خيار الأفغنة واستحضار المملكة…
هتاف دهام
ماذا سيكون ردّ فعل أميركا على التدخل العسكري الروسي في سورية؟ هذا هو السؤال الذي يُشغل بال الجميع في الوقت الحالي. هل ستتكيّف وتعترف بالوقائع المستجدّة وتبني عليها موقفاً إيجابياً يسرّع الحلّ السياسي؟ أم أنها ستلجأ إلى خيار الأفغنة، أيّ تحويل التدخل الجوي الروسي إلى استنزاف لروسيا؟ وبالتالي اللجوء إلى اللعبة التقليدية الخبيثة التي يمارسها الغرب، وهي تعزيز قدرات المجموعات المسلحة ومن بينها المجموعات التكفيرية بالسلاح النوعي المضادّ للطائرات والذي يهدّد الطائرات الروسية ويقيّد حركتها؟
لقد أطلق وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر موقفاً اتسم بالكثير من الغرابة والغموض في آن، عندما بشّر الروس قبل أيام بأنهم سيبدأون بتكبّد خسائر بشرية، وأنّ أميركا بصدد القيام بمراجعة لأشكال تعاطيها مع المجموعات السورية المعارضة، والأخطر في المواقف الأميركية العسكرية ما أشارت إليه مصادرهم إلى أنهم سيلجأون إلى الإقلاع عن تدريب المجموعات العسكرية واستبدال هذا الأمر بتأهيل قادة المجموعات وتزويد هؤلاء بأسلحة أساسية.
استوقفت هذه المواقف المراقبين واعتبروها غامضة لكونها طرحت في واقع الأمر احتمال السيناريو الأكثر خطورة، وهو أن تلجأ الولايات المتحدة إلى خيار الأفغنة لاستنزاف روسيا والتعاطي معها كمعركة مفتوحة من جورجيا إلى أوكرانيا إلى سورية. علماً أنّ ثمة وجهة نظر أخرى ترى في التنسيق القائم بين القيادات العسكرية الأميركية والروسية لتلافي الالتباسات المحتملة للطيران الروسي من جهة والتحالف الغربي، وكذلك الأمر في إعلان أميركا نيتها سحب صواريخ الباتريوت من تركيا. فبحسب وجهة النظر الأخيرة تعتبر هذه المؤشرات علامات على ردّ فعل أميركي معتدل تجاه التدخل الروسي واستبعاد خيار التصعيد.
يقول الرئيس الأميركي باراك اوباما لقناة «سي بي أس» إنّ «قادة الخليج يعتبرون أنّ علينا إرسال أعداد غير محدودة من الجنود إلى الشرق الأوسط، وإنّ المقياس الوحيد للقوة الأميركية هو في إعادة مئات آلاف الجنود إلى المنطقة لحكمها ولا يشكل مقتل آلاف الجنود الأميركيين وإنفاق تريليون دولار آخر مشكلة بالنسبة إليهم». يعني أوباما في ذلك أنّ الزمن الذي كان يذهب فيه الجنود الأميركيون ليُقتلوا خدمة لمصالح الآخرين والقتال بالنيابة عنهم، تماماً كما حصل في العراق 2003 حين دخل الجيش الأميركي ليقاتل عن الخليجيين و«الإسرائيليين» ودفع ثمناً تجاوز 5 آلاف قتيل وتريليونات الدولارات من الخسائر، قد ولى بالنسبة لأوباما ولن يعود مرة أخرى، وهو صاحب نظرية تقول بعدم انخراط الولايات المتحدة في أي معركة جديدة على الأرض. وهذه سياسة اعتمدها أوباما كنقيض لسياسة جورج بوش التي ورّطت أميركا بحروب متتالية، وأهدرت كلّ الفائض في الخزينة الأميركية، وأوصلتها إلى ذروة أزمة مالية خانقة. فالرئيس الأميركي الحالي اعتمد سياسة جديدة قائمة على عدم التورّط في الأزمات على قاعدة ما يُسمّى القيادة من الخلف، تماماً كما حصل مع الأزمة السورية على مدى خمس سنوات، ولن يكمل سنته الأخيرة بالتورّط عسكرياً.
لكن في مطلق الأحوال فإنّ سيناريو التصعيد أو ما سمّي بـ«الأفغنة» سيعيد استحضار المملكة العربية السعودية إلى قلب المشهد التصعيدي، بالإضافة إلى تركيا، وهو خيار يلاقي ما في النيات السعودية من رغبة في المضيّ في الخيار العسكري والإرهابي في مواجهة الدولة السورية. ما يعني في حال صحة احتمالات هذا التصعيد أننا على عتبة حرب عالمية بأدوات إقليمية وخليجية ومحلية مباشرة وغير مباشرة، وأنّ هذا الأمر سيفتح الباب على احتمال سيناريوات من الصعب تقدير مساراتها ونتائجها منذ اللحظة، لكن على الأقلّ يصبح من الطبيعي أن نأخذ في الحسبان دخول عوامل إضافية تتصل بالتدخل البري الإيراني طالما أنّ تداعيات الواقع الميداني باتت مضبوطة.