الاحتلال «الإسرائيلي» وغبار المنطقة
منذ أن انتشرت تقارير أمنية تتحدّث عن نيات روسية بالدخول إلى سورية للمشاركة المباشرة في العمليات العسكرية الجوية عبّرت الولايات المتحدة الأميركية عن قلقها، على لسان وزير خارجيتها جون كيري من التقارير المسرّبة، إذا «كانت صحيحة» كما قال عنها حينها… وإذ بها تترجم واقعاً على الأرض السورية فباتت واشنطن أمام معضلة حقيقية تواجه فيها المنطقة بما هو آتٍ من تحرك عسكري سيؤكد فشل تكتيكها بمكافحة الإرهاب عبر التحالف الدولي عدا عن حسابات أكبر وأعمق تعرفها واشنطن بمجرد دخول اللاعب الروسي إلى المنطقة، وهي التي دخلت أراضي الخليج بقواعد عسكرية كرّست نفوذها لسنوات هناك، أيّ انها تدرك اليوم انّ هناك استراتيجية طويلة الأمد تنوي موسكو خوضها.
«إسرائيل» من جهتها عبّرت عن قلقها الكبير من القدوم الروسي الى سورية، وهي التي تعيش عزلة دولية كبرى ولا يبدو أنها تتقدّم كلاعب أساسي بأي تسوية في المنطقة، وبالتالي فإنّ المسعى «الإسرائيلي» هو تحريك المياه الراكدة للدخول على خط التسويات التي يمكن أن تستفيد منها كفرصة وحيدة مقبلة حتى برز التصعيد في ملف المسجد الأقصى تزامناً مع كلّ هذه الأحداث.
تصعّد «إسرائيل» اليوم في الأراضي المحتلة فيما يتخوّف محللون «إسرائيليون» من مغبّة تحويل الأنظار من اشتباكات اعتيادية بين المستوطنين والفلسطينيين الى حرب دينية حقيقية، خصوصاً أنّ الاشتباك وقع على خلفية رموز دينية، وبالتالي فإنّ هذا التصعيد معروف الاتجاهات والتقديرات بالنسبة للمتابعين من الجانب «الإسرائيلي»، ويبدو أنّ المستوطنين المتطرفين بدورهم أكدوا هذا الغضب المكرّس في نفوسهم بعد تدحرجهم نحو الخطوط الحمر من دون أي حسابات.
نتنياهو الذي يبدو غير قادر على شنّ حروب تدخله التسويات يدرك أنّ روسيا التي قدمت الى المنطقة ستصبح القوة الوحيدة القادرة على الحلّ والربط، وبتنسيق أميركي إسرائيلي مزدوج أخذت العيون تنصبّ نحو الأراضي المحتلة باستراتيجية الغبار التي يطلقها الأميركي دائماً، وإذا كان لما يجري في الأراضي المحتلة من إيجابية بالنسبة إلى «الإسرائيليين» والأميركيين، فإنها تلك التي توضع في إطار الافتعال المقصود للأزمة بين المتطرفين لأخذ الأنظار ونشر الغبار وتخفيف وطأة الدخول الروسي الى سورية، وهذا الذي لن يكون تكتيكاً موفقاً لأنّ «إسرائيل» غير قادرة اصلاً على إطالة أمد الأزمة.
وإذا كانت «إسرائيل» قد افتعلت التصعيد لهدفين أساسيين أولهما إيجاد ثغرة تدخلها في التسويات الكبرى، في محاولة للاستحصال على معاهدات تضمن أمنها، وثانيهما نشر الغبار بالاتفاق مع الأميركي في المنطقة بعد دخول الروس عسكرياً الى سورية، وهو أخطر الأحداث معنوية عند الأميركيين و«الإسرائيليين»، فإنّ تل أبيب غير القادرة على خوض حرب باتت تنتظر اليوم قلقاً جرّت نفسها إليه بعد استفزاز الفلسطينيين وحركات المقاومة، وأبرزها «الجهاد الإسلامي»، ومن غير المعروف اليوم ما إذا كان هناك من هو قادر على إيقاف أمل جديد بانتفاضة ثالثة…
«إسرائيل» فتحت النار وكثفت الغبار من دون أن تعرف طريقاً للعودة…
«توب نيوز»