المسرح القومي في اللاذقية يدعم المواهب الشابّة بورشات عمل مجانيّة للهواة
ياسمين كرّوم
أيام قليلة تفصلنا عن ختام ورشة العمل المجانية المخصّصة للهواة من الشباب التي يقيمها المسرح القومي في اللاذقية، بإشراف خبراء ومتخصّصين في العمل المسرحي، والتي تهدف إلى الكشف عن المواهب الفنية لدى هؤلاء الشباب الذين تتجاوز أعمارهم 17 سنة، لمنحهم فرصة حقيقية لتقديم أنفسهم على خشبة المسرح القومي، المكان الرسمي والوحيد الذي لطالما احتضن مواهب سورية كبيرة وقدّمها إلى الجمهور.
ينتسب في كلّ ورشة عمل عدد كبير من الشباب والشابات معظمهم من طلاب الجامعات ممّن يجدون في أنفسهم الكفاءة والمقدرة على خوض مختلف أنماط المعرفة المسرحية من تمثيل وغناء ورقص وعزف موسيقيّ. ويؤكد الدكتور محمد اسماعيل بصل مدير المسرح أنّ القائمين على الورشة يعوّلون كثيراً على هذه الطاقات الشابّة التي تملك الكثير من الصدق في التعاطي مع المسرح. لافتاً إلى أنّ الورشة ستُختَتم بعرض مسرحيّ من إنتاج هؤلاء الشباب أنفسهم، لتكون بمثابة مشروع تخرّج يحمل سِمات العمل المسرحيّ بمختلف أنواعه من موسيقى وتمثيل وكتابة وإخراج. ليقدّم إلى الجمهور في الربع الأول من الشهر المقبل على خشبة المسرح القومي. ويشارك أيضاً ضمن فعاليات مهرجان اللاذقية الثقافي الأول على خشبة مسرح «دار الأسد للثقافة» في الربع الأخير من الشهر نفسه.
وأضاف بصل: ليست هذه الورشة الأولى التي تحتضن المواهب وتسلّط الضوء عليها، إنما سبقتها ثلاث ورش ناجحة. وفي كلّ مرّة نقدّم برنامجاً عامّاً ومفردات تتعلّق بالمشرفين عليها. ففي هذه الورشة يقوم نخبة من المتخصّصين في المجال المسرحيّ من المسرح القومي وأساتذة أكاديميين من «جامعة تشرين» بتقديم خبراتهم بشكل مكثّف عبر جلسات عمل يومية على مدى شهر كامل، بمعدّل خمس ساعات يومياً. ونلاحظ التزام المتدرّبين بها بشكل كبير، ما يدلّ على توقهم للمسرح من جهة، وسعينا لنبقى مرفقاً ثقافياً مفتوحاً أمام هذه الطاقات من جهة أخرى، مستمدّين الدعم مادياً ومعنوياً من مديرية المسارح والموسيقى ووزارة الثقافة، لتكون هذه الدورات مجانية ومتاحة للجميع. وحالياً، سيتابع هؤلاء المتدرّبون البروفات اللازمة لتقديم عملهم المسرحيّ، ليكون العرض مطابقاً للآمال المعقودة عليهم جميعاً.
وتتنوّع المحاور المسرحية التي تشملها الورشة من تاريخ المسرح بإشراف الدكتور يوسف شاهين، وحركة ولياقة مع الفنان نضال عديرة، إضافة إلى اللغة المسرحية وخصوصيتها بإشراف بصل، وفنّ السينوغرافيا الذي تحدّث عنه الفنان التشكيليّ محمد بدر حمدان قائلاً: ركّزت على تعليم الطلاب دروساً عملية حول تنفيذ السينوغرافيا على خشبة المسرح بشكل سليم يليق بأيّ عمل مسرحيّ. فغالبية العاملين في المسرح، إضافة إلى هؤلاء الطلاب، لا يملكون أدنى فكرة عن هذا الموضوع وكيفية العمل عليه والاستفادة منه في العرض. لذلك، وضعت خبرتي أمامهم في كيفية تكوين الصورة أو المشهد على خشبة المسرح، وهو ما يختصر معنى كلمة سينوغرافيا التي يكون الديكور أساساً لها، لتأتي معه الألوان والإضاءة لنحصل على سطوح ضوئية تخدم المشهد. وكلّ هذا حصل في جوّ تفاعليّ شاركتُ فيه الطلاب آراءهم واقتراحاتهم، ونفّذنا السليم منها بشكل عمليّ.
كذلك، قدّم ياسر دريباتي إضاءة على محور المدارس النقدية والدراماتورجيا التي تعرّف المتدرّبين إلى أدبيات المسرح من خلال الأداء المسرحي. فالدراماتورجيا مصطلح مسرحيّ ملتبس وغير واضح لدى كثيرين من المسرحيين. لذلك، لجأ إلى مقاربة من خلال الأداء المسرحيّ وبناء مشهديات مسرحية تشير إلى كيفية الدخول في العمل المسرحيّ، وإثارة الأسئلة لدى هؤلاء الهواة تتعلق بما يمكن أن يفعلوه على خشبة المسرح، والمهمات الملقاة على عاتقهم، وكيفية التصرّف أمام الجمهور وغير ذلك من الأسئلة التي سعوا إلى إيجاد أجوبة عليها بأنفسهم خلال الورشة.
واعتبر دريباتي أنّ الورشة خطوة أولى لتعريف الشباب والشابات بأصول بناء اللعبة المسرحية وكيفية الدخول إلى عالم المسرح، من خلال قراءة النصّ وبناء الفضاء المسرحي والأدوات اللازمة لتحقيق هذه الغاية، من حضور الممثل والإضاءة والديكور. فالورشة عتبة أولى لدخول الممثل إلى عالم المسرح من خلال مجموعة مشهديّات وتمارين متنوّعة. معتبراً أنّ هذه الورش المسرحية ـ على رغم ضيق وقتها ـ تعدّ خطوة أولية لإقامة ورش متخصّصة في أكثر من مجال، لدعم هذه المواهب التي تحتاج إلى من يأخذ بيدها، نظراً إلى قلّة المراكز المعنية بهذا المجال.
بدورهم، عبّر المتدرّبون عن حماستهم الشديدة للمشاركة في الورشة التي قدّمت لهم كلّ جديد في المجال المسرحيّ، إذ أشار منار اسماعيل آغا إلى أنه استفاد بشكل كبير من محاور تاريخ المسرح وإعداد النصّ المسرحي التي عرّفته بمعلومات رمّمت النواقص الكبيرة الموجودة لديه. لافتاً إلى أنّ عدداً كبيراً من المشاركين بجدّيتهم والتزامهم، أصبحوا جاهزين لتقديم عمل مسرحيّ متكامل أمام الجمهور. فيما قال يونس عصفور إنّ قسم إعداد الممثل كان له عميق الأثر في إطلاعه على أجزاء عملية ساهمت في إخراج مكنوناته وطاقاته على خشبة المسرح. منوّهاً أنّ الجميع بصدد الاستعداد لخوض مرحلة البروفات تحضيراً لعملهم المسرحيّ الأول الذي سيكون برهاناً حقيقياً على الفائدة العميقة التي حصلوا عليها خلال هذه الورشة.