إيران عمدة الشرق مع بيضة نووية

كتب المحرر السياسي

بينما لبنان في الدوخة الرئاسية والمجلس النيابي في دوامة السنيورة حول سلسلة الرتب والرواتب، بعدما صار اسمه مرادفاً للهمّ المعيشي للبنانيين، تنهمك المقاومة والأجهزة الأمنية اللبنانية بالتقارير المتواترة عن الخلايا النائمة لجماعات داعش، ليستمرّ الفراغ وتستمرّ الدوخة.

التعقيد الإقليمي الدولي والانحباس الذي رافقه وظهر جلياً في المشهد العراقي يبدو قد تبلور نحو سيناريوات واقعية تزيل الغموض الذي رافق أيامه الأولى، فقد وقعت المواقف السعودية في دائرة يصعب الدفاع عنها بالهجوم الذي شنّته على حكومة المالكي تحت عنوان إنهاء الإقصاء والتهميش والتذكير بحقوق الإنسان، من دون أن يسعفها التدخل الأميركي بشهادة مجروحة ومحرجة في آن، بينما تمتلئ وثائق الخارجية الأميركية بالتقارير عن حجم التهميش والإقصاء لشرائح وازنة في المجتمع ولقيادات تلاحق وتعاقب بجرائم المعتقد والدين والرأي.

السيناريوات الواضحة بدأت ميدانياً بنجاح الجيش العراقي في حسم أمر بعقوبة عاصمة محافظة ديالى أول من أمس، ونجاحه المرتقب في حسم تلعفر المدينة الأهمّ في محافظة نينوى بعد الموصل، بينما النجاح الأبرز كان في الجبهة الجامعة التي ضمّت أغلب القيادات العراقية المتخاصمة تحت عنوان بيان تلاه رئيس الحكومة السابق ابراهيم الجعفري، بعد اجتماع ضم رئيس الحكومة نوري المالكي وسائر قادة المعارضة بمن فيهم رئيس مجلس النواب السابق أسامة النجيفي، والبيان يحسم بوضوح تقديم التغطية للجيش العراقي مقابل امتناع الميليشيات التطوعية عن دخول ساحات القتال في المواجهة مع داعش، ويشكل أول ثمار تدفق عشرات آلاف المتطوعين رداً على سقوط مدن الوسط العراقي بيد جماعة «القاعدة».

الجبهة السياسية الجامعة لمواجهة القاعدة رفعت الغطاء المذهبي عن هذه الجماعات ومن يريد تصوير الحرب معها كحرب مع مذهب أو طائفة كما حاول الموقف السعودي أن يقول.

تشويش عمليات المشاغلة في القلمون لجماعات القاعدة لتغطية انسحاب مقاتلي داعش نحو العراق من جهة، وتسلّل بعضها نحو لبنان من جهة أخرى، وإرباك حزب الله والجيش السوري من جهة ثالثة، لم يحقق أياً من أهدافه على رغم التضخيم الإعلامي الذي تجنّدت له وسائل الإعلام المموّلة والمشغّلة سعودياً، وفي مقدمها قناة «العربية».

في قلب هذه التطورات كانت إيران تتوّج صبرها التفاوضي وصمودها الاقتصادي والسياسي بإنجاز ربع الساعة الأخير، فتتوصــل إلى التفاهمات المنشودة حول ملفها النووي ويعترف لها الغرب بحق امتلاك البيضـة النووية في الشرق، مع تكريسها المرجع الضامن للاستقرار فيه، بعدما جاءت مواقف قادتها تجـاه ما يجري في العراق رفضاً للابتــزاز التفاوضي وإصراراً على دعم الحسـم وصولاً إلى التلويح بجاهزية التدخل المباشر، فإيران اليوم تتوّج عمـدة للشرق مـع بيضـة نوويـة، كمرتبــة أعلـى من البيضة الذهبية والبيضة الماسية.

جلسة السلسلة مستبعدة اليوم

إذاً، وكما كان متوقعاً تحوّلت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية إلى ما يشبه «خليّة نحل» في مكتب رئيس المجلس النيابي نبيه بري في مجلس النواب سعياً لإخراج سلسلة الرتب والرواتب» من «عنق الزجاجة» عشيّة موعد الجلسة التشريعية المقررة اليوم لاستكمال البحث في السلسلة، بحيث جرى تأجيل جلسة الانتخاب أمس للمرة السابعة لعدم اكتمال النصاب، ما يؤكد أن الاستحقاق الرئاسي لا يزال موضوعاً في الثلاجة بانتظار الظروف المؤاتية داخلياً وخارجياً.

وفي ما بدا من مضمون الاجتماعات التي عقدت أمس أن السلسلة تضغط على الجميع، وبالتالي لم يعد ممكناً المماطلة في بتّها في ضوء قرار هيئة التنسيق بمقاطعة تصحيح الانتخابات الرسمية وإصدار النتائج ما لم يتم إقرار السلسلة، وهو ما أكده وزير التربية الياس بو صعب خلال الاجتماعات أمس.

وعلى رغم كل الجهود ومحاولات إقناع رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة التي بذلت من الرئيس بري والوزيرين علي حسن خليل وبو صعب وحتى عضو كتلة المستقبل بهية الحريري، فإن السنيورة بقي متمسكاً بمعظم مواقفه السابقة حتى بنود السلسلة، خصوصاً ما يتعلق برفع الضريبة على القيمة المضافة من 10 إلى 11 في المئة ورفض إعطاء المعلمين الدرجات الست أقر بإعطائهم ثلاث درجات وتقسيط السلسلة ما يشير إلى أن كتلة المستقبل بقيادة السنيورة تتجه لمقاطعة الجلسة التشريعية اليوم.

مصادر قريبة من السنيورة: لا اتفاق

وأوضحت مصادر قريبة من الرئيس السنيورة مساء أمس لـ«البناء» أن الأخير استكمل اتصالات بعد الظهر ومساء أمس مع عدد من الأطراف خصوصاً مع قوى 14 آذار وتبين نتيجة هذه المشاورات أن ليس هناك اتفاقاً حول بنود السلسلة، وسئلت المصادر عما إذا كانت كتلة المستقبل ستحضر الجلسة العامة اليوم فقالت: «ليس هناك من اتفاق» وهو ما يعني بحسب ما حصل في الجلسة السابقة أن كتلة المستقبل ومعها كتلة «القوات اللبنانية» سيقاطعان جلسة اليوم وأن السلسلة لن تقر.

بين TVA والدرجات الست

وأكد النائب جمال الجراح لـ«البناء» أن قضية السلسلة عالقة بين TVA والدرجات الست، لافتاً إلى أن الضريبة على القيمة المضافة هي تمويل ضروري للسلسلة ونحن نريد التوافق على ذلك قبل الدخول إلى الجلسة إلا أن الذي حصل أن الفريق الآخر لا يريد أن يحمل وزر الضريبة على القيمة المضافة فيما يريد منا السير بالدرجات الست. وقال: «لماذا فرض أعباء مالية من دون القبول بمداخيل، مشيراً إلى أن لا إقرار لسلسلة من دون الاتفاق على ذلك، نحن نعمل لتجنيب البلد أعباء اقتصادية.

ماذا دار في الاجتماع الموسع عند بري؟

وكانت سعت الاجتماعات التي عقدت في مكتب الرئيس بري أمس إلى التوافق على مقاربة مشتركة للإيرادات والنفقات مع حفظ الحد الأدنى من حقوق المعلمين والموظفين والعسكريين، ولهذه الغاية عقد الرئيس بري اجتماعات ومشاورات عدة كان أبرزها الاجتماع المطول والموسع الذي حضره السنيورة والوزيران علي حسن خليل والياس بو صعب والنائب ابراهيم كنعان ورئيس لجنة التربية النيابية بهية الحريري والنائبان جورج عدوان وجمال الجراح بعد أن كان بري قد التقى سلام والحريري.

وخلال النقاشات المستفيضة والمفصلة لموضوع السلسلة شدد الرئيس بري على الوصول إلى مقاربة إيجابية تنتج إقرار السلسلة في جلسة اليوم.

وبعد أن حذّر من تعطيل المؤسسات ودفع الناس للنزول إلى الشارع تناول موضوع السلسلة متناولاً الأرقام المقدرة لها، ثم قدم الوزير علي حسن خليل شرحاً مطولاً حول الواردات التي تزيد على ألفي مليار من دون احتساب واردات زيادة الـT.V.A من 10 إلى 11 في المئة.

لكن السنيورة تدخل للرد على الوزير علي حسن خليل فأعاد تكرار مواقفه السابقة من حيث زيادة ضريبة الـT.V.A واحد في المئة على كل المواد والسلع وأيد إعطاء المعلمين ثلاث درجات من أصل الدرجات الست المحتسب لهم، فرد الرئيس بري والوزيران خليل وأبو صعب معترضين على زيادة واحد في المئة على الـT.V.A..

ولوحظ أن النائب بهية الحريري أعلنت في مداخلتها تأييدها لإعطاء الدرجات الست للمعلمين ما أظهر وجود تباين واضح بين الحريري والسنيورة، خصوصاً أن الأولى أظهرت أيضاً دعمها لحسم السلسلة في جلسة اليوم.

سجال بين السنيورة وخليل وكنعان

ثم عاد السنيورة وأخذ الكلام مجدداً تحذيره من الوقوع في كارثة اقتصادية إذا لم يكن هناك توازن في السلسلة ومكرراً المواقف نفسها من ضريبة الـT.V.A ودرجات المعلمين، لكن لوحظ أن السنيورة وجّه كلاماً حاداً إلى الوزير علي حسن خليل والنائب كنعان منتقداً معلومات الأول ومتهماً الثاني بـ«التخبيص» ما استدعى ليس فقط تدخل الرئيس بري بل رداً من كنعان الذي أكد أنه جرت مناقشة أرقام السلسلة بالتفصيل فكان أن رد السنيورة بحدة: قائلاً «إذا بدو ينحكى مثل هذا الكلام فلي كلام آخر»، ما اضطر الرئيس بري للتدخل مرة ثانية داعياً إلى مناقشة موضوعية وعلمية والتوازن بين الواردات والنفقات حتى لا تقع البلاد في أية مخاطر اقتصادية.

ثم عرض الوزير خليل للأبواب المقترحة لتغطية الواردات وفق حسابات دقيقة ثم تدخلت النائب بهية الحريري فكان رأيها أقرب إلى رأي الوزير خليل، مما طرحه السنيورة داعية إياه للدخول بمناقشة الأرقام التي عرضها وزير المال حول الواردات ثم أكد الرئيس بري على ضرورة احتساب الحد الأدنى من البنود المقترحة لتغطية السلسلة ومساواتها بالنفقات معلناً عدم معارضته لحسم عشرة في المئة من أرقام السلسلة.

واستمر النقاش بين الحضور إلى أن انتهى بعض الأمور أبرزها زيادة التعرفة على الـ500 كيلووات وما فوق في الكهرباء تقدر بـ350 مليار ليرة وزيارة الرسوم على المشروبات الروحية بحوالى 40 مليار ليرة وتطبيق رسم الطابع المقطوع على الشركات يصل إلى 85 مليار ليرة وحسم جزء من التعويض العائلي بالحد الأدنى وهو يوفر 140 مليار ليرة والرسم على المخالفات البحرية يوفر حوالى 65 مليار ليرة.

إلا أن مصادر شاركت في الاجتماع أوضحت أنه في ضوء إصرار السنيورة على زيادة واحد في المئة على الـT.V.A ورفضه إعطاء المعلمين الدرجات الست طلب الرئيس بري حسم البنود الخلافية في الجلسة التشريعية من خلال اللجوء إلى التصويت ولكن السنيورة رفض ذلك وأصر على التوافق المسبق حول كل بنود السلسلة بينما لم تعارض النائب بهية الحريري طلب الرئيس بري.

وفي نتيجة النقاش وبعد أخذ وردّ مطول قال السنيورة: «خلينا ندرس الموضوع قبل جلسة الغد اليوم » وبذلك انتهى الاجتماع من دون اتفاق كامل.

السلسلة فضحت الطبقة السياسية

وفي هذا السياق، أكدت هيئة التنسيق النقابية عشية الجلسة التشريعية رفضها لأي ضرائب تطاول الفقراء والعمال وأصحاب الدخل المحدود، ودعا رئيس الهيئة حنا غريب عبر «البناء» النواب للخروج من قصة الدرجات الست. وقال نحن نطالب بتصحيح الاجور بنسبة 121 في المئة، لافتاً إلى أن سلسلة لجنة عدوان بست درجات ومن دون ست درجات الكلام مرفوضة والكلام عن إعطاء بضع درجات من هنا أو من هناك وعلى سلسلة مجهولة لا تحفظ الحقوق مرفوض.

وأشار إلى أنهم يريدون سلسلة 1996 مضروبة بـ2.21، وليحسموا منها نسب الزيادات التي أعطيت عامي 2008 و2012.

وأكد غريب أنهم من خلال السلسلة يفضحون الطبقة السياسية ويعرونها أمام الرأي العام، ففيما نحن نرفض فرض الضرائب على الفقراء، غالبية هؤلاء النواب يغطون الفساد ومتورطون بصفقات على حساب الشعب اللبناني، وأن قضيتهم باتت مكشوفة. وأشار غريب إلى أن من يضرب حقوق هيئة التنسيق يستدعي التطرف إلى هذا البلد.

لا تقدم في لقاء الراعي ـ عون

في موازاة ذلك، أكدت مصادر بكركي لـ«البناء» أن اللقاء الذي جمع البطريريك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ورئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون لم يحرز أي تقدم، لا بل شهد تراجعاً.

وأشارت إلى الراعي دعا الجنرال عون إلى أن يعلن ترشيحه وينزل إلى المجلس النيابي، وليربح من يربح، إلا أن العماد عون بقي متشبثاً برأيه الرافض الإعلان عن ترشيحه للانتخابات الرئاسية والنزول إلى المجلس النيابي قبل أن يصل تفاوضه مع الرئيس سعد الحريري إلى نتيجة، فما كان من الراعي إلا أن اقترح عليه العمل لاختيار مرشح ثالث وانقاذ موقع رئاسة الجمهورية، ليفتح السجال بينهما وينتهي اللقاء من دون الاتفاق على أي مخرج. وأكدت مصادر بكركي أن مواقف العماد عون التلفزيونية أول من أمس كانت خير دليل على أن اللقاء لم يصل إلى نتيجة.

زحف «داعش» كان الردّ على الانتخابات في سورية والعراق

أكد وزير الخارجية السابق عدنان منصور في حديث إلى «البناء» و«توب نيوز»: أن الردّ على الانتخابات في سورية والعراق كان زحف «داعش» لإرباك النظامين وإلهائهما بمعركة كبيرة تأخذ طابعاً مذهبياً. واعتبر أن ما تحمله الجماعات التكفيرية من أفكار متطرّفة ورافضة للآخر، وما تريد رسمه من حدود جغرافية جديدة، يجعل من الأمور أكثر تأزيماً، وتهدد ليس فقط سورية والعراق، إنما دول المنطقة كلّها.

وأكد منصور أن إيران لا تستطيع أن تعزل نفسها عن المنطقة والعراق تحديداً، لأن ما يجري يمسّ أمنها القومي، فهي دولة إقليمية كبرى تأخذ أمنها القومي في الاعتبار، ولذلك لا يمكن أن تترك ما يجري على الساحة العراقية قائماً، ولا نعني هنا التدخل العسكري. فيمكنها ذلك من خلال التنسيق مع دول فاعلة في العالم لإثبات ما يمكن أن يحضّره هذا الزحف على الأمن القومي العربي والإقليمي والعالمي.

وفي الشأن اللبناني أشار إلى «أنه لا بدّ من إيجاد توافق على شخصية وطنية تعبّر عن الواقع اللبناني وتأخذ في الاعتبار ما يجري في المنطقة.

عمليات دهم وتطهير في جرود عرسال

في سياق آخر، نفذ الجيش اللبناني في الساعات الماضية حملة عسكرية طاولت مناطق واسعة في جرود عرسال في إطار العملية الواسعة التي كان بدأها فوج المجوقل وقوى الجيش في المنطقة لإنهاء بؤر المسلحين الذين يتخذون من الجرود منطلقاً لتنفيذ أعمال إرهابية ضد المنطقة، وفي موازاة ذلك تنفذ القوات السورية حملة واسعة للقضاء على المجموعات المسلحة في جرود القلمون.

وتمكنت قوى الجيش اللبناني من توجيه ضربة كبيرة لتجمعات المسلحين من خلال استهداف معسكر تابع لـ«جبهة النصرة» في جرود عرسال بعد ورود معلومات عن تجمع المسلحين في المنطقة، ما أدى إلى وقوع عشرات المسلحين بين قتيل وجريح، حيث جرى نقل 16 جريحاً إلى المستشفى الميداني في عرسال، كما أفيد أن من بين قتلى المسلحين المدعو أبو الحسن التلي قائد لواء ما يسمى «الغرباء» التابع لـ«النصرة» خلال استهداف الجيش السوري للمسلحين في جرود القلمون. وأفيد أيضاً أن أعداداً كبيرة من المسلحين هربت من جرود رنكوس وقارة وراس المعرّة باتجاه جرود عرسال.

مصادر أمنية

وقالت مصادر أمنية لبنانية لـ«البناء» إن قوى الجيش لن توقف عملياتها العسكرية في المنطقة طالما أن هناك مسلحين يختبئون في جرود الهرمل. وأضافت أن هناك معلومات عن وجود أعداد كبيرة من المسلحين في هذه المنطقة، خصوصاً أنه توجد ممرات جبلية تربط بين جرود الهرمل وجرود القلمون ومحيطها، مشيرة إلى أن العملية قد تحتاج إلى بعض الوقت لإنهائها نظراً لمساحة المنطقة الواسعة وإمكانيات الحركة لدى المسلحين، لكنها أكدت أن الجيش يملك الكثير من المعلومات الدقيقة عن وجود المسلحين وحركتهم.

وأعلنت قيادة الجيش أن وحداتها نفذت عملية تفتيش واسعة في جرود عرسال ومخيمات اللاجئين السوريين بحثاً عن المسلحين والمطلوبين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى