مقارنة بين السياسة الأميركية والروسية في محاربة الإرهاب
ناديا شحادة
بالمقارنة بين سياسة موسكو وواشنطن بالتعامل مع الحرب الدائرة بسورية، يتوصل المتابع لنتيجة مفادها أن الولايات المتحدة الأميركية صاحبة ازدواجية المعايير التي سعت لإنشاء العصابات المسلحة تحت مسميات عديدة لتخدم مصالحها واستراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط، وخاضوا حرباً بالوكالة، وقدموا الدعم المادي والمعنوي لكل من يقاتل الجيش والنظام في سورية منهم «جبهة النصرة» و»القاعدة» و»داعش» التي هي صنيعة أميركية وهذا ما أكده الجنرال الأميركي المتقاعد ويسلي كلارك في 20 شباط من العام الحالي، حيث اعترف قائلاً أن واشنطن وحلفاءها هم الذين أنشأوا جماعة «داعش» الإرهابية، مضيفاً ان واشنطن ساهمت في تسهيل الحملة الإعلامية الترهيبية لجرائم «داعش»، فهدف واشنطن وحلفائها كان تفتيت منطقة الشرق الاوسط وإضعاف محور المقاومة وإسقاط الدولة السورية وتنحي الرئيس السوري بشار الاسد، من خلال الجماعات الإرهابية التي شكلت ادارة اوباما تحالفاً دولياً لمحاربتها يضم دولاً متورطة بشكل او بآخر في دعم تلك الجماعات. وقد وجه الرئيس الأميركي باراك اوباما بالتزامن مع الذكرى الثالثة عشرة لهجمات 11 ايلول 2001 خطاباً تضمن استراتيجيته لمواجهة «داعش» في العراق والشام الذي استطاع أن يسيطر على أجزاء كبيرة من شمال العراق وسورية. وأكد اوباما ان الولايات المتحدة لديها القدرة على انهاء التهديد، وبدأ التحالف الذي تقوده واشنطن اولى ضرباته في 19 ايلول 2014 وأثبت فشله وفشل استراتيجية اوباما في مكافحة الإرهاب، ففي الوقت الذي تدعي فيه واشنطن تحقيق نجاحات ضد تنظيم «داعش» في سورية والعراق لفت مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جون برينان إلى أن حوالي 20 ألف مقاتل أجنبي من 90 دولة أجنبية تمكّنوا من دخول العراق وسورية للانضمام إلى صفوف الجماعات الإرهابية.
فواشنطن التي ادعت انها تحارب الإرهاب وكان إسقاط النظام السوري أولويتها مما دفعها الى دعم الإرهاب وتقويته، شكلت تحالفاً عسكرياً من 60 دولة وشنت طائراته آلاف الغارات الجوية وأخذ المتحدثون باسم التحالف يتفاخرون بأنهم نجحوا في لجم تنظيم «داعش» ومنع توسع الإرهاب. ولكن سير الأحداث وتطورات الميدان اثبت عكس ذلك وبات واضحاً ضعف الطرف الأميركي امام العالم بأسره مع توسع انتشار الإرهاب ليس في منطقة الشرق الاوسط فحسب، إنما بات تهديداً على الأمن القومي العالمي. فدفعت هذه التطورات الجانب الروسي الى اتخاذ سلسلة من الإجراءات في إطار سلسلة استراتيجية جديدة لمحاربة الإرهاب والتنسيق مع الدولة السورية لمواجهته بعد أن أعرب الكثير من المسؤولين الروس عن خيبة أملهم إزاء عدم جدية وفاعلية ما يسمى بالتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن لمحاربة الإرهاب في الشرق الأوسط وقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده تملك أدلة دامغة تثبت أن أميركا لا تسمح بضرب مواقع ومقار محددة تابعة لتنظيم داعش الإرهابي الأمر الذي جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى لتشكيل تحالف جديد تحت الشرعية الدولية لمجابهة خطر الإرهاب، وبدأت روسيا بتنفيذ ضربات جوية على مواقع التنظيمات في سورية في 30 ايلول وتكبّد المسلحون خسائر عديدة من خلال استهداف مواقع الإرهابيين والبنى التحتية، فبعد عشرة أيام من بدء الغارات الجوية الروسية بلغت حصيلة العمليات التي نفذها الجيشان الروسي والسوري أكثر من ألف قتيل وقرابة ثلاثة آلاف جريح وسجل فرار قرابة خمسة آلاف نحو الاردن والعراق وتركيا من المسلحين التابعين لتنظيمات متفرعة من القاعدة وغيرها، وهذا ما أكدته مصادر إعلامية روسية.
فالضربات الجوية الروسية المرتبطة بالنتائج الايجابية التي يحققها الجيش السوري باعتباره الأداة الوحيدة مع الحلفاء على الأرض لمواجهة الإرهاب قلبت الموازين في الميدان، وشكل نقطة تحول كبيرة في الصراع الموجود على الارض، بعدما كان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يحتكر الأجواء ويختار التنسيق والأهداف وفقاً لمصالحه وسياساته.
وفي خضم الحملة العسكرية الجوية الروسية، باتت الأحداث في الميدان السوري تتسارع بوتيرة عالية وبدأت الكثير من الموازين والتوقعات تنقلب على رأس مخططيها بعد التحركات القوية للجيش السوري وعناصر المقاومة لتحرير مناطق كانت في يوم ما تعتبر من المعاقل الصعبة والمهمة لقوات داعش، وليتمكن الجيش من قلب موازين المعادلة وتشكلت نقطة تحول كبيرة في الصراع على الأراضي السورية.
هذا التحول جعل الأميركي المعروف ببراغماتيته ولعبه على حبل السياسات بناء على الوقائع المتغيرة أن يقرر في 9 تشرين الأول إلغاء برنامج البنتاغون لتدريب وتسليح المعارضة المعتدلة، حسب ما صرّح المتحدث باسم القيادة الكولونيل باتريك ريد. ويؤكد المتابعون أن هذا القرار الذي يمثل تخلياً عن برنامج سابق لتدريب وحدات من المقاتلين وتزويدها بالسلاح جاء بعد أن بدأت الولايات المتحدة بسحب منظومة الباتريوت الدفاعية الجوية التابعة لها من الأراضي التركية، لتشكل تلك القرارات ضربة هائلة للاستراتيجية الأميركية وحلفائها المتبعة في سورية على الصعيدين العسكري والأمني ولتؤكد ضعف الاستعدادات والقصور الاستخباري الأميركي.
ناديا شحادة