سلامة: سياساتنا عززت متانة القطاع وأبقته بمنأى عن الصدمات الخارجية
أشار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى أنّ الأزمة المالية الكبيرة التي عصفت بالعالم سنة 2008 لم تؤثر على لبنان، «وذلك بفضل النموذج المصرفي الذي اعتمده مصرف لبنان والذي نجح في استقطاب الرساميل خلال هذه الفترة وفي خفض معدلات الفائدة».
وفي كلمة ألقاها خلال مؤتمرعن آفاق الاقتصاد لبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والذي استضافه مصرف لبنان أمس في مقرّه المركزي في بيروت بمشاركة صندوق النقد الدولي، قال سلامة: «منذ ذلك الحين، استطاع مصرف لبنان المحافظة على هذه المعدلات على رغم الصعوبات التي برزت مع نشوب ثورات الربيع العربي وبداية الحرب في سورية».
وذكر الحاكم سلامه «الأحداث الجارية في العالم العربي، لا سيما في سورية، والتي انعكست سلباً على لبنان، إذ تراجعت معدلات النمو فيه من 8 في المئة في 2007-2010 إلى 2 في المئة في 2011-2013. و على رغم هذا الواقع، سجل لبنان نمواً إيجابياً، على عكس العديد من البلدان العربية، بالأخصّ البلدان غير النفطية».
وأكد أنّ «التدفقات المالية إلى لبنان لا تزال قوية وأنّ الاحتياطي الإجمالي بالعملات الأجنبية تجاوز الـ35 مليار في سنة 2013، ما سمح بالمحافظة على استقرارالعملة الوطنية ومعدلات الفائدة»، موضحا أنّ «سياسات مصرف لبنان قد عززت متانة القطاع المصرفي وأبقته بمنأى عن الصدمات الخارجية»، مشدداً على أنّ «مصرف لبنان لعب دوراً مهماً في خلق فرص العمل بفضل ميزانيته القوية. فمن خلال استثمار المصارف في الشركات الناشئة، سيساهم اقتصاد المعرفة في خلق قطاع جديد من شأنه أن يحسن قدرة لبنان التنافسية. وسيواصل مصرف لبنان هذا النهج، إنما من دون تهديد استقرار الليرة وتعريض المصارف لمخاطر غير اعتيادية».
ونبّه الحاكم إلى «التحديات التي سيواجهها لبنان، لا سيما من جراء اللاجئين السوريين الذين تجاوز عددهم المليون نسمة والذين تبلغ كلفتهم المباشرة على لبنان 2.6 مليار دولار لفترة 2012-2014 ويكبدون الاقتصاد 5 مليارات دولار كفرص ضائعة».
كما نبّه إلى «وجود مشاكل اجتماعية أخرى، منها تعديل سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام، حيث اقترح مصرف لبنان على الحكومة حلولاً لا تزعزع الاستقرار الاقتصادي»، آملا «أن تترافق زيادة الأجور مع الإصلاحات، باعتبار أنّ الضرائب وحدها لا تقدم الدعم اللازم»، مؤكداً ضرورة إعادة هيكلة المالية العامة في لبنان».
وأضاف سلامة: «مع استتباب الأمن في لبنان والسماح بعودة مواطني دول الخليج إلى لبنان، سنحافظ على الثقة ونحسن الوضع الاقتصادي. ومع أنّ المصرف المركزي لا يصدر عادة توقعاته بالنسبة للنمو قبل شهر تموز أو آب، يتضح لنا من دراسات أخرى أنّ الاقتصاد سينتعش هذا العام».
الحاج
من جهته، تطرق مدير المركز الإقليمي للمساعدة الفنية للشرق الأوسط لدى صندوق النقد الدولي محمد الحاج إلى تقويم الصندوق للاقتصاد العام والأوضاع الراهنة والتوقعات والمخاطر في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وقال: «بحسب توقعات صندوق النقد، إنّ النمو الاقتصادي في بلدان المنطقة المستوردة للنفط هو بنسبة 3 في المئة تقريبا. ويعزى هذا النمو الضئيل إلى الثقة الضعيفة وسط التحولات السياسية الحالية المعقدة وانعكاسات الأزمة السورية على المنطقة. ويعتبر الصندوق أنّ محاربة الارتفاع المستمر في معدلات البطالة يفترض مضاعفة النمو، لا سيما أنّ عواقب التحولات السياسية في مجموعة هذه البلدان وتفاقم الإضطرابات الاجتماعية والأمنية فيها وانعكاسات النزاعات الإقليمية قد تضعف الثقة وتهدّد الاستقرار الماكرو اقتصادي».
وأضاف: «يشدّد الصندوق على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة على ثلاثة محاور من أجل تحقيق نمو مستدام وشامل: إعادة توجيه الإنفاق العام نحو الاستثمار لتحفيز فرص العمل، تحسين استمرارية المالية العامة، وإطلاق الإصلاحات الهيكلية لزيادة النمو وتعزيز التوظيف المستدام والمساواة».
وأشار إلى أنّ صندوق النقد يرى «أنّ نسبة النمو في بلدان المنطقة المصدرة للنفط سترتفع من 2 في المئة في العام 2013 إلى 3.5 في المئة في العام 2014. كما سيحافظ النمو غير النفطي على متانته بفضل المستويات العالية في الإنفاق العام على البنية التحتية وفي تسليفات القطاع الخاص».
وأوضح الحاج أنّ «أسعار النفط قد تنخفض بسبب تراجع الطلب العالمي الناجم عن النمو المتباطئ في الأسواق الناشئة أو عن ازدياد مصادر النفط غير التقليدية. وقد حذر الصندوق من تدهور وضعية المالية العامة في هذه المجموعة من البلدان ومن عدم ادخار معظمها مكاسب نفطية تستفيد منها الأجيال القادمة».
وذكر التوصيات الرئيسية الثلاث التي وجهها الصندوق لبلدان المنطقة المصدرة للنفط: وهي «تحسين وضعيتها المالية لتعزيز قدرتها على جبه الصدمات وصون ثروتها للأجيال القادمة، والتركيز المستمر على التنوع الاقتصادي لزيادة الإمكانات الاقتصادية وخفض التقلبات في الإنتاج، والتركيز على الإصلاحات التي تسهم في خلق وظائف منتجة في القطاع الخاص لتلبية النسبة الديموغرافية المتزايدة».