ماذا يريد المغتربون السوريون وماذا عليهم؟ المبادرات الفردية واجب
تامر يوسف بلبيسي
كثيراً ما ينتظر الناس مبادرات الحكومة ليستجيبوا معها، وكثيراً ما تضيع فرص كثيرة يمكن لها أن تحقق الكثير بسبب هذا الانتظار، بينما تقول تجارب الشعوب التي عرفت أزمات مشابهة لما تعرفه سورية اليوم أنّ المؤسسات والمشاريع التي تولد بعد الأزمات وتتحوّل إلى أطر قانونية تكون قد بدأت في الأزمات بمبادرات فردية.
تنطلق فكرة المبادرة الفردية للمساهمة بعمل مفيد للبلد، من مقتدر يملك إمكانات متوسطة وما فوق، يشعر بوطنيته وغليان دمه حرقة على بلده سواء أكان مقيماً أم مغترباً، لكن الأغلب هنا يتعلق بالمغتربين في حديثنا، فيبدأ هذا الفرد المتعلق بوطنيته بالتعبير عن هذا الشعور بمواقف، بعضها تبرّعات لجهات شبه حكومية كمؤسسات تُعنى بالمشردين أو المهجرين، أو جمعيات محلية توزع المؤن على الفقراء والمحتاجين، ثم يشعر عندما تكون الحال كما هي في سورية، وطن يتعرّض لخطر حرب كبرى، أنّ دعم الذين يبذلون الدم رخيصاً واجب لا يجوز التخلّف عنه، فيحيي حفلات جمع التبرّعات، ويساهم شخصياً بما يستطيع، وبالتدريج يكتشف أنّ هذا الطريق الموسمي لا يغيّر كثيراً، ولا يعبّر عما يتطلع إليه فيبدأ بالتفكير بشكل مستديم لمساهمة مؤسسية، تتولى جانباً من جوانب المعاناة من جهة وتعزيز الصمود من جهة أخرى، وهنا يتساءل هل هذه هي المساهمة بينما هناك من يبذل دمه رخيصاً، فيخجل من نفسه ويطأطئ رأسه خشوعاً أمام الشهداء الذين لا يعادل عطاؤهم عطاء. لكنه يتساءل، هل يمكن لشعب أن ينتصر إذا ذهب كلّ شعبه إلى جبهات القتال فيهجر الناس المدارس والجامعات والمستشفيات ومؤسسات الإعلام، ويتركون حضانات الأطفال والمصانع والمخابز والمزارع، والجواب هو بالنفي طبعاً، لأنّ الجندي يحتاج إلى شعور بالأمان على خط النار ويؤدّي واجبه بحماس واندفاع، ولا يمنحه هذا الشعور إلا الثقة بأنّ عائلته بأمان وأولاده في مدارسهم والطبابة والسكن والتعليم خدمات متوفرة لهم، لا يحتاج أن يقلق عليهم لتوافرها، ولا يتحقق للجنود ومن يبذلون الدم لما يقاتلون من أجله ما لم يواكبهم إعلام يشرح ويفسّر وينقل، وما لم تُخَض حرب المعنويات بالكلمة والأغنية والفيلم والمسرحية والتظاهرة والمقال والبيان، وما لم يقوَ الاقتصاد على قدر من الصمود يوفر فرص العمل ويعزز مصادر الدخل، ليصير السعي إلى النصر حاصلَ جهد متكامل يدور من حول التضحيات الأعلى وهي تلك التي يقدّمها أهل الدم، وتضحيات تتمّم معانيها وتصون منجزاتها.
أن يبادر مقتدرون سوريون، إلى فتح مدارس شبه مجانية، أو مشافٍ أو عيادات من هذا الطراز، أو أن يقدّموا عدداً من منح التخصص في الجامعات لأبناء الشهداء، أو أن ينشئوا مصنعاً أو أيّ منشأة ذات طاقة استيعابية لعدد من فرص العمل، ذات مردود اقتصادي وقادر على تلبية متطلبات السوق المحلية في زمن الحصار والضغوط، أو أن ينشئوا مطبخاً مجانياً لتقديم وجبات مجانية في منطقة معينة لعائلات محتاجة أدخلتها الحرب في العوز، كلها مبادرات يجب ألا يتردّد عن القيام بها كلّ مقتدر، وخصوصاً على المغتربين الذين ينتظرون من وطنهم وشعبهم معاملتهم بعد خلاص الوطن من المحنة كأبناء بررة لأوطانهم ألا يتردّدوا في هذه المحنة عن المبادرة، ومن لا يقدر بمفرده يمكنه أن يقدر بأن يكون جزءاً من مجموعة، وقد ولدت جمعيات اغترابية تقوم بنشاط مشكور ومقدّر، لأنّ الأهمّ هو عدم التردّد والتلكؤ تحت شعار أنّ هذه المبادرات صغيرة أمام حجم الأزمة وضغط الحاجة ولن تحلّ شيئاً وستكون التضحيات فيها مجرد إرضاء للذات من قبل أصحابها.
والحقيقة أنّ هذا الإرضاء فخر لأصحابه، لأنّ رؤية الابتسامة على وجه عجوز محتاجة أو أسرة شهيد أو طفل مريض، تكفي للقول إنّ بيدنا أن نفعل أشياء عظيمة بمقدرات بسيطة ولا يحق لنا أن نبخل بها على أنفسنا أولاً وعلى وطننا وشعبنا أولاً وأخيراً.
وغداً عندما تطوي سورية محنتها، سيكتشف الذين بادروا كيف تحوّلت مبادراتهم مؤسسات، وسيكتشف الذين تردّدوا أنهم أضاعوا على أنفسهم الشعور النبيل بعظمة العطاء وأضاعوا على بلدهم فرص تخفيف جرعة الألم التي ترافق الأزمات والحروب.
مغترب عربي سوري في الكويت
رئيس مجلس إدارة قناة «زنوبيا» الفضائية