استهداف موكب البغدادي وإحراج العالم
عملية استخبارية بامتياز تكللت بنجاح استهداف موكب زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي، أكدت أنّ هناك مخابرات تقاتل الإرهاب بجدية، وأنّ هناك فجراً جديداً يطلّ على هذه المنطقة.
غرفة عمليات مشتركة قوامها العراق وإيران وسورية وروسيا يبدو أنها وضعت أول إنجازاتها برسم العالم. القوات العراقية الجوية تنجح باقتناص فرصة مرور موكب البغدادي قادماً من سورية لحضور أحد اجتماعات التنظيم، فتستهدف موكبه، المحميّ بطبيعة الحال من دول واستخبارات الجوار، بعملية أمنية عالية المستوى تؤكد على حرفية العمل المشترك الجديد.
بغضّ النظر أولاً عن مقتل البغدادي، وبغضّ النظر عما يمكن أن تكون قد حصدته العملية من قادة التنظيم، إلا أنها بحدّ ذاتها تحمل دلالات وتداعيات عديدة، وهي رسالة متعددة الاتجاهات.
الحرفية ونجاح العملية تؤكد وجود عناصر جديدة في هذا الإطار، وحده العنصر الروسي الذي دخل بزخمه الكبير لقتال التنظيم وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أيام قد طالب قواته بجلب البغدادي حياً أو ميتاً إلى موسكو. بمعنى أنّ الجدية التي تعمل بها روسيا اليوم تبدو على أعلى المستويات.
لا مجال للمراوغة ولا مجال إلا لإثبات تحدٍّ حقيقي فرضه الدخول الروسي إلى المنطقة، وليس في وارد روسيا التفريط فيه، لأنها جاءت لتنتصر، وبالتالي لا يمكن اعتبار التنسيق بين الأجهزة الأمنية الحليفة لها إلا أحد تجليات هذا الإصرار والتصميم على النجاح.
يسجل للجيش العراقي القدرة على الاستهداف المباشر ونجاح العملية بطبيعة الحال، وهي عملية أيضاً تؤكد رغبة التعاون العراقية مع روسيا وما كانت قد طالبت به أيضاً من تدخل مباشر، لكنها تشير إلى التعاون الهامّ الذي أثبت نجاحه بعكس الفشل الذي أظهرته قوات التحالف الدولية من تحقيق أيّ تقدّم ملموس، فخلال ما يُقارب 10 أيام من العمليات الروسية حققت روسيا تدميراً هائلاً في البنى التحتية، وحصدت عدداً لا يُستهان به من القتلى بصفوف القادة والعناصر بحساب أيامها القليلة التي إنْ أكدت شيئاً فسيكون الدقة والجدية.
يدخل تنظيم «داعش» اليوم مرحلة من القلق التي بلا شك ستثمر في صفوفه موجة من الفرار من الضربات الروسية أو من الحلف الروسي الجديد، إذا صحّ التعبير، فالتنظيم بات مستهدفاً وبإحكام على كلّ من الأراضي السورية والروسية، وبهذه العملية يثبت لعناصره أن لا أحد محميّ بعد اليوم ولا مظلات لا تخرق بدون تفاهمات وتسويات، فها هو البغدادي يُستهدف بعملية تشير إلى فشل حمايته.
عدّ تنازلي معنوي سيقع فيه التنظيم وحلفاؤه، وإرباك كبير سيؤثر على المعارك بطبيعة الحال، حتى لو تمّ تعيين بديل عن البغدادي بحال تأكد مقتله، أو بديل إلى حين تماثله للشفاء، أو حتى في حال نجاته من العملية، لأنّ تأثيرها المعنوي أكبر من نتائجها التي وإنْ قتل فيها البغدادي فإنّها لن تعني توقف التنظيم عن الإرهاب لهذا السبب، فإنّ رسالة العملية الأكبر تتجسّد بالأهمّ وهو النجاح بخرق الحماية التركية الخليجية التي تتأمّن لمواكب كهذه، وبالتالي استعار الحرب الاستخبارية بين الحلف الروسي والحلف التركي الخليجي بامتياز.
أما روسيا التي أعطت مواقيت ومواعيد للقضاء على الإرهاب ستستقطب تعاطفاً دولياً بنجاح عمليات كهذه وتواليها، مساهمة بإحراج العالم ووضعه أمام يقين التخاذل الأميركي بمكافحة الإرهاب والجدية التي فقدتها، والتي لم تكن لتمرّ لولا إصرار روسي سوري إيراني عليها، لأنّ التقارير الأمنية منذ خمس سنوات حتى الساعة أكدت مراراً أنّ واشنطن لم تكن تريد القضاء على الإرهاب بل تريد فقط تقليم أظافره والاستمرار في استثماره…
التحالف الروسي يتقدّم والأيام القليلة المقبلة، وربما قبل نهاية العام الحالي، كما وعد بوتين، سيكون الشرق الأوسط أمام واقع أمني جديد بحروف روسية.
«توب نيوز»