، قال: «في السنوات العشرين الماضية، أثبت القطاع المصرفي أنه محرك الاقتصاد اللبناني. وبموازاة ذلك، لعب التعليم دوراً أساسياً في عملية النمو والتنمية، لا شك في أنّ الثقة التي اكتسبها القطاع النقدي والمصرفي اللبناني تعود إلى استقرار معدلات الصرف والفائدة، واحتياطي لبنان القياسي من العملات الأجنبية والذهب، ومعدلات السيولة والملاءة المطابقة للمعايير الدولية، وتعود أيضاً إلى نوعية المعرفة والرأسمال البشري في لبنان .. لطالما كانت بيروت مركزاً تعليمياً هاماً في المنطقة ومقصداً للطلاب الأجانب. لبنان معروف كمصدر رأسمال بشري موهوب يهاجر إلى البلدان المجاورة فيساهم في تطورها».
وأضاف سلامة: «إدراكاً منه لأهمية التعليم والتدريب المتواصل، وبما أنّ أحد مهمّاته الرئيسية هي الحفاظ على الاقتصاد اللبناني، سعى مصرف لبنان دوماً إلى المساهمة قدر المستطاع في تطوير الرأسمال البشري اللبناني، فبذل الجهود اللازمة لكي يوظف القطاع المصرفي الأشخاص المؤهلين، من خلال المطالبة بشهادات معترف بها دولياً واستحداث شهادات محدّدة تتعلق بالمسائل النقدية والمصرفية، كما أنشأ نظاماً للتدريب المتواصل وبناء القدرات، عبر مديرية الإعداد والتدريب التي تؤمن دورات تدريبية مختلفة لموظفي البنك المركزي والقطاع المصرفي والقطاع العام»، مشيراً إلى أنّ مصرف لبنان أعدّ دورات تدريبية صيفية لكوادر أجنبية وفتح أبوابه أمام تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، تناولت موضوع التثقيف المالي وعرضت السياسة النقدية اللبنانية وسير العمل في مختلف مديريات مصرف لبنان».
وتابع: «لقد أصدر مصرف لبنان تعميماً يحثّ المصارف على الاستثمار في قطاع اقتصاد المعرفة، مشجعاً بالتالي الابتكار والإبداع من خلال تخصيص أكثر من 400 مليون دولار لقطاع اقتصاد المعرفة. وقام أيضاً بدور ريادي في مجال المسؤولية الاجتماعية إذ دعم أنشطة ترفيهية استهدفت المجتمع مثل الرياضة والثقافة، وشجع المصارف على المشاركة في مثل هذه المبادرات وملء الفراغ الذي خلفته الحكومة بسبب نقص الموارد المالية. في لبنان، تصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 140 في المئة، وهي من بين أعلى النسب في العالم، غير أنّ السيولة المتاحة في الأسواق المحلية مرتفعة بفضل الدياسبورا اللبنانية وفعالية القطاع المصرفي. كما أنّ مجموع الودائع في لبنان يشكل 3.5 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، يبتكر مصرف لبنان الحوافز لتخصيص قسم من هذه السيولة للتعليم والمبادرات الاجتماعية».
واعتبر أنّ «الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها السلبية أظهرت أهمية إصلاح الأنظمة القائمة من أجل حماية المستهلك من الناحية المالية. وفي هذا الإطار، أنشأ مصرف لبنان وحدة حماية المستهلك التابعة للجنة الرقابة على المصارف، لا لتلقي الشكاوى، بل لضمان فعالية الأنظمة الموجودة والرأسمال البشري في المصارف اللبنانية والتعامل مع العملاء بشفافية وإنصاف. في شباط 2015، أصدر مصرف لبنان تعميما يطلب فيه من المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان، تثقيف العملاء وإطلاعهم بوضوح ودقة على حقوقهم والشروط والمنافع والمخاطر المتعلقة بكلّ منتج أو خدمة. وفي هذا السياق، يقوم مصرف لبنان بدور ملحوظ من خلال الكتيبات التي ينشرها ويحدثها بانتظام على موقعه الإلكتروني والتي تلخص دور البنك المركزي ومختلف الجهات المعنية بالنظام المصرفي والمالي وتعرف الجمهور على تعاميم مصرف لبنان فتشرح للمستهلكين حقوقهم وواجباتهم المالية بشكل مبسط».
وختم: «لبنان بلد صغير يفتقر إلى الموارد الطبيعية، لكنّ ثروته البشرية مكنته من الاستمرار والتطور وصون كرامته، بالرغم من عدم الاستقرار السياسي والأمني. لكنّ قوتنا تكمن في التعليم. وكل أسرة لبنانية تخصص جزءاً كبيراً من مدخولها السنوي للتعليم المتعدد اللغات، وبعدها يقوم الطالب الجامعي المزود بهذه الخلفية التربوية بالهجرة والاندماج في بلد جديد، إنما مع المحافظة على علاقاته مع بلده وأسرته، خصوصاً إن كان يعمل في بلد عربي أو أفريقي. كما تشكل تحويلات اللبنانيين في الخارج 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي أي 80 مليار دولار 60 في المئة منها مصدرها العالم العربي و 30 في المئة أفريقيا. من هنا، نرى أنّ لبنان يشكل مثال التعاون بين التعليم والاقتصاد»، ودعا إلى ضرورة تعبئة جهود الدولة والبنك المركزي والقطاع الخاص للمحافظة على هذا الزخم».