موسكو تفرض حضورها القوي وترسخ منطق القطبية التعدّدية عالمياً

روسيا وتعزيز حضورها في سورية تصدّرت اهتمامات مراكز الفكر والأبحاث والمؤسسات الإعلامية الأميركية، على السواء.

سيستعرض قسم التحليل ديناميكيات الساحة السورية على ضوء التطورات الجارية، وفي الخلفية الصراع المستدام بين روسيا والولايات المتحدة. روسيا، بحضورها المميّز، تدرك الدروس المكتسبة من التجارب، لعلّ أهمها وعي قادتها لعدم الانجرار الى ساحة «أفغانية» جديدة، وعدم تكرار الفشل الأميركي المتواصل منذ 15 عاماً في عموم المنطقة.

اعتبر معهد الدراسات الحربية تعزيز روسيا لتواجدها العسكري خطوة تؤشر على انبلاج عصر «جيو – سياسي وأمني جديد، تتخطى أهميته أوضاع المسرح السوري بكثير». وأوضح انّ توافد القوات العسكرية الروسية «بوسعها شنّ عمليات في عموم منطقة الهلال الخصيب وشرقي البحر المتوسط، وتشكل المرة الأولى في التاريخ لإنشاء روسيا قاعدة لاستعراض قوتها خارج آفاق البحر الاسود». وحث المعهد الولايات المتحدة وحلف الناتو «إعداد ردّهما على ذلك التطوّر ويأخذ بعين الاعتبار المخاطر الحقيقية» التي تنطوي عليه.

تناول معهد كاتو مسألة التطورات الميدانية في سورية عبر النظر الى مداولات الأمم المتحدة، لا سيما انّ «كلّ من الولايات المتحدة وروسيا تتشاطران الأهداف عينها أيّ الحاق الهزيمة بتنظيم داعش». واوضح انّ «مصلحة الطرفين تقتضي استمرار المشاورات بشأن سورية بغية التوصل إلى أرضية مشتركة». وذكّر صنّاع القرار بأنّ «انخراط روسيا في سورية ليس ضاراً بالنسبة الى الولايات المتحدة، نظراً لكونه اشدّ فعالية ضدّ داعش من دور الولايات المتحدة» وما يميّزه من توفر حليف موثوق لها على الأراضي السورية، مشيراً أيضاً إلى «انخفاض معدلات التوتر والعنف شرقي أوكرانيا بالتزامن مع انعطافة موسكو لنشر مواردها وقواتها العسكرية في الشرق الاوسط».

التزم معهد كارنيغي السردية الرسمية باعتبار الوجود العسكري لروسيا «ثمرة شعور باليأس، مردّه اعتقاد موسكو بأنّ واشنطن تشكل مصدر عدم الاستقرار في المنطقة». واوضح انّ ذلك الفهم يشكل «قاعدة تحرك الرئيس الروسي ومعارضته القوية للسياسة الأميركية بتغيير الأنظمة» بالقوة.

حث مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية صناع القرار على الخروج من دوامة اللوم وتحميل المسؤولية، والإقرار بأنّ روسيا حققت انقلاباً في تواجدها المكثف في سورية إذ «استطاع الرئيس بوتين قلب السياسة الأميركية على رأسها، وتعقيد الجهود الأميركية لمواجهة داعش بفعالية، وفي نفس الوقت ضمانها أخذ مصالح روسيا بعين الاعتبار في ايّ ترتيبات مستقبلية». وحذر معسكر الحرب من ضرورة الإقرار بأنّ دخول المقاتلات الروسية الحرب «سيقوّض توجهات الولايات المتحدة وتركيا لإنشاء منطقة حظر للطيران، بل فرض دخولها قيام الولايات المتحدة بإعادة انخراطها والتعامل مع روسيا تفادياً لمواجهات جوية مباشرة».

في استعراض منفصل، تناول مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الفشل الذي لحق باستراتيجية واشنطن لمكافحة الإرهاب «على امتداد 15 عاماً». واوضح انّ صعود التيارات المتشدّدة والتكفيرية «ادّى ليس إلى بروز تمرّد وعصيان، بل انتج حرباً أهلية». وأضاف انّ محرك تلك النماذج كان خارجياً «يشمل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق».

اعرب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى عن اعتقاده بعدم عودة «معظم اللاجئين لسورية قطعا». واضاف ان التطورات المستقبلية ترجح «استمرارية الحرب واتخاذها نماذج مختلفة وساحات قتال متعددة بين الميليشيات السنية المختلفة». واوضح انّ ديمومة القتال تؤدّي بتوطين اللاجئين في أماكن لجوئهم «ويسهم في عدم عودتهم» لبلادهم.

نتائج الانتخابات السريعة في تركيا كانت محط اهتمام معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى معرباً عن عدم التيقن من قدرة حزب العدالة والتنمية استعادة نسبة 20 في المئة من الأصوات التي خسرها سابقاً، في حزيران الماضي. وقال انّ استمرار الاشتباكات المسلحة لن تخدم «حزب الشعوب الديموقراطي» بالضرورة، كما انّ هبوط قيمة الليرة التركية يفاقم الأزمات المحلية. وخلص بالقول انّ «تكرار النتائج الكارثية في صناديق الانتخابات على حزب العدالة والتنمية أدّى لتصدّع القبضة القوية لرئيس الحزب رجب طيب اردوغان».

سقوط مدينة قندوز في شمال أفغانستان بأيدي طالبان أثار قلق مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ويشكل ثمرة «فشل السياسة الأميركية في افغانستان». واضاف انّ هناك خطاً بيانياً مستقيماً يشير الى «فشل تلو الآخر، منذ مغادرة معظم القوات الأميركية نهاية العام 2014». واستدرك بالقول انّ «الفشل تتحمّله إدارة الرئيس أوباما جزئياً، وسياسات إدارة الرئيس السابق بوش غريبة الأطوار فضلاً عن تقاعس الحكومة الأفغانية توفير قيادة فعّالة في كافة الأبعاد الحيوية». كما حمّل هيئة الأمم المتحدة قسطاً من مسؤولية الفشل كونها «لم تفلح في لعب دور تنسيقي هامّ في ما يتعلق بكافة نواحي المعونات المدنية المقدّمة».

لقاء القمة بين الرئيس أوباما والرئيس الروسي بوتين أثار ارتباكاً في القراءة الأميركية لفحواه، والذي جرى على هامش أعمال الجمعية الأممية، لاعتبارات متعدّدة تتراوح بين عدم تيقنها من أهداف روسيا المنظورة والمضمرة، والتحذير من مغبة القبول بمنافسة دولية ندية للولايات المتحدة وترسيخ تعدد القطبية.

استكانت الولايات المتحدة لمركزها النافذ والمسيطر عبر قوتها العسكرية على مراكز منطقة الشرق الأوسط الرئيسة، لما ينوف عن ربع قرن متواصل، لا سيما إزاحتها النفوذ الروسي من العراق وليبيا، نتيجة العدوان العسكري المباشر.

وفجأة تغيّر المشهد وتبادل الطرفان المواقع: روسيا تتقدّم بقوة وثبات، والولايات المتحدة تترنّح وتعيد مواقع تموضعها على الصعيد العالمي، والبعض رآه انكفاء وشبه انسحاب لها من المنطقة. وما عزز الشكوك التقليدية موافقة واشنطن على سحب بطاريات حلف الناتو من الباتريوت من الأراضي التركية والتعويض عنها بطائرات مقاتلة إضافية ترابط في منطقة ديار بكر. الرؤية الاقليمية للولايات المتحدة انحدرت طردياً ايضاً، وأضحت واشنطن «غير قادرة» على التدخل لحماية وكلائها المحليين كيفما ومتى رغبوا.

الاعترافات الأميركية الرسمية وإقرارها بفشل برامجها لتجنيد وتدريب «معارضة سورية معتدلة»، لم تسعف صورتها التي تحوّلت الى مصدر فكاهة وتندّر، وخاصة بعد إنفاقها ما لا يقلّ عن 500 مليون دولار لم تحصد سوى «4 الى 5» عناصر، فقط لا غير.

تجدر الإشارة في هذا الصدد الى «الغضب والحنق» الأميركيين من «استهتار» الجانب الروسي وإبلاغ عسكرييه ضرورة إخلاء الأجواء السورية خلال ساعة واحدة، تفادياً للصدام العسكري الجوي بينهما. أميركا اعتادت تطبيق الأسلوب عينه على أطراف اخرى «أقلّ أهمية»، وليس الانصياع لتطبيقه حرفياً.

تحوّلات بنيوية في الشرق الأوسط

«اضطراب» الخطاب السياسي الأميركي أوردته شهرية «فورين أفيرز» الرصينة، في سياق تغطيتها البارزة للقاء أوباما بوتين، مؤكدة انّ «الرئيسين يتشاطران الكراهية لبعضهما » معربة أيضاً عن استمرار التوتر بينهما وعدم توصلهما لقراءة مشتركة لحلّ الأزمة السورية. الرئيس الروسي شدّد بدوره على الضرورة القصوى للتعاطي مع الرئيس السوري والتنسيق معه حصراً في محاربة الارهاب بينما مضى خطاب الرئيس أوباما في تكرار الموقف السابق بـ«فقدان الرئيس الاسد الشرعية، وليس من الحكمة العودة إلى الأوضاع السابقة».

ولفت أنصار معسكر الحرب الأنظار الى «التغيير» الذي طرأ على لهجة الخطاب الأميركي، قبل وبعد اللقاء، اذ حذرت الإدارة الأميركية «قبل أسبوعين من حتمية فشل التدخل الروسي في سورية»، الى ان تمّ قبوله «بل الترحيب به لمقارعة الدولة الإسلامية». وثارت ثائرة قادة الكونغرس «لتقدّم بوتين واتخاذه زمام المبادرة والسيطرة على سورية».

الاستراتيجية الأميركية في سورية أضحت في وضع لا تحسد عليه من الارتباك وإهدار الموارد، كما اتهمها قادة كبار في الكونغرس. وأشار أولئك الى جهود داعش تجنيد «أكثر من 7.000 مقاتل أجنبي في صفوفه خلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط»، حسبما جاء في تقرير مفصل للكونغرس. واعتبر قادة الكونغرس أنّ ذلك التطور «لم يسبق له مثيل في التاريخ، وغير مسبوق كذلك في السلبية المفرطة للسياسة الأميركية».

دأبت السياسة الأميركية على رفع سقف توقعاتها منذ زمن، خاصة في ما يتعلق بمستقبل الرئيس الأسد، وفق وصفها، ونيّتها المعلنة بالإطاحة به. وجاء التحرك الروسي القوي «دعماً للرئيس الأسد، والإعداد لتعزيز حضور عسكري لإيران في سورية». بعبارة أخرى، الوضع الراهن في سورية جاء ثمرة مناورات ديبلوماسية بين القوتين العظميين في أروقة الأمم المتحدة رجحت فيها كفة المبادرة الروسية.

المراجعة الأميركية الهادئة لسبر أغوار التحرك الروسي «المفاجئ» جاءت على لسان أحد أهمّ الخبراء الاستراتيجيين والمقرّبين من الدوائر العسكرية والاستخبارية، انثوني كوردسمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، 2 تشرين الأول الحالي. واوضح كورسمان انّ نقطة التحوّل في التفكير الروسي كانت ثمرة لقاء مكثف استضافته وزارة الدفاع الروسية يوم 23 أيار 2014، شارك فيه عدد من القادة العسكريين الكبار من روسيا وروسيا البيضاء.

واضاف كوردسمان انّ المؤتمر أسفر عن خروج موسكو باستنتاجات غير معهودة لقراءاتها الخاصة «بالاستراتيجية الأميركية والأوروبية وجهوزيتها استخدام قوتها العسكرية، وكذلك للأهداف والقرارات الأميركية والأوروبية المطبّقة في الغرب او في ما ورد سابقاً في الأدبيات الروسية».

وأسهب كوردسمان في توصيف تأثير «الثورات الملونة»، المدعومة أميركياً واوروبياً، على زعزعة استقرار النظم السياسية المحاذية لروسيا: اوكرانيا 2004 كيرغيستان 2005 جورجيا 2012. وخلص بالقول انّ الخلاصة الإجمالية للمؤتمر المذكور رسّخت فهماً متطوراً للقيادة الروسية حول «توجهات الولايات المتحدة وأوروبا العدوانية والتي استندت الى استحداث اضطرابات بصورة ثورات تزعزع استقرار الدول المستهدفة خدمة للمصالح الأمنية الغربية بكلفة مالية متدنية وبأقلّ قدر من الخسائر البشرية».

وحذر كوردسمان صناع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا «النظر الى ما هو أبعد من التكهّن واستقراء دوافع الرئيس بوتين والتركيز على ما صدر عن الاستراتيجيين والعسكريين الروس، حول توظيف الثورات الملونة، ومن غير المسموح التغاضي عنها في القراءة الأميركية والأوروبية».

وعليه، أقرّت الدوائر الأميركية انها أضحت بمواجهة توجه روسي جديد في الاستراتيجية والخطاب، جسّد نتائجه على الفور بقصف مركز على مواقع وتجمّعات العناصر المسلحة في سورية، بخلاف القصف الأميركي وحلف الناتو الذي لم يثبت استهدافه لأيّ من تلك التجمّعات او مراكز قياداتها بشهادة المصادر الأميركية. وساد الذهول الدوائر الأميركية لأسلوب روسيا المهين للجانب الأميركي وإبلاغه نيتها بدء القصف قبل ستين 60 دقيقة من الساعة الصفر.

جذر قلق الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين من القصف الروسي يكمن في إعادة موسكو ترتيب أولويات الصراع، الذي كان يُدار بالواسطة وعبر الوكلاء المحليين وبروزه الى مرتبة صراع دولي تشترك فيه القوتين العظميين مباشرة. كما يعود القلق إلى سعي واشنطن إعادة تأهيل تنظيم «القاعدة» بجناحه السوري «جبهة النصرة» – وتسويقه كمعارضة معتدلة وحجز مقعد ودور له في جولة المفاوضات السياسية المقبلة. واستهدف القصف الروسي تلك التشكيلات المدعومة من أجهزة الاستخبارات الأميركية، لا سيما ما كان يُسمّى «الجيش الحر»، مما أثار حفيظة الرئيس أوباما ودائرة مستشاريه المقرّبين لانكشاف الغشاء السياسي والغطاء الديبلوماسي والعسكري.

ليس خافياً على الطرفين، الأميركي والروسي، أبعاد ومعاني دخول روسيا المباشر في دائرة القتال وما سيتركه من تداعيات تقوّض النفوذ والدعم الأميركي للوكلاء الإقليميين والتشكيلات القتالية المختلفة.

أشار تقرير كوردسمان «الاستراتيجي» في خلفيته الى العلاقة الحسابية الطردية الجديدة في سورية: تقدّم روسيا مقابل تراجع الدور الأميركي في المنطقة، كرّسه قرار البرلمان الروسي الدوما الموافقة على اشتراك القوات الروسية في حرب مباشرة خارج أراضي الدولة، مما عزز قلق الدول الغربية من خطاب موسكو على انّ «التدخل الروسي يستند الى أرضية شرعية حصراً، وبطلب من الحكومة والرئيس السوري».

التدقيق في ثنايا الخطابين السياسيين، الأميركي والروسي، يؤدّي الى شبه تطابق او رؤى للحلّ المنشود في سورية. دأب كلّ من الرئيس أوباما ووزير خارجيته جون كيري على الترويج لحلّ سياسي تفاوضي، تبعته لاحقاً عبارة مرحلة انتقالية «بمشاركة الرئيس الاسد». اما الرئيس الروسي فقد أوضح في خطابه امام الجمعية العامة انّ «الحلّ طويل الأجل في سورية لا يمكن ان يتأتّى الا عبر إصلاحات سياسية تستند الى مفاوضات» بين الأطراف المختلفة. واضاف ليقطع الشك باليقين «أدرك أنّ الرئيس الاسد يعي ذلك وهو على أتمّ الاستعداد للمضيّ بذلك الخيار. نحن نراهن على حضوره الفعّال ومرونة موقفه وجهوزيته لتقديم تنازلات في هذا الشأن».

ارفق الرئيس الروسي إعلانه عن أولوية الحلّ السياسي التفاوضي بفتح جسر جوي بين موسكو ودمشق تمّ عبره تموضع أحدث الأسلحة والدفاعات الجوية الروسية برفقة طواقمها من العسكريين الروس.

تزامن ذلك مع إعلان روسيا إنشاء غرفة عسكرية مشتركة مقرها بغداد «لتنسيق الجهود العسكرية بين روسيا وسورية وإيران والعراق»، والتي باشرت مهامها على الفور بإبلاغ الملحق العسكري الأميركي في بغداد عن بدء الساعة الصفر لاستهداف تجمّعات المسلحين في سورية والتنسيق العالي «للمعلومات الميدانية حول مجموعات داعش الارهابية» في كلّ من العراق وسورية.

آفاق تصادم القوتين العظميين

على الرغم من الضجيج الإعلامي الأميركي واستنهاضه نزعة العداء التاريخية لروسيا إلا انّ الطرفين يشدّدان على أهمية تنسيق جهودهما لتفادي الصدام العسكري «عن طريق الخطأ» لما قد يسبّبه من تأجيج وتعريض الأوضاع الدولية والإقليمية لأخطار المواجهة العسكرية.

على هذه الخلفية تكمن تحذيرات انثوني كوردسمان مناشداً قادة بلاده، عسكريين وسياسيين، قراءة التحوّلات الفكرية والاستراتيجية لروسيا التي «تعتبر الغرب طرفاً يرفض الشراكة ويهدّد روسيا على طول حدودها المشتركة مع اوروبا». وطالبهم ايضاً بضرورة قراءة النظرة الدولية للولايات المتحدة بشكل خاص والتي «تعتبر الولايات المتحدة وأوروبا عازمتين على زعزعة استقرار الدول في شمالي أفريقيا والشرق الأوسط وكافة مناطق العالم خدمة لمصالحهما واهدافهما الخاصة».

التدخلات الأميركية المباشرة، في التاريخ القريب، تشير بوضوح الى عزمها الإطاحة بقادة دول لا تأتمر بمشيئتها وإذكاء الاضطرابات الداخلية والحروب الأهلية: العراق وأفغانستان وليبيا واليمن، فضلاً عما يجري في سورية.

من الأهمية الإشارة الى إصدارات «ويكيليكس» الأخيرة التي نشرت وثيقة سرية أميركية صادرة عن وزارة الخارجية توضح التدابير والإجراءات التي يتعيّن تطبيقها في سورية لزعزعة استقرارها، وإذكاء التوترات الطائفية، وتأييد تحركات تنظيم «الإخوان المسلمين» الرامية للإطاحة بالنظام والدولة السورية. الوثيقة يعود تاريخها لعام 2006.

للإنصاف، ينبغي الإشارة الى التحوّل الذي طرأ على الخطاب السياسي الأميركي، لا سيما في شقه الدعائي والإعلامي، اذ أصبح مطالباً «برفض كافة التدخلات الأجنبية في سورية»، في الوقت الراهن. في المقابل، السياسة الروسية «الجديدة» تتحلى بالثقة بالنفس وتهيئة الظروف اللازمة لتحقيق الانتصارات، مع الأخذ بعين الاعتبار تداعيات الحرب الجارية في أوكرانيا على الاقتصاد والقرار السياسي الروسي.

شرعت موسكو في طمأنة الرأي العام الداخلي لأهداف حملتها العسكرية، وأوضحت على لسان مدير طاقم موظفي الكرملين، سيرغي ايفانوف، انّ التدخل يستند الى رغبة روسيا «حماية مصالحها في سورية، نتحدّث بشكل خاص عن سورية وليس الذهاب لتحقيق أهداف للسياسة الخارجية أو إرضاء لطموحات» تدور في مخيّلة البعض. مؤكداً أنها أتت بدافع حصري «لحماية مصالح الاتحاد الروسي».

في الجانب الأميركي، تواترت أنباء عن برنامج نشط لتدريب وتسليح عناصر سورية تشرف عليه وكالة الاستخبارات المركزية، منفصل عن برنامج البنتاغون والذي رصدت له ميزانية بلغ حجمها 500 مليون دولار.

الأجواء السورية تعجّ بطائرات حربية مختلفة تعود لنحو عشر دول، بعد دخول سلاح الجو الروسي مباشرة. ومن غير المرجح موافقة الرئيس الأميركي على إمداد عناصر «سي أي آي» بأسلحة دفاع جوية في الظرف الراهن، خشية وقوع صدام مع القوات الروسية، فضلاً عن القلق الأميركي الدائم من خطر وقوع تلك المعدات والصواريخ المضادّة للطائرات في أيدي عناصر تكفيرية ومجموعات متشدّدة.

هوية عناصر «سي أي آي» باتت محط أنظار السياسيين والإعلاميين على السواء. وأجمعت معطم التقارير الصحافية بهذا الشأن على أنّ تلك العناصر «مشكوك في ولائها لمشغليها»، وترجح تنسيق جهودها مع «جبهة النصرة» بما هي فرع تنظيم «القاعدة» في سورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى