إسقاط «نظام الرئيس اردوغان» وإلا إسقاط تركيا…!
سومر صالح
مع بداية الأحداث في سورية مطلع العام 2011 كانت الرؤية الروسية تنطلق من فرضية مفادها أنّ الحلف الأطلسي يريد الإطباق على روسيا الاتحادية وتطويقها كلياً، بل وعزلها عن محيطها الشرق أوسطي والأوروبي ايضاً، عبر حرمانها من حليفتها سورية آخر قواعدها المتاحة على البحر المتوسط، وكسر السيطرة الروسية لإمدادات الطاقة الأوروبية، واستنزاف القوة الإيرانية، وكانت الأداة الأردوغانية ومشروعها الإخواني حاضرة وبقوة كرأس حربة لسياسات الحلف في الشرق الأوسط وجمهوريات وسط آسيا، عبر تحويل تركيا إلى قاعدة تجميع وتدريب وإسناد كلّ إرهابيّي العالم لتنفيذ أجندات الحلف الأطلسي بتفتيت جغرافيات الشرق الأوسط، على أسس مذهبية تفضي بنهاية المطاف إلى جعل «إسرائيل ـ الدولة اليهودية حالة طبيعية ضمن جغرافيات طائفية»، وتمنع الاتصال الجغرافي بين إيران والعراق وسورية، بعد إسقاط سورية والعراق، وتستنزف كلّ الطاقات المعادية للسياسات الأميركية بصراعات مذهبية جانبية، وعلى رأس المستهدفين «حزب الله»، في مقابل تحويل تركيا إلى عقدة غاز تجمع إمدادات الطاقة من وسط آسيا والخليج العربي باتجاه أوروبا.
ولكن مع بداية العام الرابع للأزمة السورية وخصوصاً بعد أزمة القرم بدأت المقاربة الروسية للأزمة السورية تتغيّر وتبلورت معها رؤية روسية جديدة لحقيقة الموقف الأطلسي وجوهر مشروعه ضدّ روسيا وأنّ الأمور انتقلت من مجرد التطويق وفرض العزلة إلى التفتيت وضرب الاستقرار عبر استخدام الأداة الأردوغانية ذاتها واستنساخ التجربة الإرهابية في سورية، في جغرافية الاتحاد الروسي، وأنّ دولاً أخرى كالصين أو الهند لن تكون بمنأى عن نقل التجربة الإرهابية ذاتها، وبالتالي ضرب نواة المحور الأوراسي الآخذ بالتبلور مؤخراً، وعلى مدى أربع سنوات ونصف السنة فشلت روسيا وحلفاؤها الإيرانيون والصينيون في احتواء تركيا اقتصادياً لتغيير سياستها في سورية، على قاعدة أنّ المنفعة الاقتصادية للتعاون مع روسيا هي أكبر من تكلفة الحرب الاقتصادية عليها، ومن هنا جاء إلغاء خط السيل الجنوبي في مقابل الإعلان عن خط السيل التركي كتعويض عن خط الغاز الخليجي، ولكن السياسة الأردوغانية ازدادت تشدّداً وتدميراً في سورية وأجهضت كلّ الجهود الدولية والثنائية الأميركية والروسية لإيجاد تسويات مقبولة للأزمة السورية، فجنون العظمة لدى رئيس النظام التركي أفقده البصيرة والقراءة المتأنية للأحداث السياسية، فالدخول العسكري الروسي إلى القرم كان تحوّلاً في السياسة الخارجية الروسية حمل معه رسائل إلى الحلف الأطلسي لم تدركها تركيا، مفادها أن لا حدود أو قيود أمام استخدام القوة العسكرية في ضمان الأمن القومي الروسي، وأمام احتمالات العدوان الغربي على سورية وفرض منطقة عازلة في الشمال السوري تكون مدخلاً لعدوان تركي بري على الأراضي السورية شكل فتح قاعدة «انجرليك» الجوية أمام المقاتلات الأميركية بدايتها، جاء القرار الروسي بالدخول المباشر في صلب المعركة في سورية، لأنّ العدوان الفرنسي على السيادة السورية بذريعة محاربة «داعش» لم يترك للقيادة الروسية أدنى شك بحقيقة المواقف الغربية وكذب ادّعاءاتهم بمحاربة «داعش» من جهة وعقائدية التوجه التركي وإيديولوجيته الإخوانية ضدّ روسيا من جهة أخرى… هذا الدخول الروسي أتى بعد ثلاثة أيام فقط من الدخول الفرنسي هو من حيث الشكل مهمة إسناد جوي للقوات المسلحة السورية، ولكنه في الجوهر يحمل أبعاداً ومضامين تتجاوز الطابع الآني الظرفي لمحاربة الإرهاب في سورية والعراق، فاختيار القاعدة الجوية على مقربة من الحدود التركية يحمل رسائل إلى تركيا، وغالبية الضربات الجوية هي في الجزء الشمالي من سورية شمال مدينة حمص مما يؤكد الدلالة أيضاً، فالدخول العسكري الروسي هو لكسر التدخل التركي وإسقاط حلم أردوغان بمنطقة الحظر الجوي الذي أراد الاميركان والفرنسيون فرضه في الشمال السوري بحكم الأمر الواقع ميدانياً…
ومنذ اللحظات الأولى للدخول الروسي بتاريخ 30/9/2015 ازداد ضجيج أردوغان الإعلامي في محاولة استنفار حلف الأطلسي لحمايته على وقع الصدمة التي لم يستوعبها في الأيام الأولى للضربات الجوية الروسية، ولكن ما لبث أن أدركها وأدرك معها نهايته لأنّ القيادة الروسية اتخذت قراراً بضرب الإرهاب وإغلاق الحدود الشمالية لسورية أمام تدفق الإرهاب الوافد من تركيا، مما يشكل مأزقاً لأردوغان بوجهين أولهما إغلاق الحدود بوجه «داعش» والتنظيمات الإرهابية سينقلب حرباً داعشية على نظام أردوغان ذاته من داخل تركيا، وعدم إغلاقها من الجانب التركي سيعني اندحار الإرهاب إلى قواعده في تركيا وبالنتيجة سيتفشى الإرهاب في تركيا… وبخلاف تركيا أدرك الحلف الأطلسي سريعاً حقيقة الموقف الروسي وجهوزيته التامة لتطورات الحرب المحتملة بما فيها حدوث اشتباك جوي مع مقاتلات تركية، حيث أرسلت روسيا رسائل صاروخية لها دلالتان، الأولى تؤكد أنّ هذا السلاح جاهز للإطباق على العدو وتدميره على كامل الجغرافيا في الشرق الأوسط، والثانية أنّ التصعيد يقابله التصعيد، فكلما ازداد عداء تركيا ودول الخليج ستزداد الفاعلية العسكرية على الأرض، فكان القرار الأطلسي بالتريّث والدراسة والتأني قبل اتخاذ أيّ إجراء على الأرض…
بالنتيجة شكل الدخول الروسي المباشر في الميدان الروسي بتاريخ 30/9/2015 ورسائل الصواريخ المجنّحة «كروز كاليبر» حدثاً بالغ التأثير ليس فقط في مجريات المعارك في الميدان السوري بل في مستقبل تركيا الدور والنفوذ، حيث باتت تركيا محاطة بالقوة العسكرية الروسية من الشمال في البحر الأسود وفي الجنوب بتواجدها العسكري في سورية وربما العراق، ومن البحر من الجهة الجنوبية المتوسطية بالسفن الحربية المتواجدة في قاعدة الإسناد على البحر المتوسط وسواحل قبرص اليونانية، إضافة إلى أنّ حدودها الشرقية محاطة ببيئة معقدة من جهة إيران وأرمينيا، وبالتالي على النظام الأردوغاني إعادة حساباته جيداً في سورية وقراءة الحدثين السوري وقبله شبه جزيرة القرم بعقلية واقعية، فالقيادة الروسية ما زالت تملك أوراقاً يمكن معها إخضاع تركيا عسكرياً بدون مواجهة عسكرية مباشرة معها، ولكنها تتجنّب الدخول في صراع مباشر مع الحلف الأطلسي، وهنا علينا التأمّل قليلاً في السياسة الروسية تجاه اليونان ومنحها قروضاً مالية عالية وتسهيلات اقتصادية، فأيّ تصعيد لسياسة الحلف الأطلسي في سورية أو دول البلطيق سيقابله تصعيد في وتيرة العلاقات الروسية اليونانية، وقد نشهد معها خروجاً لليونان من الاتحاد الأوروبي في مقابل امتيازات اقتصادية وعسكرية لليونان في مواجهة تركيا، وهنا علينا التوقف كثيراً أمام اعتراض مقاتلات يونانية لطائرات تركية فوق بحر إيجه المتنازع عليه مع تركيا، حينها ستصبح الصورة قاتمة بالنسبة للحلف الأطلسي إذا ما دخل الأسطول الحربي الروسي بحر ايجه وتمركز به، في كسر واضح لكلّ قواعد الاشتباك والتوازن القائمة بين الحلف وروسيا، لأنها بذلك ستخرج أكبر رقعة جغرافية وبشرية أطلسية في مواجهة روسيا من الحسابات العسكرية، لذلك ليس من مصلحة الحلف التصعيد في سورية أو حدود روسيا الشرقية بخلاف الادّعاءات البريطانية، بالتالي الحلف الأطلسي في ورطة أدخله بها حمق السياسة الأردوغانية.
فالتمسك بنظام أردوغان يعني السير قدماً في استراتيجية الدخول العسكري الروسي في بحر ايجه، وهذا يعني إسقاط تركيا بكاملها بدون مواجهة عسكرية مباشرة عبر شلّ كامل قدرتها العسكرية وليس إسقاط اردوغان بذاته فقط، وهذا أمر لن تسمح به الولايات المتحدة ومن خلفها الحلف الأطلسي، والقيادة الروسية ليس من مصلحتها الآن الدخول في بحر ايجه، وبالتالي الدخول في مواجهة مفتوحة مع الحلف إلا من باب الدفاع عن النفس في مواجهة سياسات الحلف في سورية أو في حدود روسيا الغربية، لذلك أمام رجب طيب أردوغان ثلاثة خيارات أولها الإصرار على التعنّت الذي يمارسه ويقابله في ذلك سيناريو إسقاطه من قبل حلفائه الأطلسيين بحكم الضرورة والمجيء بنظام سياسي جديد يراعي المصالح الروسية في الشرق الأوسط ويبقي تركيا في الحظيرة الأطلسية للولايات المتحدة الأميركية، أو الرضوخ للقوة العسكرية الروسية والعدول عن مشروعه الإخواني، وبالتالي عليه الاستعداد لمواجهة «داعش» على أرضه، والخيار الثالث الاستقالة وترك السلطة لقيادات تركية جديدة تخرج البلاد من مأزقها، فأيّ مصير ينتظر الطاغية أردوغان…؟