ذكريات الحرب الأهلية حاضرة في مهرجان بيروت الدولي للسينما
تبرز عروض الأفلام الشبابية اللبنانية الوثائقية أو القصيرة ضمن الدورة الخامسة عشرة لمهرجان بيروت الدولي للسينما، وتثير إعجاب الجمهور، نظراً إلى أهمية مواضيعها ونوعية معالجتها. وتحضر الحرب الأهلية بسلاسة في الأفلام الشبابية الوثائقية أو القصيرة التي تعرض ضمن الدورة الخامسة عشرة من مهرجان بيروت الدولي للسينما، إذ تشكل ذكريات هذه الحرب موضوعاً رئيساً أو خلفية لثلاثة من هذه الأفلام.
يتناول فيلم «عجلات الحرب» للمخرج رامي قديح الحرب الأهلية من خلال اجتماع عدد ممن خاضوها ضمن نادي هواة دراجات «هارلي ديفيدسون» النارية، وقال قديح إن شريطه الذي يشارك في مسابقة الأفلام الشرق أوسطية الوثائقية، يصوّر مقاتلين سابقين في الميليشيات اللبنانية المتحاربة، جمعتهم بعد الحرب هواية واحدة كرّسوا حياتهم لها، وهي دراجاتهم النارية.
وأضاف: في الواقع، إنه فيلم عن السلام، وأحدهم قال في الفيلم إنه عندما يركب دراجة ويعبر الطرق يشعر بالحرية، وهذه العبارة تلخص رسالة الفيلم.
أما فيلم «عليا» لرغد شرباتي، المدرج ضمن فئة «الساحة العامة» خارج المسابقة ، فيستعيد ذكريات الحرب من زاوية أخرى: رجل لبناني يتذكر لحظات رحلة خلال الحرب تقتل فيها حبيبته. ويستوحي شرباتي أغنية «ع هدير البوسطة» لزياد الرحباني وبطلتها عليا ، ويربطها على طريقتها بحادثة بوسطة عين الرمانة في 13 نيسان 1975، التي تعتبر شرارة الحرب. وانطلاقاً من الوضع الراهن المضطرب في الشرق الأوسط، أراد شرباتي أن يقدم عملاً يظهر الخوف من حرب جديدة في لبنان. وقال: هذا الفيلم يتوجه إلى اللبناني الذي يشعر أنه فقد شيئاً خلال الحرب الأهلية، كشخص أحبّه أو مساحة أو حياة أو مبادئ أجبر على التخلّي عنها.
وينطلق فيلم «كان يا ما كان… مرتين» لنعم عيتاني، من تجربة شخصية للمخرجة الشابة، تعود إلى عام 1989، عندما لجأت عائلتها إلى قرية غزة في سهل البقاع احتماء من الحرب. وانطلاقاً من ذكرياتها في هذه البلدة، تقارب المخرجة صداقتها مع الفتى السوري خليل، ابن السنوات العشر، الذي لجأت عائلته إلى البلدة البقاعية، وسكنت في المنزل نفسه الذي كانت فيه عيتاني. وقالت المخرجة: إنه فيلم وثائقي شخصي، عن محاولتي مع خليل لإيجاد ذكريات طفولة سعيدة في خضمّ الحزن واليأس. ويعرض الفيلم أيضاً ضمن فئة «الساحة العامة».
ويحضر الواقع العربي المأزوم وغير المستقر في فيلم «Familiar Stranger» للمخرجة رينيه عويط، والذي يعرض كذلك في إطار «الساحة العامة». وهذا الوثائقي المصوّر بلغة سينمائية، يروي قصة شاب بريطاني يدعى تيموثي، قرر، على رغم وضع المنطقة المضطرب، أن يستقر في لبنان ليتعلم اللغة العربية ويتعرّف إلى ثقافة مختلفة. وفي الفيلم يروي تيموثي بالإنكليزية ظروف مجيئة إلى بيروت، وبالعربية يتحدّث عن تجربته في لبنان وتأقلمه مع المجتمع وتعلقه ببيروت التي بات يشعر بالانتماء إليها.
وفي فيلمه «سايبة» المشارك في مسابقة الأفلام الشرق الأوسطية القصيرة، يستند باسم بريش إلى قصة حقيقية نشرت في الصحف، عن بقرة اجتازت الحدود من فلسطين المحتلة إلى لبنان، ففرحت بها عائلة لبنانية تعيش على الحدود، لكن الأمر استلزم تدخل الأمم المتحدة لحلّ التعقيدات المرتبطة بهذه المسألة. وأوضح بريش أن الفكرة نفسها طريفة، لكن معالجة الفيلم تندرج في إطار الكوميديا السوداء. وتجدر الإشارة إلى أن «سايبة» فاز بجائزة لجنة التحكيم الذهبية في مهرجان الأفلام الشرقية في جنيف عام 2014، وبجائزة التوعية على الإعاقة في مهرجان السينما والإعاقة «Handifilm» في الرباط.
وتشارك أربعة أفلام لبنانية أخرى في مسابقة الأفلام القصيرة، تتناول مواضيع اجتماعية. ففيلم «لبين ما يجوا» الوثائقي لكارمن بصيبص، يتمحور حول امراة سبعينية تعيش وحيدة في منزلها، لأن أولادها الثلاثة يعملون خارج لبنان، لكنها تحارب وحدتها من خلال شبكات التواصل الاجتماعي. والفيلم وثائقي مستوحى من حياة السيدة دعد رزق، لكن المخرجة أضفت عليه جرعة روائية، ويدمج الكوميديا بالدراما. وإذ أشارت بصيبص إلى أن الفيلم يتناول دور وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك مسألة مواجهة الوحدة، قالت إن تواصل دعد مع الآخرين عبر شبكات التواصل الاجتماعي ساعدها إيجابياً، لكن هذه الشبكات يمكن أن تكون سيفاً ذا حدّين.
وإذا كان فيلم بصيبص يتناول وحدة العجزة، فإن «هيدا أنا» لإيلي السمعان يركز على تمرّد المراهقين، إذ يثير من خلال التعرّف إلى شخصيات ثلاثة مراهقين يقفلون الشارع بالإطارات، حاجة الأولاد في هذه السن إلى الاهتمام بهم والاستماع إليهم. وقال: أردت عبر هذا الفيلم التشديد على ضرورة ألا نحكم على المراهقين ونصنفهم بسلبية، لأن ذلك يترك أثراً عميقاً فيهم ويدفعهم إلى العنف سعياً إلى لفت الانتباه، فيؤذون أنفسهم والآخرين. المطلوب في المقابل أن نستمع إليهم ونتفهمهم. وأضاف: أردت إيصال رسالة إلى المراهقين أيضاً، مفادها أنّ الحياة قد لا تكون عادلة، ولكن عليهم أن يعرفوا أن ثمة من يحبهم وليسوا وحيدين في هذه الحياة.
واختارت كريستال يونس لفيلمها «سمير شيخ الشباب» قصة عجوز يستطيع خلال تشييعه أن يسمع ما يحدث حول نعشه ويراه، وكذلك يمكنه أن يقرأ ما يفكر المحيطون به، فيكتشف المشاركين في جنازته على حقيقتهم ويدرك نياتهم الفعلية. والمميز في الفيلم أنه لقطة واحدة، إذ إن الكاميرا لا تتحرك لمدة 20 دقيقة وهي بمثابة رأس الميت وعينيه. ويعتمد الفيلم على حوارات الأشخاص الذين يحيطون بالنعش. واستوحت يونس الفكرة من حادثة شخصية متعلقة بوفاة جدّها سمير الذي كانت تربطها به علاقة مميزة.
ويحضر الموت أيضاً في فيلم بيار أبو جودة «C>est le ciel qui vous envoie!» السماء أرسلتك : شاب يرتدي زيّ كاهن للمشاركة في سهرة تنكرية، وفي طريقه إليها يلتقي مصادفة أمام الكنيسة فتاة تعتقد أنه فعلاً رجل دين، فتسأله أن يرافقها لكي يستمع إلى اعتراف والدها المنازع، فيلبّي طلبها. ويكون اعتراف الوالد مناسبة ليتعرّف الكاهن المفترض إلى هذه العائلة، فتتداخل المواقف الكوميدية مع الدراما، ومع الأسئلة المتعلقة بالحياة والمصادفات.
المواضيع الاجتماعية والإنسانية موجودة أيضاً ضمن فئة «الساحة العامة». ففيلم «I believe» الوثائقي لإيلي عزام، يسلّط الضوء على صراع الإنسان من أجل تحقيق أهدافه وأحلامه، والعقبات التي تواجهه في هذا السعي، ويدعو إلى عدم الاستسلام، وإلى التمسك بالأمل والعزم على الأحلام. وقال عزام إن هذا الوثائقي الدرامي مستوحى من السلبيات التي واجهته خلال دراسته، والتي تقود الإنسان إلى التشكيك بنفسه وبقدراته.
وفي «الساحة العامة» أيضاً، فيلم «Gli Occhi di Aldo» عينا آلدو للمخرج مايك مالاجاليان، وقد صُوّر في إيطاليا.