هؤلاء جميعاً كسروا الجليد وذهبوا! عروبة أيوب عثمان

منذ أن غادرت غزّة نحو الضفة، وأنا أعيش وحشة المكان ورتابته وعلوقي بين بر وبحر. لم ينفرط عقد ذاك الشعور، كما فعلت هذه الأيام وسكاكينها بي. كنتُ أظن أن صوت الرصاصات الكثيف الذي دبق بأذنيّ كالغراء قبل يومين، بينما كنت أمرّ بمحاذاة المنارة برام الله، سيظل مرضي المزمن الذي سيفتك بي عاجلاً أم آجلاً. ذلك الصوت الذي هو أصلاW همسٌ أرعن لنا بلا أدنى صوت إلى من يزاحمنا على كل شيء هنا. هكذا يحلو لي أن أسمعه. أنا التي تعاني من «عصبية غزاوية» لا أتنكّر لها أو أداريها، خصوصاً بعد الحرب الأخيرة التي جعلتني دوماً أجنح نحو فرز غزّة والضفة عدلاً أو عَسْفاً. اليوم، أبدو ممتنة لسكين ذاك الشاب الذي كان قد شارف على العشرين. سكينه جرّت خلفها سلاحاً يقتل به حامله، وشباباً لا يعبؤون بعشرين سنة اعتقال حين يكون الحجر ذراعهم اليمنى والأخيرة. ممتنّة لهذه الأيام التي جعلتني أنظر إلى ما هو أبعد من إصبعي، وأقرب إلى شباب لم يكونوا أصلاً تحت عقال السلطة يوماً كي ينفلتوا عنه. أولئك الذين تخطوا تعميماتنا عن الضفة نحن- الصحافيين الكسالى- وإسقاطاتنا التي لا يمكن أن يتحمل وزرها الجميع. الضفة ليست رام الله، ورام الله ليست مركز الكون. هي شعوب كثيرة ومدينة رمادية أشبه بفقاعة في الهواء أحياناً وجمر تحت الرماد أحياناً أخرى. أنا فعلاً ممتنة لمهند وفادي وضياء وهديل وقيس وغيرهم الكثيرين الذين أدخلونا مجدّداً تحدّي البقاء، رغماً عنا أو بإرادتنا. هؤلاء جميعاً كسروا الجليد وذهبوا، فيما تركوا كثيراً منا يتسمّر على الشاشة ويدخل دوامة فوضى الأسئلة المطروحة الآن وحروب الاصطلاح على ما صنعوه بالأمس.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى