ظاهرة اليمين الأوروبيّ والتكفير الوهابيّ

أبو بكر صالح ـ عدن

لا يمثّل صعود اليمين المتطرّف في أيّ من البلدان الأجنبية، إلاّ نتاج تلك الأمم والشعوب وخلاصاتها، لما أفرزته الحالة العربية الراهنة متمثلة بالأزمة السورية وتداعياتها على المستويين الإقليمي والدولي من ظهور وانتشار وتغذية للتطرف وظاهرة التكفير بعد انكشاف حقيقة الأوهام العربية المسماة «ثورات الربيع العربي»، وإثارة الشكوك حول وجود أيادٍ خارجية، منها استخباراتية، ومنها دينية صرفة تلعب في الخفاء لاستدراج الأمة إلى مستنقع وأوحال تحوّل العالم العربي إلى جماعات متقاتلة ومتناحرة في ما بينها ومتشبثة بجهادها الموهوم في سبيل الله!

أولاً: إن كان حكمنا يجانب الحقيقة ونحن لا ندّعيها أو ندعي امتلاكها كممتلكي الحقيقة المطلقة من تكفيريي الوهابية الجدد!! إلاّ أننا نتلمس الطرق التي مرت بها والتداعيات التي نتجت منها ومدى التأثير الذي لحق بالبنية الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والسياسية للأمة من جراء تلك «الثورات الزائفة» التي لم يجنِ منها العالم العربي إلاّ خراب روما! فمن شبه المؤكد أن أي عاقل لا يمكنه أن يقبل بحقيقتها كثورات، بما تعنيه الكلمة، خصوصاً أن الثورات لا تخرج إلى العلن إلاّ بعد جملة إرهاصات وأسباب موضوعية ومنطقية تنمّ عن سعي حقيقي إلى التحرّر والانعتاق نحو الحرية الكاملة أمام احتلال ينكل بها ويذيقها مرارات التعذيب والظلم والاضطهاد. أضف إلى ذلك أن للحرية أسباباً معقولة ومنطقية لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها، مهما حاول الأعداء الحؤول دون ظهورها أو الاعتراف بها كمطلب إنساني. كذلك، لا تدمر وتعتدي على النسيج الاجتماعي لشعب ما، بل تتجه إلى تكوين إطار عام وتحالف اجتماعي شامل بين أطياف المجتمع، ويكون هدفها سامياً وبعيداً تماماً عن المناكفات والصراعات الإثنية والطائفية والأحقاد الفتنوية.

ثانياً: لم تكن الثورات على مدار التاريخ دينية صرفة، كما يروّج لها اليوم ويدعمها ألد الأعداء! الأمر يثير الشكوك اليوم عن فحواها وهدفها الحقيقي، بعيداً عن الزعم الأجوف الذي لا يقبله عقل أو عاقل؟ فالدين هو الوعاء الكبير والحضن الدافئ للأمة أياً يكن معتقدها الإثني والطائفي، فالدين لا يهدف إلى إقصاء الآخرين المشاركين في الحياة الواحدة، بل يكفل جميع الحقوق والواجبات ويعمل على حمايتها والذود عنها ولا ينتهكها بدموية كشفت الأزمة السورية غطاءها وعرّت المفاهيم المغلوطة كلّها عن الأديان والاعتقاد والأهداف الخفية وراءها؟ ومع ذلك كله، لم تتّعظ الأمة أو تتبه إلى الأخطار الجسام التي تواجهها وتهدد مستقبلها الاجتماعي ذا النسيج المتعدد.

ثالثاً: لم تتحرر الشعوب العربية من لاهوت السلطان إلى يومنا هذا؟ إذ قبلت أن تغرق في رمال الفتنة وخفايا الأهداف الاستعمارية، ماضيها وحديثها، ولا تزال ترزح تحت نذير ماركس: الدين أفيون الشعوب! وهكذا ما قصده فاضح الرأسمالية وعدوّها اللدود الذي قابله السواد الأعظم من البشرية بفتور أو عداوة تنمّ عن جهل وحماقة لم تتحرّر من ربقتها شعوب الأرض وإن اجتازت ملايين الأشواط في دروب التقدم والنهضة؟

رابعاً: ظهور اليمين المتطرف في الغرب دليل على حقيقة النوايا الغربية الاستعمارية حيال شعوبنا العربية وأطماعه في ثرواتها النفطية والاقتصادية، ناهيك عن الخوف الحقيقي من انبعاث الدين الإسلامي النقي من لوثات السلطان العربي وغرائزه النفعية! وكان «دعم ثورات الخريف العربي» أهم المرتكزات التي فسحت له وجوداً في بنية المجتمعات العربية وجعلته المتحكم الأوحد في توجهاتها ونزوعها، وبذلك يضمن سيطرته المباشرة وغير المباشرة على مفاصل الأمة ويلهو بها ويتلاعب بمعتقدها وفق ما يحقق أهدافه المرسومة. وإلى ذلك، سخّر اليمين المتطرف في أوروبا وأميركا حروبه المقبلة دينياً وإثنياً من خطر «الإسلاموفيا»، مستفيداً من موجة التكفير الجنوني الذي يجتاح عالمنا العربي اليوم، ما يساعده في توثيق أركانه لدى تلك الشعوب، مسخراً آلته الإعلامية تسخيراً ذكياً وموفقاً!

بصرف النظر عن المخارج التي وصلت إليها الدوائر الاستخبارية الغربية والموساد على وجه التحديد، حول سلامة كيان العدو الصهيوني وأمنه بعد تدمير الجيش السوري واستنزافه كما يظنون، إلاّ أنه لا تزال ثمة هواجس تدور في أذهان قادة العدو الصهيوني من جملة النجاحات التي حققها محور المقاومة وفضحه الخريف الصهيو ـ غربي وإزاحته الستار عن عورات أنظمة العمالة الأعرابية، فتلك المواقف تراوح مكانها بالنسبة إلى العدو وتزيد المخاوف والهواجس نظراً إلى المنحى الخطير الذي آلت إليه الجماعات التكفيرية الإرهابية وبدء نهاية شهر العسل مع فرنسا، بخاصة وأوروبا وبريطانيا وأميركا، ناهيك عن بقية الدول المتورطة في سفك الدم السوري بمختلف الوسائل، بينها المالية والعسكرية، وتدريب تلك الحركات وفتح الحدود لها وتواطؤ دول عربية في السماح بتسللهم إلى الأراضي السورية بغية النهب والتدمير والقتل الممنهج! وستبدأ تلك البلدان دفع ما عليها من التزامات حيال تلك الحركات القاتلة، إذ سيعود انعكاساً على أمنها وأمن مواطنيها، علماً أن سورية باتت قاب قوسين أو أدنى من تطهير كامل ترابها من الرجس التكفيريّ الظلاميّ الآتي من تحت رمال الخليج المتحركة.

من الطبيعي أن تستمر دول الخليج في ضخ مزيد من الأموال في لحظة يأس وتخبّط، لا لإسقاط النظام الشرعي في سورية، لكنه لتدمير الدولة السورية بكاملها ـ أرضاً وإنساناً وحضارة وتاريخ وديانة ـ تلك الفسيفساء الحضارية التي تفضح جوهر التوراة الصهيونية وحقيقتها الفاسدة؟

أن تطول الأزمة السورية فالمسألة بالغة التعقيد والتداعيات التي ستحدثها على المستوى الإقليمي والعالمي، ولا شك في أنها ستنتج نظاماً عالمياً جديداً عصياً على الإمبريالية المتوحشة، وسيغيّر خريطته، وسيفرض أجندته على العالم. تفرض تلك التغييرات الجذرية انبلاج فجر عالمي جديد ستؤثر نتائج في كثير من الأنظمة والتوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لكن السؤال المهم هو كيف يفيد العرب والمسلمون منه؟ في رأي كاتب السطور أنهم لن يستيقظوا من تيه اللاهوت السلطوي الذي لا يزالون يفضلون تأثير تخديره؟! على أن يواجهوا عالماً جديداً متعدد القطب؟ فهم لم يعدّوا العدة لذلك ولا يريدون إعدادها أصلاً؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى