الجيل الجديد!

بعدما هدأت الحرب الأهلية في لبنان، قيل إن مُدرّسة في مدرسة ابتدائية سألت الأطفال أن يرسموا ما يخطر في بالهم. ثمّ وجدت المُدرّسة طفلاً يرسم دبّابة، وآخر يرسم مدفعاً، وثالثاً يرسم قتيلاً، ورابعاً يبكي على فقد والده، وآخر منازل مهدّمة…

بدأت المدرّسة تتألم جداً، إذ عبّر الأطفال عمّا تحمله نفوسهم من ذكريات مريرة عن الحرب. وكأن المجتمع قد حطَّم هذه البراعم، وأفسد رجاءها وفرحها ونظرتها المتهللة، فجاءت رسوماتهم معبّرةً عمّا في قلوبهم من بؤس.

أخيراً، وجدت المدرّسة طفلة صغيرة ترسم تفاحة! فرحت المدرّسة، وإذ كانت مملوءة دهشة وتساؤلاً في داخلها: لماذا اختلفت هذه الطفلة في اتجاهها عن زملائها، فسألت الطفلة: لماذا ترسمين تفاحة؟

دمعت عينا الطفلة وهي تتطلع إلى وجه مدرّستها قائلة: «إنها ليست تفاحة، إنها قنبلة!».

من عانى الأمرّين وكبر وهو يقارع الحياة من أجل أن يعيش، ومَن لطمته الدنيا حتى أورمت روحه، لن يجزع مما يجري، ولن يدهشه الشرّ الذي جاءنا إلى سورية على شكل مخلوقات ملتحية لا تملك العقل ولا تعرف منطقاً إلا منطق السواطير. من عاش مثلنا وكبر وهو يخوض كل يوم حرباً مع كل شيء ليحافظ على إنسانيته من الضياع بسبب الفقر والحاجة واللهاث وراء لقمة تقي من الجوع، ورداء يستر، لن تكون هذه الحرب مدمّرة له، إنما المدمّرة ستكون حرباً أخرى يحتاج إلى خوضها والانتصار بها كما فعل منذ ولادته، ولكن المشكلة الكبرى التي ستواجهنا في المستقبل، تكمن في جيل من أطفال اليوم، الذين انقسموا بفعل الحرب إلى قسمين: أطفال الثورة، وأطفال الوطن. وسواء أعجبنا أم لم يعجبنا، ففي سورية لم يعد هناك أطفال. فمنهم من أصبح مشاريع قَتلة وقَتلة فعليين، يمارسون الذبح والتفجير والقنص والتجسّس. والقسم الآخر من أطفال سورية هم مشاريع شهداء قادمين على يد القسم الأول.

مع كل الأسف، لا يمكننا أن نحمي أطفالنا من تأثيرات هذه الحرب المدمّرة، ولا يمكننا أن نشرح لهم لماذا يموت أخوتهم وأباؤهم، ولماذا أصبح رفيقهم في المدرسة قناصاً محترفاً يمارس التدخين، ويقدّم خدمات اللواط للمجاهدين. وكيف سنشرح لهم كل المفردات الطارئة على الحالة السورية من دون أن نساهم في قتل طفولتهم، وسلبهم البراءة. حتى لو حاولنا تجميل الحقيقة، فسيعرفون ما يجري بعدمت أصبحنا قصة على مدار الساعة على كل الشاشات، وأصبح قطع الرؤوس يُقدّم مباشرة بعد الصلوات والتكبير وقبل وجبة الإفطار.

أرى أن «جيل الثورة» التي تربّى على قيم «أبي قتادة» وفتاوى العرعور، ومارس الذبح قبل أن يعرف طعم القبلة الأولى، واقتنع أن الجهاد هو الاغتصاب، والقتل هو كالقنبلة الموقوتة التي لا نعرف موعد انفجارها، ونحتاج إلى حلّ جذريّ لا تهاون فيه، وإلا سنكون على موعد جديد مع قتلة أشدّ شراسة ووحشية من الظواهري، وسيبدو أبو محمد الجولاني ببراءة الأطفال أمامهم، وستكون الشياطين ملائكة بالمقارنة بهم.

من يعتقد أنه بإمكاننا إصلاحهم وإعادتهم إلى براءتهم، وزرع القيم والأخلاق فيهم فليرمني بحجر، خصوصاً أننا لا نملك أسس التأهيل ولا البيئة المناسبة لعلاج حالات كهذه. ومن يقول إننا نبالغ فلينتظر الأفظع. وحينذاك سنترحم على «ثورة العهر» هذه، وننتظر ثورة الشياطين الحقيقية بعد سنين، التي سيقوم بها أبناء «جهاد النكاح».

صباح من عشق الوطن حتى الشهادة. صباح من امتزجت دماؤهم بترابه فتقدّست الأرض به. صباح رفاقنا الشهداء. صباح الجيش السوري الأبيّ.

وفاء حسن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى