انتفاضة فلسطينية ثالثة هل تنجح ؟
حميدي العبدالله
لا شك في أنّ جميع الظروف العامة والأساسية التي أدّت إلى اندلاع الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية تتوفر الآن.
الانتفاضة الأولى كانت أسبابها المباشرة إدارة القمة العربية، التي عُقدت في العاصمة الأردنية عمّان، ظهرها للقضية الفلسطينية إضافةً إلى ممارسات الاحتلال التعسّفية. واليوم هناك ظروف مشابهة، فالعرب أداروا ظهرهم للقضية الفلسطينية على نحو أوسع مما حدث قبيْل الانتفاضة الأولى العام 1987، وتعسّف الاحتلال لم يتغيّر.
انتفاضة العام 2000 التي عُرفت بانتفاضة الأقصى سببها فشل محادثات التسوية بين السلطة والكيان الصهيوني، وممارسات الاحتلال التعسّفية وفي رأسها تدنيس شارون للمسجد الأقصى.
اليوم، التسوية متوقفة، بل وصلت إلى طريق مسدود، وممارسات الاحتلال لا تزال على أشدّها في التنكيل بالفلسطينيين، سواء من خلال الحصار على غزة أو ممارسات أعمال القتل والاغتيال في الضفة الغربية، إضافةً إلى تهويد المزيد من الأراضي.
بناءً على ذلك يُفترض أن تندلع انتفاضة فلسطينية ثالثة، ولكن حتى الآن لم يحدث ذلك، أو على الأقلّ إنّ ثمة انتفاضة جزئية ومتقطعة، جزئية كونها محصورة بالضفة الغربية، ومتقطعة كونها لا تحصل بصورة دائمة، واستمرّت هذه الحال أكثر من أربع سنوات، وهذا يوحي وكأنّ من ينتظر انتفاضة ثالثة تشبه الانتفاضتين السابقتين ينتظر سراباً.
لا شك في أنّ لهذا الواقع الجديد ظروفاً وأوضاعاً تفسّره وتوضح لماذا لم تقع الانتفاضة الثالثة، أو على الأقلّ لماذا أصبحت الانتفاضة الثالثة مجرّد انتفاضات جزئية متقطعة تمثّل رداً موضعياً على تعسّف غير محتمل من قوات الاحتلال. من أبرز هذه الظروف انحسار الاحتلال عن غزة، فالانتفاضتان الأولى والثانية، كانتا عندما كان العدو الصهيوني يسيطر على القطاع، إذاً لم تكن الانتفاضة بما تتضمّنه من مواجهات محصورة بالضفة الغربية.
إنّ انحسار الاحتلال عن قطاع غزة كان له دور كبير في تحديد مستوى وحجم وقوة أيّ انتفاضة جديدة. إضافةً إلى ذلك في الانتفاضتين الأولى والثانية كانت هناك قوة مقاومة جديدة أكثر حيوية واندفاعاً في الأولى حركة الجهاد الإسلامي التي ولدت لتوّها، وفي الثانية «الجهاد» و«حركة حماس». اليوم جميع قوى المقاومة تبحث عن التهدئة مع الاحتلال بذرائع شتى، إضافةً إلى استمرار التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال، وكلا الطرفين لديه تبريراته، «حماس» و «الجهاد» وفي غزة تبرّران التهدئة بذريعة توفير الأمان والهدوء لسكان القطاع الذين عانوا الكثير من الاحتلال ومن الاعتداءات «الإسرائيلية»، والسلطة تبرّر التعاون الأمني بذريعة توفير الخدمات للفلسطينيين وحقن دماء الشباب من مواجهات واحتكاكات مع عدو غاشم لا يتورّع عن استخدام الرصاص الحيّ.
ولكن في النتيجة فإنّ إرادة المواجهة مفقودة، سواء عبر غزة أو عبر الضفة الغربية، وبالتالي فإنّ التحركات باتت محصورة في شرائح من الفلسطينيين الذين لم يعد بوسعهم تحمّل عسف الاحتلال.