الاستحقاق الرئاسي خيوط متشابكة والمعنيّون بحياكته كثر التمديد في خبر كان… والناخب الخارجيّ أقوى من الداخليّ

شادي جواد

تشهد الصالونات السياسية حالة من الإرباك الشديد لندرة المعلومات والمعطيات حول الاستحقاق الرئاسي الذي دخل باكراً مدار الضبابية والغموض، في ضوء الانشغالات الإقليمية والدولية عن لبنان، وفي ظل كثرة الخيارات وقلة التفاهمات على المستوى الداخلي بالنسبة إلى شخص الرئيس.


نظراً إلى الفترة التي تفصلنا عن الحد الأقصى لموعد الانتخابات الرئاسية بحسب الدستور، فإن أي حراك سياسي جدي لم يحصل إلى الآن، باستثناء المبادرة الذاتية التي قام بها رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر تأليف لجنة نيابية تستمزج الآراء السياسية حول هذا الاستحقاق، فيمحّصها ويجوجلها ويحدد رياحها قبل تحديد موعد جلسة الانتخاب، كي لا يقع في المحظور نفسه الذي وقع فيه قبل انتخاب الرئيس ميشال سليمان عبر تسوية مؤتمر الدوحة، إذ كان دعا قبل ذلك إلى نحو عشرين جلسة للانتخاب ولم يكتمل النصاب بفعل الانشطار السياسي الذي كان قائماً بين الأفرقاء السياسيين.

إذا كان جميع العاملين في الحقل السياسي لا ينفون أن مسألة انتخاب الرئيس منذ الاستقلال كانت تخضع عامة لاعتبارات إقليمية ودولية قبل العوامل الداخلية أو توازياً معها، فإن هؤلاء يرون المرحلة الراهنة مختلفة تماماً عن المراحل السابقة، وإن كانت تبرز مؤشرات بين الحين والآخر على لسان هذا السفير الأجنبي أو ذاك تؤكد الحرص الدولي على إجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده ورفض وقوع لبنان في الفراغ، فثمة زحمة مرشحين في مقابل قلّة تفاهم على خوض غمار هذا الاستحقاق بعيداً عن التجاذبات المتحكمة في الساحة السياسية منذ سنوات.

ترى مصادر مطلعة أن التمديد للرئيس الحالي لا مكان له في التداول، وأن المسؤولين اللبنانيين وضعوا في هذه الأجواء بعدما فشلت المملكة العربية السعودية وفرنسا في تسويق هذا الخيار لدى الولايات المتحدة الأميركية التي أتى ردها حاسماً بضرورة الحفاظ على الاستحقاقات الدستورية في لبنان، ومعرفتها اليقينية بأن مثل هذا التوجه غير مقبول لدى فئات واسعة من القوى السياسية اللبنانية. كما تعتبر هذه المصادر أن مقاربة الاستحقاق لن تكون سهلة لأن خيوطه متشابكة، والمعنية بحياكة الاستحقاق أطراف متعددة، وفي الوقت نفسه تفترق الخيارات، ما يجعل معركة الانتخابات الرئاسية قاسية جداً وتستلزم برودة أعصاب وعدم تسرع في الذهاب في أي اتجاه قبل أن تكون الصورة مكتملة وواضحة المعالم على الأقل، خاصة أن قواعد اللعبة معروفة من الجميع وغالباً ما تخضع للتسويات والمساومات ودفع الأثمان، إن في لبنان أو في خارجه.

في تقدير المصادر أن عدم نجاح الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال زيارته السعودية في فتح كوة في جدار الأزمة المتفاقمة بين واشنطن والمملكة، على خلفية التعامل مع المشهد الإقليمي، يجعل السعودية ومعها فرنسا لاعبين غير فاعلين في الحلبة الرئاسية في لبنان، فالنفوذ الأميركي هو الأقوى في المنطقة وهذا يعني أن واشنطن مجبرة على التواصل مع إيران التي بات لها وزنها في قضايا المنطقة ليعبر الاستحقاق الرئاسي في لبنان، وفي معالجة الكثير من الملفات المفتوحة في الشرق الأوسط، وأن فترة المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية حول الملف النووي ستكون مناسبة لفتح نوافذ على بعض الملفات في المنطقة. أما على المستوى الداخلي فإن المصادر ترى أن هامش تحرك لجنة التواصل التي كلفها الرئيس بري ليس واسعاً وقد تنتهي من مهمتها في نهاية هذا الأسبوع تمهيداً لرفع تقريرها النهائي إلى الرئيس بري الذي سيتضمن بحسب ما هو معلن على لسان أحد أعضائها استعداد كل من التقتهم اللجنة لحضور جلسة الانتخاب، مع بعض الوقت للتحضير لإنجاح الجلسة.

تستبعد المصادر أن يصار إلى عقد جلسة الانتخاب في نيسان الجاري، فمفكرة المواعيد لدى رئيس المجلس لن تفتح قبل منتصف أيار المقبل لكي تكون الطبخة الرئاسية نضجت بما فيه الكفاية وليكون كل فريق سياسي قد أدلى بدلوه وحدد خياره النهائي حول الشخصية التي ستجلس على كرسي بعبدا لست سنوات مقبلة.

في رأي المصادر عينها أن الفترة الممتدة حتى الربع الساعة الأخير من إجراء الانتخابات الرئاسية ستشهد المزيد من الكباش وعض الأصابع لتحصين المواقع، وقد ينعكس ذلك على المشهد اللبناني برمته، إذ سارعت الحكومة إلى ملاقاته بتحصين الوضع الداخلي قدر الإمكان من خلال الخطة الأمنية التي بدأ تنفيذها في مدينة طرابلس التي كانت تشكل صندوق بريد لتبادل الرسائل الداخلية والإقليمية وفاقت الجولات الأمنية العشرين.

تخلص المصادر إلى القول إنه ما دامت التفاهمات الداخلية على هذا الاستحقاق شبه معدومة قياساً إلى التباعد الحاصل، ليس على لبنان سوى الانتظار وترقب الأجندات الخارجية الحافلة بالأولويات، علّه يجد له مكاناً على تلك الأجندات تبعد عنه كأس الفراغ المر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى