روسيا في الزمان والمكان الصحيحين
هبة محمد
كل من تنبّأ بمسارات الصراع في سورية لم تصب تنبؤاته، من كان يتوقع حتى من داخل مؤسسي الصراع أنّ القوات العسكرية الروسية ستتدخل وبهذا الحجم الضخم والثقة؟
إذاً، كما انفجار القنبلة النووية استعمل الفعل العسكري الروسي في سورية وبموافقة حكومتها، وفي ذلك درس في تطبيق الشرعية الدولية والوطنية على حد سواء للولايات المتحدة الأميركية التي امتحنت أعوانها وامتحنت الصبر الروسي ومصداقية أصدقاء سورية وضمن غباء الحسابات المخابراتية الناتجة عن أجهزة أميركية وصهيونية وإقليمية، فرسبت في امتحان التقدير وكان الروس وكانت الحكاية بفصل جديد غير كل الحسابات التي بنيت عليها مسيرة ما سُمّي الربيع العربي.
الصدمة الروسية أيقظت دولاً وفاجأت دولاً وبعثرت توزيع الأوراق من جديد، وبدأ التخبط السياسي والعسكري واضحاً على سلوك الدول الداعمة لمشروع تقسيم سورية وتصدير الإرهاب لباقي دول العالم وخاصة الشرقي منه، فسياسياً كل يوم يطالعنا وزير خارجية دولة معتدية بتصريح فيأتي اليوم التالي ليطالعنا رئيس الدولة نفسها بتصريح مناقض والأمثلة كثيرة ومتعددة. فمن فرنسا إلى بريطانيا إلى أميركا نفسها، ولكن بقي كل من السعودية وتركيا على التعنت نفسه ودعم الفجور الإرهابي والعسكري والسياسي وعلى الموقف نفسه من سورية ورئيسها. وهذا يُعزى فقط إلى التبعية المطلقة والارتهان الكامل للسياسة الصهيونية التي رسمت وخططت كل ما يجري في المنطقة.
القيادة الروسية لم تأت من الفراغ للفراغ، فليس فراغاً أنها حضرت إلى دولة ذات سيادة وقاتلت منذ أربع سنوات ونصف الإرهاب الدولي على أرضها ونادت كل الدول في العالم الصديق قبل العدو لينتبه لهذه الآفة الارهابية المتمثلة بالإرهاب الإسلامي المتصهين، وحذرت من أنه سيغمر العالم بطوفانه لتأتي الولايات المتحدة الأميركية لإنقاذ البشرية كسوبرمان لا يقبل الهزيمة.
قدمت سورية التضحيات وتحملت الخراب والعقوبات وصبر شعبها وصمد واستطاعت أن تقنع العدو قبل الصديق بعدالة وصواب وجهتها ونظريتها، وليس فراغاً أتت منه روسيا، فهي الدولة النووية التي صبرت على عنجهية الولايات المتحدة الأميركية والتي تمددت ومنذ أحداث 11 أيلول ثم بدأت تنكمش، بينما الروس ليسوا في غفلة توسعوا أفقياً وشاقولياً وبنوا ومتنوا علاقاتهم مع دول الجوار القريب ومع الجوار البعيد الملاصق لأميركا واشتغلوا على تطوير العلاقات الاقتصادية الداخلية والخارجية وتطوير القدرات العسكرية الروسية.
ولما باتت الأمور جاهزة لقول الكلمة الفصل قيلت تلك الكلمة. فلقد تمّ التنسيق مع القيادة السورية على امتصاص فورة المشروع الأميركي اعتماداً على قدرات الجيش العربي السوري وحنكة قيادته في التصدي للمجاميع الإرهابية المتنوعة والقادمة من أصقاع الأرض وحماية المصالح الحيوية السورية، والانتقال من مرحلة للصراع إلى مرحلة أخرى واجهها الروس بفيتو لمرات عدة وبسحب البساط من مشكلة السلاح الكيمائي من تحت القدم الأميركية وباقي الأصدقاء من صينيين وإيرانيين لم يتوانوا عن الدعم المباشر والصريح للخطوات الحكومية السورية. خلال تلك الفترة أعلنت الصين عن تفوقها الاقتصادي وإيران عن دخولها النادي النووي.
وأثناء هذا الزمن كانت الأمور تحضر بصورة واثقة والإعداد يتم لدخول الروس على خط محاربة الإرهاب مدعومين بالشرعيتين الدولية والوطنية. وهذا ما أقرت به الأمم المتحدة وتم نقل العتاد اللازم والتحضيرات العسكرية خلال فترة استباقية لـ 30/9/2015 ولما توضّحت النيات الغربية بالعدوان على سورية بحجة أخيرة هي حجة فشل الدولة أعلنت روسية أنها مستعدة لحلف دولي أو إقليمي محرجة النيات الأميركية ومسببة خلخلة واضطراباً فكشفت النيات الحقيقية لدول العدوان على سورية، وسقطت معادلة القطب الوحيد في المكان الصحيح والتوقيت الصحيح.