عندما يُرسَل البريد الجوي على أجنحة الصواريخ

طاهر محيي الدين

رسائل أرسلها الزعيم بوتين للأصدقاء قبل الأعداء على أجنحة الصواريخ العابرة للقارات «كاليبر» من بحر قزوين، أعلم بها الحلفاء أنه لا عودة حتى النصر وبكل ما أوتي من قوة.

وأرسلها بالنار إلى الأعداء بأنه حاسم وجدّي إلى أبعد ما يمكن أن يتصوّروه ويتوقّعوه، وأنه حاضرٌ بحراً بعد أن أثبت حسمه بالجو وفقط بخمسين طائرة، وكانت هذه هي الرسالة الاستراتيجية من هذه الصواريخ، ففعلياً ما قامت به هذه الصواريخ التي أذهلت الأميركي وأذنابه تماثل ما يمكن أن يفعله أي صاروخ محمول على طائرات السوخوي، ولكن الزجّ بها في هذه المعركة كانت رسالة بأنّ الزعيم بوتين لن يوفر أي قوة أو جهد أو طاقة في هذه المعركة حتى الحسم النهائي، وإنْ استدعى ذلك التدخل البري حتى من سورية إلى العراق، وأفهم الجميع بـإن كنتم تظنّون أنكم قادرون على إحداث «أفغانستان 2» فإنّ ردّي الحاسم سيكون بمرارة نكهة «فيتنام 2» نفسها التي تجرّعها الأميركي، والتي ما زالت كوابيسها تلاحق أحلام جنودكم ومشاة بحريتكم وأجهزة استخباراتكم.

أما الرسالة الثانية من الزعيم بوتين فتعلن أنّ معركة إسقاط الحدود قد حُسم أمرها، وبأنني أنا الزعيم بوتين ما بعد «جزيرة القرم» لست كما قبلها، فالطريق التي سلكتها تلك الصواريخ في سماء إيران والعراق ودقت رؤوس صغاركم في سورية، وقطعت مسافة 1500 كم وبكلّ دقة وتحكّم، كانت أكبر الرسائل لتلك الرمزية بإسقاط الحدود من موسكو حتى دمشق، وكذلك مشاركة الصين التي ولو كانت رمزية حتى ببارجتها وعدد من جنودها فقد أسقطت الحدود من بحر الصين حتى البحر الأبيض المتوسط، وكذلك الدور الفاعل الإيراني في صمود سورية بتواجده وإمداداته العسكرية واللوجستية والمالية والمواقف السياسية، وكذلك المشاركة الفعالة لحزب الله مباشرة في الحرب على الإرهاب في سورية، كلها كانت تأكيدات على إسقاط الحدود وهزيمة المشروع الصهيو ـــــ أميركي العثماني الوهابي في المنطقة، بعد أن سقطت الحدود وتوحّدت الجبهات، والأميركي المهزوم في أفغانستان والذي يعلم بأنه يستطيع الانسحاب من أفغانستان بدون رضى الإيراني والصيني والروسي لتغطية انسحابه، ويعلم أيضاً أنّ الطريق البرية على خط العرض 33 ستفتح أمام الصيني وصولاً لمياه المتوسط السوري براً، ويدرك أيضاً الأميركي بعد أن أيقن خسارته الحتمية في مضيق باب المندب على أيدي عميله الصغير قبيلة آل سعود، مما دعا الأميركي إلى إعلان هزيمته في المنطقة على لسان أحد أهمّ منظري سياسة الولايات المتحدة الخارجية بريجنسكي الذي كتب في مقال في صحيفة «فايننشال تايمز» الأسبوع الفائت، وأعلن فيه استقالة الولايات المتحدة الأميركية من وظيفة القطب والقائد العالمي الأوحد، حيث قال:

«لم نعد قادرين على إدارة المنطقة والعالم وحدنا، وعلى الروسي أن يتفهّم بأنّ لدينا مصالح معه في المنطقة»، وفي سياق ما كتبه طلب من الصين «أن تلعب دور الوسيط في إدارة ملفات العالم والمنطقة بيننا وبين روسيا».

ولعلّ من أهمّ الرسائل التي حملتها أجنحة صواريخ «كاليبر» ما تحدّثت عنه بعض المصادر العسكرية والاستخبارية الأميركية عن قدرة تلك الصواريخ العابرة للقارات بحملها رؤوساً نووية، وأنّ مداها الاستراتيجي وبكلّ دقة ولمسافة تتراوح من 3000 إلى 5000 كم، وقال التقرير: هذا يعني أنّ الطائرات الروسية قادرة على ضرب أهداف في الولايات الشمالية الأميركية حتى من دون أن تغادر المجال الجوي الروسي.

كما أنّ إحدى تلك الرسائل إخراج كلّ منظومات الصواريخ والبطاريات المضادة للصواريخ الأطلسية عن فاعليتها، وبالتالي إخراجها عن الخدمة.

وأما أجنحة السوخوي الخمسين التي أتى بها الزعيم الروسي إلى سماء سورية فأسقطت الأوهام التركية والأميركية بإنشاء منطقة عازلة في شمال سورية، وبأنّ الوهم بإسقاط الدولة السورية والرئيس الأسد دونه حرب كونية من الفضاء إلى الأرض.

أيها السادة… إنّ ما حدث في بحر قزوين هو نصر حاسم لقائد جيوش المنطقة الرئيس بشار حافظ الأسد للحرب على الإرهاب، والتأكيد على أنّ ما طرحه من خطة تشبيك البحار الخمسة كانت هي الحلّ الأمثل للعالم والمنطقة، وبأنّ كلّ من قرّر إفشالها وتدميرها قد فشل وسقط، فآل سعود إلى زوال، والخليج تحت سيطرة محور المقاومة وبحر العرب ومضائق المندب وهرمز في حضن حلف المقاومة وحلفائهم في «بريكس» و«شنغهاي»، عبوراً للبحر الأحمر وقناة السويس وصولاً إلى مضيق البوسفور، ولا يتوهمنّ إنسان أنّ مضيق جبل طارق ببعيد.

ها هو الرئيس الأسد القائد الأعلى لقوات حلف المقاومة في المنطقة بالحرب على الإرهاب نيابة عن العالم، والذي خاض وثبت وانتصر في أشرس الحروب الكونية، والذي لم يغيّر بوصلته عن فلسطين خلال تلك السنوات التي قاربت الخمس، ولم ينحرف عن الوجهة التي صمد شعبه وحلفاؤه معه عليها وأعطوه ثقتهم وولاءهم وبيعتهم الأبدية عليها، والذي أعلن سقوط عروش ممالك الوهم، ودكّ جبروت عاد الثانية مع حلفائه، يستحق أن يتوّج اليوم وأن يكرّس قائداً ورمزاً للأبد وشريكاً رئيساً وأساسياً وفاعلاً في صنع القرارات العالمية، وإعادة رسم خرائط السيطرة والقوة في العالم الجديد.

في الختام نقول للصديق والعدو، بصلابة الأسد وشعبه وجيشه، ووفاء سيد المقاومة ورجاله، وعصا الإمام قائد الثورة الإيرانية الغليظة وأرواح قادة حرسه الثوري العظماء في ساحات الشرف، وثبات القيصر الروسي، والصمت الصيني المرعب، خرائط يالطا 2 ترسم في دمشق قلب العروبة والعالم النابض.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى