إحباط سلفي وتصعيد سعودي
حسين حمود
لم تسجل في الشمال اللبناني حتى الآن، أي ّارتدادات علنية على الأقلّ، للتطوّرات في سورية، بعد تدخل سلاح الطيران الروسي في المعركة ضدّ الإرهاب وتحديداً تنظيمي «داعش» و«النصرة» وانسحاب مسلحيهما بالمئات من معاقلهما التي تتعرّض لقصف جوي كثيف ومركّز، وفرارهم إلى خارج سورية ولا سيما إلى تركيا والعراق.
أما لبنان بحسب مصادر شمالية، فلم يشهد حركة نزوح سوري مدني أو عسكري إلى الشمال الذي تخيّم عليه أجواء استرخاء شعبي ولا سيما في عكار، عكس ما كان يحصل في السابق عند احتدام المعارك في سورية، من تحريض مذهبي وتأجيج للمشاعر الدينية والسياسية ضدّ سورية، نظاماً وجيشاً.
المصادر عزت سبب هذا الهدوء إلى التدابير الحاسمة التي اتخذها الجيش اللبناني ضدّ الجماعات الإرهابية في الشمال وتفكيك مجموعاتها واعتقال قادتها الذين كانوا يتولّون حملات التحريض الإعلامية والشعبية التي كانت تؤدّي إلى صدامات إما مع الجيش أو مع التنظيمات ذات التوجه المختلف عن توجهها وتوجّه من كان يحمي القيادات الإرهابية.
ومع ذلك تقول المصادر إنّ بعض السلفيّين المتبقين في الشمال، وبالرغم من حال الإحباط التي يعيشونها، لا يزالون متمسّكين بخطابهم التحريضي، محاولين استقطاب الشارع الشمالي وتعبئته ضدّ روسيا وإيران، محمّلين الأخيرة مسؤولية التدهور الدراماتيكي لحال المسلحين في سورية، علماً أنّ روسيا هي التي تنفذ الضربات الجوية ضدّ الإرهابيين لكن السلفيين لا يرون في وجههم إلا إيران!
وحذّرت المصادر من استمرار هذا الخطاب التحريضي المذهبي الذي قد يؤدّي إلى فتنة كبرى إنْ لم يتداركه المسؤولون بنزع فتيله قبل استفحاله، لافتة إلى أنّ أجواء فريق «8 آذار»، تشي بأنّ المملكة العربية السعودية ستتجه إلى التصعيد في لبنان كما في أيّ منطقة لها نفوذ فيها، رداً على الخسائر التي يتكبّدها التحالف الذي تقوده الرياض ضدّ الشعب اليمني، ولا سيما في صفوف الجيشين السعودي والإماراتي، فضلاً عن تقهقر حلفائها في سورية.
ونقلت المصادر عن قيادات في فريق «8 آذار» التقتها أخيراً، أنّ التصعيد السعودي سيتركز بداية، على الشأن السياسي من خلال دفع الأمور في لبنان إلى مزيد من التعقيدات ورفض أيّ تسوية لحلحلة ومعالجة بعض الملفات العالقة والتي تسبّب انقساماً بين اللبنانيين، لكن القيادات تتخوّف من انزلاق الأمور إلى ما هو أخطر من ذلك إذا لم يتوحّد اللبنانيون حول مصالحهم ومصلحة بلدهم بإنتاج حلول تخرجه من أزماته الحادّة.
وفي المقابل، تستبعد المصادر، وصول أصحاب الفتنة إلى مبتغاهم مؤكدة أنّ المزاج الشعبي في الشمال بدأ يبتعد عن أجواء التطرف التي أغرقته فيها الجماعات الإرهابية المتهالكة، وبات المواطن الشمالي وخصوصاً الطرابلسي، يشعر بأنّ أولوياته في مكان آخر وأنّ ما يعنيه أولاً هو الاستقرار الأمني بعد ما مُني به من خسائر فادحة جرّاء جولات القتال السابقة التي شهدتها طرابلس، إضافة إلى اهتمامه بقضاياه المعيشية في ظلّ الأوضاع القاسية التي تحيط به، فضلاً عن الموضوع البيئي والصحي الذي استجدّ عليه بسبب مشكلة النفايات. يضاف إلى ذلك، فقدان عدد من العائلات الشمالية أبناءها الذين جنّدهم السلفيون وأرسلوهم للقتال إلى جانب الإرهابيين في سورية ولم يعودوا إلا في التوابيت.
كلّ هذه العوامل، تضيف المصادر، تدفع الشماليين، هذه المرة، إلى عدم التجاوب مع دعوات السلفيين التحريضية ضدّ إيران وروسيا وهذا ما أدّى إلى تراجع تحركات السلفيين واقتصارها على الدّعاء في بعض المساجد على روسيا وإيران! لكن المصادر تؤكد في الوقت نفسه، أنّ المخاوف من الانزلاق واردة ما يقتضي التحسّب والحذر.