تقرير

نشرت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية تقريراً تساءلت من خلاله عن مستقبل سورية في خضمّ الصراعات الداخلية التي تعيشها برعاية خارجية، وأشارت إلى احتمال تقسيمها.

وادّعت الصحيفة في هذا التقرير عن إمكانية اللجوء إلى حلّ سياسي يشمل بشار الأسد، ما قد يخفض من احتمال اللجوء إلى تقسيم البلد بين مختلف الأطراف المتنازعة: الشيعة برعاية روسية ـ إيرانية، السنّة برعاية سعودية ـ تركية، الأكراد، وتنظيم «داعش».

وادّعت الصحيفة أن الارتفاع المتواصل للتدخلات: الروسي، التركي، السعودي والأميركي في سورية، يضاعف من الانقسامات داخلها، ما قد يفضي إلى تقسيمها إلى أربع مناطق نفوذ حيث ستسعى كل جهة خلال الأشهر المقبلة، إلى مضاعفة دعمها كلّ من تلك «الدول الصغيرة»، بحثاً عن سبل تعزيز ثقلها في مفاوضات السلام.

وأفادت الصحيفة، أن أولوية موسكو تكمن في تحقيق الاستقرار في بعض نقاط المواجهة، غير أن الاختلاف الذي يعصف بالأطراف المتنازعة وداعميهم الدوليين، سيعزّز تفكّك البلد وتقسيم المجتمع السوري، كما حصل في لبنان طوال 15 سنة من الحرب الأهلية.

وقالت إن الإقليم الأول يخضع لسيطرة نظام بشار الأسد، بدعم روسي، ويمتد من «دمشق الكبرى»، أي العاصمة وضواحيها، حتى ساحل البحر الأبيض المتوسط، معقل النظام، ومكمن المصالح الاستراتيجية الروسية، مروراً بمدينتَي حمص وحماة، إضافة إلى بعض المناطق من حلب، وجنوب درعا، والسويداء.

وأشارت «لوفيغارو» إلى دور إيران في إقناع بشار الأسد بالاحتفاظ بهذه المناطق التي أسمتها «المفيدة»، وعدم خسارة مزيد من الجنود في «المناطق التي لا يمكن الدفاع عنها»، نظراً إلى النقص البشري الكبير الذي يعاني منه النظام.

وذكّرت بأن مساحة هذا الإقليم لا تتجاوز 20 في المئة من سورية، وتضم ما يقارب نصف سكان البلد، كما أشارت إلى دور الدعم الذي تقدمه إيران وروسيا لقوات النظام السوري، لتمكينه من بسط السيطرة على جلّ مناطقه، ودفع الميليشيات الإرهابية إلى الخلف.

غير أن المعطيات تغيّرت إذ أمسى هذا القطاع معرضاً لهجمات عنيفة، ما دفع نظام الأسد إلى تبني استراتيجية جديدة تتمثل في تشكيل «قوى محلية»، بدعم روسي ـ إيراني، لحماية هذه المناطق، تخضع إحداها لإمرة ماهر، شقيق بشار الأسد. وكذلك في إنشاء غرف عمليات ثلاثية، تسعى إلى التنسيق بين مختلف هذه الوحدات.

أما الإقليم الثاني الذي بدأ يتشكل داخل سورية، فقالت الصحيفة إنه يخضع لتأثير سعودي ـ تركي، ويقع شمال غربي البلاد، ويضمّ الحدود التركية ومحافظة إدلب، إضافة إلى جزء من حلب حيث «تمكنت المعارضة من التغلّب على القوات النظامية»، بدعم سعودي ـ تركي ـ قطري.

وادّعت الصحيفة أنها نقلت عن أحد المقرّبين من نظام الأسد، قوله إن الطلعات الجوّية الروسية تهدف إلى إنشاء خط دفاع يحفظ الإقليم الأول ويفصل بينه وبين الإقليم المحسوب على تركيا ـ السعودية، ويمتد من شمال اللاذقية إلى شمال حماة.

ورأت أن ذلك يستوجب استعادة مدينتَي جسر الشغور ومعرة النعمان، اللتين تتميزان بالحضور القوي للاستخبارات التركية الداعمة للمعارضة ما يفسر تعرضهما للغارات الروسية، وفق الصحيفة.

وفي هذا السياق، لفتت الصحيفة إلى سعي تركيا إلى إنشاء «منطقة آمنة» على الجهة السورية المقابلة لحدودها، وهو ما تعارضه أميركا بشدة.

كما ذكرت الصحيفة، أن المملكة العربية السعودية ردّت على التدخل الروسي بإعلانها عن اعتزامها مضاعفة الدعم اللوجستي لمسلحي المعارضة.

وأفادت «لوفيغارو» بأن الإقليم الثالث يضمّ المناطق الكردية الشمالية، والتي لا تزال تحافظ على تنسيقها مع استخبارات النظام السوري في دمشق، على رغم أنها تحظى بحكم شبه ذاتي.

كما أفادت بأن الغرب يعتمد بشكل كبير على الأكراد ميدانياً، وهو ما مكّن من منع منطقة عين العرب من السقوط بين أياد تنظيم «داعش»، السنة الماضية، وأدّى إلى استعادة تل أبيض من التنظيم. غير أن تعاون القوى الكردية مع النظام السوري يجعلهم منبوذين من قبل العرب القاطنين في المنطقة.

وأشارت الصحيفة إلى أن الاتهامات التي يواجهها حزب العمال الكردستاني، بالسعي إلى إبادة عرقية ضد العرب، إضافة إلى وجوده في لائحة الإرهاب الأميركية، لم تمنعه من نيل المساعدة اللوجستية الأميركية.

أما الإقليم الرابع، فبحسب «لوفيغارو» يخضع لسيطرة تنظيم «داعش»، ويشمل الصحراء السورية انطلاقاً من شرق حلب، مروراً بالرقة ودير الزور، وصولاً إلى الحدود العراقية.

وقالت الصحيفة إن التنظيم يواصل توسعه في سورية، حيث يبسط سيطرته على معظم آبار النفط، ويبيعه خاماً في السوق السوداء، علاوة على امتلاكه منطقة زراعية تمتد على نهر الفرات، وهو ما يميزه عن فصائل الثوار، التي تعتمد في تمويلها على دول الخليج، وتتعرض لخطر انقطاع هذا الدعم، استجابة للضغوط الأميركية.

وقد اعتبرت «لوفيغارو» أن التقسيمات الأربعة تكشف عن مصلحة كل من الأطراف الإقليمية الراعية للجهات المتحاربة في سورية إذ تسعى روسيا لحماية نظام بشار الأسد في معقله، استنساخاً للتجربة الأبخازية في جورجيا، في حين تحاول إيران المحافظة على امتدادها الجغرافي بين بغداد ودمشق والمناطق العلوية ولبنان، دعماً للمحور الشيعي الذي تسعى من خلاله إلى مواجهة النفوذ الوهابي، بحسب تعبير الصحيفة.

ومن جهتها، تحاول السعودية تثبيت قوة سنّية في دمشق، لإضعاف إيران في سورية والعراق غير أن تقدم تنظيم «داعش» قد يمنع المملكة من التوصل إلى حلّ سياسي تقبله أميركا.

ونقلت الصحيفة، في هذا السياق، توقعات أحد الدبلوماسيين العرب في الشرق الأوسط، حول انتهاء الأمر إلى اتفاق شبيه باتفاق الطائف في لبنان، غير أنها استبعدت أن ينتهي الصراع إلى توافق يجمع كافة الأطراف التي يسعى كل منها إلى حماية مصالحه، من دون إبداء أيّ نيّة للتراجع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى