المجلس يشرّع بعيداً من الضغوط والاصطفافات السياسية
هتاف دهام
في الأول من نيسان… عاد التشريع إلى المجلس النيابي الذي تعطل منذ عام 2012. إلا أنّ هذا التشريع جاء سلقاً وسريعاً للكثير من مشاريع القوانين. غابت الاصطفافات السياسية عن ساحة النجمة، فحضر التشريع التوافقي، ولم يأخذ التصويت على مشاريع واقتراحات القوانين في الاعتبار التحالفات السياسية. غاب الانسجام بين الكتل النيابية المنضوية تحت لواء فريقي 8 و14 آذار، وداخل الكتلة الواحدة لا سيما داخل تيار المستقبل التي شهدت انقساماً وتبايناً في المواقف عند مناقشة مشاريع القوانين، لا سيما مشروع أساتذة التعليم الثانوي بين نواب عكار من جهة ونواب بيروت من جهة أخرى.
لم يكن رئيس المجلس نبيه بري أمس مرتاحاً كعادته في إدارة الجلسات، فالهموم الاقتصادية والسياسية والأمنية والتشريعية تحيط به من كل حدب وصوب، وبدا كأنه محشور في الوقت. فبعد ظهر اليوم يعقد مجلس الوزراء جلسة، ما قطع الطريق على جلسة مسائية، وسيتمّ الاكتفاء بالجلسة الصباحية. لا يقتصر الأمر على الرئيس بري، بل يشمل غالبية القوى السياسية التي تعيش حالة من التضعضع جراء الاستحقاقات الداهمة.
وكان بري ترأس صباح أمس الجلسة العامة بحضور رئيس الحكومة تمام سلام والوزراء على وقع تهديد المياومين الذين اعتصموا في ساحة رياض الصلح، واقتحم عدد منهم المجلس قرابة العاشرة. فما كان من بري إلا أن ردّ على تحرك المياومين، بالتأكيد وبشكل حازم أنّ رئاسة المجلس لا تقبل أن تشرّع تحت التهديد، فالقانون المتعلق بالمياومين الذي وضعه الوزير سليم جريصاتي بالاتفاق مع المستخدمين والعمال ووقع عليه النواب وُضِع كبند أول في الجلسة التشريعية، آسفاً لـ»العمل العنفي الذي وقع من قبل المياومين وتوجيه الاتهامات لبعض النواب، مسمّياً النائب إبراهيم كنعان.
كما توجه إلى هيئة التنسيق النقابية التي تعتصم اليوم أيضاً، مشيراً إلى أنه سارع بعد نيل الحكومة الثقة إلى دعوة اللجان المشتركة إلى الانعقاد برئاسة رئيس لجنة المال الموازنة النائب كنعان وليس برئاسته أو برئاسة نائبه فريد مكاري، على رغم أنّ ذلك يشكل مخالفة للنظام الداخلي، للبحث في سلسلة الرتب والرواتب، لافتاً إلى أنّ وزير المالية يتابع الموضوع، وهذا الملف بحاجة لدرس الإيرادات.
وأمام السجال الذي دار حول اقتراح القانون المعجّل المكرّر والرامي إلى ملء المراكز الشاغرة في مؤسسة كهرباء لبنان عن طريق مباراة محصورة بالعمال غب الطلب وجباة الاكراء، أرجأ بري البحث في الموضوع إلى جلسة اليوم، بعدما تمّ تكليف لجنة من النواب: إبراهيم كنعان، جورج عدوان، سامي الجميل، علي عمار، علي بزي ومحمد قباني، لدرسه في مجلس النواب من خلال دمج القانون السابق مع الحالي، بما يتيح للمؤسسة خلال سنة ملء المراكز الشاغرة عن طريق المباراة، الأمر الذي أثار استغراب الكتل النيابية في فريق 8 آذار التي أشارت إلى أنها لا تعلم لماذا الرئيس بري أقدم على ذلك، فكان بإمكانه أن يتجاهل ما صرح به النائب محمد قباني في مداخلته التي اعتبرها نواب تكتل التغيير والإصلاح سلبية جداً وعالية السقف.
وعليه، فإنّ هذه اللجنة التي اجتمعت بعد ظهر أمس في ساحة النجمة، واستعرضت الاقتراحات المتداول بها، لا سيما لجهة توصيف المباراة التي ستجرى للعمال المياومين والتعويضات، اجتمعت أيضاً في أحد المقاهي إلى رئيس لجنة المتابعة للعمال المياومين وجباة الاكراء لبنان مخول، على أن تواصل اجتماعاتها صباح اليوم قبيل الجلسة التي ستلتئم عند العاشرة والنصف.
وبناء على ذلك فإنّ اقتراح القانون المتعلق بالمياومين سيكون اليوم على جدول أعمال الجلسة العامة، ليصدق على غرار قانوني الإيجارات وحماية النساء من العنف الأسري، على رغم السجال الذي دار حولهما وعدم الرضى، لا سيما من جمعية كفى، على حماية المرأة من العنف الأسري.
فعند طرح المشروع طلب النائب علي عمار الكلام وقال: «لا يختلف اثنان في هذه القاعة على أنّ المرأة ريحانة وليست قهرمانة، هي ليست أسيرة الرجل. ونحن في اللجنة الفرعية المخصّصة لبحث هذا القانون وُضعت صورنا كأعضاء للجنة على وسائل النقل التي تجول المناطق كجزء من عملية التخويف التي مورست علينا في اللجنة»، هنا قاطعه الرئيس بري قائلاً: «ابحث عن غسان مخيبر هو وراء هذه الأمور»، فردّ مخيبر: «معك حق»، فتابع عمار: «المرأة هي أمّ المجتمع ونحن مع هذا القانون وكلّ ما ناقشناه كان استحضاراً للدستور وللحفاظ على النسيج المجتمعي… نحن نطالب الجمعيات النسائية التي عنّفتنا بقانون يمنع تعنيف الرجال».
مداخلة النائب عمار التي صفق لها الحاضرون لم تشفِ غليل جمعية كفى، التي اعتبرت أنّ القانون كما أقرّ لا يؤمّن الحماية للمرأة، وأنّ تكتل التغيير والإصلاح الذي تبنى الملاحظات التي وضعتها الجمعية، تراجع عنها، ولم يقدم أي مداخلة أو اعتراض على غرار المشاريع الأخرى، فالتزم النائب سيمون أبي رميا الصمت عندما طلب منه الرئيس بري التوقف عن الكلام لأنّ المشروع صدّق، كذلك لم تأخذ فاتن أبو شقرا من لجنة «كفى عنف»، كلام النائب ستدريدا جعجع «انّ الرئيس بري لم يسمح لها بالكلام»، على محمل الجدّ، واعتبرت أنّ ما جرى سيناريو مدروساً من قِبل الكتل النيابية، ليمرّ المشروع كما هو، إلا أنّ ذلك لن يمرّ مرور الكرام عند الجمعية التي ستحمّل النواب 71 الموقعين على العريضة مسؤولية «كذبهم». واعدة إياهم بأنّ صُورهم لن يقتصر إلصاقها هذه المرة على الباصات، بل سيتعدّى ذلك.
التعليم العالي
في المشروع المتعلّق بالتعليم العالي، دار نقاش دام أكثر من نصف ساعة، حول دور الجامعة اللبنانية في مشروع نظام التعليم العالي حيث سعى النائب علي فياض إلى تعزيز دور الجامعة اللبنانية في الهيئات الناظمة، إلا أنه بنتيجة الأمر، أصرّ النواب على تمرير المشروع كما هو، ما استدعى تحفظاً منه، معتبراً أنّ خللا ًجوهرياً يعاني منه المشروع الذي يثقل دور المؤسسات الخاصة ويهمّش دور الجامعة اللبنانية، وقد أعلن النائب نقولا فتوش تأييده لفياض.
في موازاة ذلك، صدّق المجلس النيابي أمس 22 مشروعاً واقتراح قانون، فيما أرجأ البتّ بمشروع إعفاء كلّ طائفة معترف بها في لبنان والأشخاص المعنويين التابعين لها من الضرائب والرسوم، ليُصار إلى دمجه بمشروع آخر، واستمهل وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب 3 أسابيع لدرس اقتراح القانون المعجل المكرّر المتعلق بأصول التعيين في وظيفة أستاذ تعليم ثانوي في المدارس الرسمية، وتعيين جميع الناجحين في المباراة المفتوحة التي أجريت عام 2008 وفقاً للمرسوم رقم 537 تاريخ 18 7 2007 لوظيفة استاذ تعليم ثانوي في المدارس الرسمية، ليسقط طرح اقتراح القانون الرامي إلى تمكين الإدارة المختصة من إعطاء تسامح أقصى فوق مستوى حدود حقوق الاتفاق الخاصة بسلامة الملاحة الجوية، ويسحب مشروع القانون المتعلق بتحديد مدة العطلة القضائية إلى الحكومة.
لم يكن نواب كتلة الوفاء للمقاومة راضين عن مسار الجلسة. لم يؤخذ بأي تعديلات طرحت من قبلهم في الجلسة، فكانوا يأملون أن تضاف بعض التعديلات إلى نظام التعليم العالي، وأن تمرّ بعض التعديلات في قانون الإيجارات، حيث دعا النائب نواف الموسوي إلى استرداد المشروع وإعادة النظر به، واعتبر النائب الوليد سكرية، أنّ هذا المشروع يوازي قانون المهجرين ويطاول شريحة كبيرة من المالكين والمستأجرين، ورأى أنّ هناك عملية تفريغ سكاني، مطالباً بتشكيل لجنة نيابية تشارك فيها وزارات المالية، العدل، والشؤون الاجتماعية، لأنه علينا ألا نخلق مشكلة مع المستأجرين وكأنها عملية نزوح قسري. إلا أنّ المشروع أقرّ كما هو من دون أي تعديلات.
لم تكن مناقشة اقتراح القانون الرامي إلى إعادة إعمار الأبنية المتهدمة بفعل العدوان «الإسرائيلي » على لبنان عام 2006، أفضل حالاً، فبعد أخذ وردّ استمرّ قرابة الساعة لم يصدق الاقتراح إلا بعد أن سجل في المحضر عبارة لا تخضع الأبنية التي تهدمت كلياً أو جزئياً من جراء العدوان الإسرائيلي من دون سواها لأحكام استثنائية… ولا يعني ذلك السماح في الاعتداء على حقوق الغير.
الأوراق الواردة
وكانت الجلسة قد بدأت بالاستماع إلى مداخلات النواب ضمن الأوراق الواردة، فتحدّث النائب أنطوان زهرا عن معاناة المواطنين عند الدخول إلى العاصمة بيروت لجهة المطار والمرافق والإدارات، وتطرّق إلى موضوع النازحين السوريين، وسأل: كيف ستُحلّ قضيتهم؟ ودعا إلى ضبط حركتهم، وتحدث عن النيّة لإقرار مراسيم النفط، داعياً إلى ألا يستسهل أحد الصفقات المغفلة، وطالب بإنصاف المسيحيين في هذا الموضوع منبّهاً بأن لا تحصل عمليات مشبوهة كهذه. وأثار النائب عاصم عراجي هموماً إنمائية في منطقة البقاع.
وطالب النائب سامي الجميّل بإقرار التصويت الالكتروني في الجلسة.